قضايا وآراء

سورية والأمة الصينية

| مازن جبور

العلاقة الصينية السورية تمثل حلقة مهمة في الدبلوماسية الصينية في العصر الجديد، ومنذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين قبل 62 سنة، يتبادل الجانبان الدعم والمساعدة في كل المجالات، ومع بدء الحرب على سورية، كانت الصين تقف بثبات مع الشعب السوري، إلا أنه وفي ظل التطورات الجديدة القائمة على أساس تفاعلات دولية جديدة في سورية بشكل خاص والشرق الأوسط بشكل عام، يحتم على الصين النظر إلى علاقاتها مع دمشق من منظور أن لا بدائل جيوسياسية للأمة الصينية في الشرق الأوسط عن سورية.
إذ إنه مع تحول الصين إلى ثاني أكبر اقتصاد دولي، فإن مبادرة بكين الحزام والطريق، لا بد أنها تحمل في طياتها مخاوف سياسية وأمنية للقوى الإقليمية والدولية الفاعلة في الشرق الأوسط، لذلك يبقى نجاح هذه المبادرة في المرور بالشرق الأوسط مرتبطاً بقدرة الصين على طمأنة دول المنطقة وفهم توجهاتها، وبناء نقاط ارتكاز أساسية لها في المنطقة تبدو سورية المرشح الأكبر لهذه المهمة لما تمتلكه من عوامل إستراتيجية مساعدة، أولها الموقع وليس آخرها امتلاكها لملفات التنظيمات الإرهابية الجديدة وفي مقدمتهم تنظيمي داعش و«جبهة النصرة» و«الإيغور» وهؤلاء قد يستخدمون كأفخاخ بشرية على طريق مبادرة الحزام والطريق.
وبما أن موقف الصين من الدولة السورية خلال الحرب عليها كان إيجابياً وبنّاءً، نابعاً من الدور الكبير والمتنامي للصين في السياسة الدولية، ونظراً لأن الإرهاب بات اليوم شأناً عالمياً، وكل الدول معنية بمكافحته، إذ لم يعد له وجود جغرافي محدد، وهو آخذ بالظهور في بيئات عديدة ومختلفة، وهناك دول تستثمر فيه، فقد لا تكون الصين في مأمن منه، وباعتبار أن مكافحة الإرهاب ليست عسكرية وأمنية فحسب، من هنا تكمن أهمية بناء علاقات أبعد من العلاقات الاقتصادية بين سورية والصين، أي علاقات سياسية واجتماعية وثقافية يكون للاقتصاد دور رئيسي في تدعيمها.
وفي وقت مثلت الأحداث العسكرية والأمنية، بوابة لتوطيد علاقات سورية مع روسيا وإيران أمنياً وعسكرياً بشكل كبير، واقتصادياً إلى درجة ما، فإنه يجب أن يكون للصين دور محوري في إعادة الإعمار، لإحداث توازن بين العلاقة الصينية السورية من جهة قياساً بالعلاقات السورية مع كل من روسيا وإيران من جهة أخرى، وهذا يتطلب بالدرجة الأولى العمل على الانتقال من تعاون اقتصادي إلى شراكة اقتصادية حقيقية بين سورية والصين، قائمة على بعد اجتماعي وثقافي وأمني وعسكري إلى جانب الاقتصادي.
يمكن النظر إلى الوضع في سورية باعتباره البيئة المناسبة لتطبيق سياسة الإصلاح والانفتاح الصيني التي تتطلب التكيف مع تطورات وتغيرات الأوضاع في العالم، إذ ينبغي للدبلوماسية الصينية أن تخدم الاشتراكية ذات الخصائص الصينية في العصر الجديد، وتهيئ البيئة الخارجية الصالحة لتحقيق النهضة العظيمة للأمة الصينية.
بناءً على ما سبق، يمثل الدور الصيني في إعادة إعمار سورية تطبيقاً عملياً لسياسة الصين بالانفتاح على الخارج، وتأكيداً على بناء الحزام والطريق على أساس مبدأ التشاور والبناء المشترك بين الصين والدول في القارة الآسيوية.
نستطيع أن نصل إلى الخلاصات التالية في أهمية العلاقات الصينية السورية:
– إن الرهان على علاقات صينية سورية إيجابية هو رهان جيوسياسي، ذو أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية متكاملة.
– يجب أن يكون للصين دور محوري في إعادة الإعمار، لإحداث توازن بين العلاقة الصينية السورية من جهة والعلاقة السورية مع كل من روسيا وإيران من جهة أخرى.
– تمثل سورية بوابة للصين للعب دور في رسم المعادلات السياسية في الشرق الأوسط عموماً وسورية خصوصاً بما يتناسب مع مبادئ نهوض الأمة الصينية.
– الوضع السوري هو البيئة المناسبة لتطبيق الدبلوماسية الصينية بما يخدم الاشتراكية ذات الخصائص الصينية في العصر الجديد، ويهيئ البيئة الخارجية الصالحة لتحقيق النهضة العظيمة للأمة الصينية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن