قضايا وآراء

«أوسلو» وما بعد الانتخابات الإسرائيلية

| د. يوسف جاد الحق

زهاء عقود ثلاثة انقضت في ظل اتفاقية «أوسلو» البائسة، التي لم يعد خافياً على أحد ما جلبته من خسائر فادحة، وويلات ومآسٍ على المسألة الفلسطينية، أرضاً وإنساناً، حتى الآن.
ما الذي كان ينتظره أصحاب «أوسلو» من نتائج يظنون أنها ربما تكون لمصلحتهم بعد الانتخابات الإسرائيلية؟!
ألم يشهد أولئك السادة بأنفسهم توجهات الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، وممارساتها الإجرامية العنصرية منذ وجد هذا الكيان الهجين على أرضنا؟ ألم تكن كل حكومة تأتي تبزُّ سابقتها وتزاود عليها في عنصريتها وإجرامها، وقضم المزيد من الأرض الفلسطينية، حتى أوشكت أن يصبح معظمها في أيديهم، وبقيتها محتلة تشرف عليها جماعة «أوسلو» باتفاق وانسجام وتفاهم مع العدو!
هل يحسب هؤلاء السادة أن رئيس حزب «أزرق أبيض» بيني غانتس المنافس لبنيامين نتنياهو سوف يكون أقل سوءاً من ذاك، أو أن رئيس حزب «إسرائيل بيتنا» أفيغدور ليبرمان أقل إجراماً وحقداً وعنصرية من أرييل شارون وموشي ديان وغولدا مائير التي كان يقول عنها رئيسها ليفي أشكول إنها الرجل الوحيد في حكومته؟
من شأن هذا أن يدعو كل فلسطيني غيور على وطنه واستعادة أرضه إلى التساؤل عن ذلك السر الكامن وراء هذا الإصرار على التمسك بأوسلو ومضامينها بعد أن أوصلت قضيتنا إلى ما وصلت إليه حتى الآن بفضلهم! وبرغم هذا يعلن المسؤولون في السلطة اليوم الأحد الماضي بأنهم «على استعداد للتفاوض مع أي حكومة إسرائيلية قادمة».
التفاوض على ماذا يا سادة؟ ألم تكفكم عقود من هذا التفاوض المهين؟ هذه المكابرة العجيبة، هذا اللعب بالمصير الفلسطيني لمجرد الرغبة في الإبقاء على ما يحسبونه «سلطة» بحق لمن الأمور العجيبة الغريبة والتي لا بد للشعب الفلسطيني، ومن معه من الأخوة في محور المقاومة، من الوقوف في وجه هذا التوجه، الذي أقل ما يقال فيه، إنه إقرار بالوضع القائم الآن في فلسطين بحكم الأمر الواقع؟ عندما يصر هؤلاء على التفاوض مع العدو بعد كل ما حدث لا يعني ذلك سوى شيء واحد هو اعتبار ما هو قائم، الطرف الإسرائيلي ووجوده، أمراً مفروغاً منه غير قابل للتغيير، ناهيك عن الضرورة الحتمية لإزالة وجوده هنا في بلادنا، وما نحسب أن الاكتفاء بفتات يتكرمون به على السلطة ومن معها والذي لا يعدو 15 بالمئة من أرض فلسطين تحت المسمى حل الدولتين فلسطينية ويهودية، باعتبار أنه ليس في الإمكان تغيير ما هو كائن وقائم، هذا التفريط على هذا النحو مرفوض تماماً، وينبغي وضع حدٍّ له من قبل شعب فلسطين المقاوم المناضل منذ قرن وحتى الساعة سواء في وجه عصابات الغزاة اليهود، أم وكلاء الاستعمار، الانتداب البريطاني على فلسطين الذي كان دوره إعداد فلسطين لكل ما جرى مما كان من شأنه تغيير مجرى التاريخ وتغيير معالم المنطقة ومصائر أهلها.
نذكِّر السلطة، وغير السلطة هناك، بمشروع نتنياهو الذي أعلنه في معمعة خوضه لمعركة الانتخابات الأخيرة عزمه، فيما لو أعيد انتخابه رئيساً لوزراء إسرائيل، فلسوف يعتبر المستوطنات في الضفة خاضعة لإسرائيل، وأن الضفة نفسها ليست سوى «يهودا والسامرة» التي يجب استعادتها من الفلسطينيين «الطارئين»! وأنه سوف يضم أراضي الغور من بيسان إلى حدود فلسطين الشمالية، إضافة إلى أراضي الخليل والعيسوية وأراضي النقب التي بُدئ بتهجير أهلها وهدم منازلهم أمام أعينهم وفوق رؤوسهم، توطئة لتنفيذ بند صفقة القرن القاضي بحصر الفلسطينيين في مساحة من النقب وسيناء عند حدود مصر، ونقلهم إلى أرض بديلة فيها ليقيموا عليها «دولة» لهم إن شاؤوا!
ولا تفوتنا هنا الإشارة إلى أن «أوسلو» مهدت لمؤامرة صفقة القرن منذ توقيعها وقد نفذ أجزاء منها حتى الآن، من أهمها ضم القدس إلى الكيان الصهيوني من قبل ترامب رئيس أميركا على أنها عاصمته الأبدية، إضافة إلى منحة إضافية، كهدية مجانية، هي الجزء المحتل من أرض الجولان العربية السورية، وكأنه يملكها استهتاراً بالمواثيق الدولية وسيادات الدول على أرضها وكرامات الشعوب. ومن بنود الصفقة إياها إلغاء حق العودة. وقد بدأ كذلك في تنفيذ إجراءات بهذا الخصوص عندما انسحبت أميركا من دفع ما هو مترتب عليها لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، 360 مليون دولار، ومحاولته، مع نتنياهو، إلغاء دور «اونروا»، يجري هذا كله تلبية لرغبة نتنياهو بغية إلغاء صفة اللاجئين عن الفلسطينيين، ومحو مخيماتهم، أي وأد القضية وشعبها لكي ينساها العالم تماماً.
إلغاء «أوسلو» إذاً هو المطلب الراهن العاجل، غير القابل لمساومة وتمييع، وإلا فلتنسحب السلطة برجالها وتشكيلاتها من الساحة، فهم ليسوا قدراً محتوماً على الفلسطينيين لا يمكن الخلاص منه.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن