بعد أميركا.. فرنسا: المطالبة برحيل الرئيس الأسد كشرط مسبق لحل الأزمة ليس واقعياً
وكالات :
قبيل أيام من انطلاق جلسات نقاش الملفات في الجمعية العمومية في الثامن والعشرين من الشهر الجاري، يبدو أن دول المعسكر الغربي بدأت تظهر قدراً أكبر من التحول في التصريحات لتتناغم مع إشارة المايسترو الأميركي بالنسبة لها، ولتعطي المزيد من المؤشرات على وجود شكل من أشكال التنسيق أو التفاهم الروسي الأميركي حول محاربة الإرهاب في المنطقة والتسوية السياسية للأزمة في سورية، ما يدفعها لتخفيف حدة تصريحاتها خلافاً للسنوات الأربع الماضية، سعياً منها على ما يبدو لحجز مكان في هذا التفاهم أو التسوية. وفي آخر فصول هذه التبدلات تلقفت فرنسا سريعاً تصريحات وزير الخارجية الأميركي جون كيري من أن «رحيل» الرئيس بشار الأسد «ليس بالضرورة فورياً»، ليخرج وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس ويعلن أن «المطالبة برحيل الرئيس الأسد كشرط مسبق لحل الأزمة ليس واقعياً».
ويرى مراقبون أن في هذا الأمر مؤشراً مهماً من العاصمة الفرنسية عن إمكانية وجود تبدل حقيقي في التعاطي مع الأزمة في سورية، خاصةً أن فرنسا باتت متمرسة بفن التقلبات في السياسة بحثاً عن مصالحها بمجرد استشعارها أي تحول، ما دفع البعض لتسميتها «جنبلاط الغرب»، خاصةً أنها كانت من ألد أعداء توقيع الاتفاق النووي مع إيران ولكنها كانت أول السباقين إلى طهران لفتح قنوات التواصل معها عقب توقيع الاتفاق، وهاهي اليوم قد تكون بدأت مسلسل تبريد مواقفها تجاه سورية.
وأعلن فابيوس في مقابلة مع صحف «لوفيغارو» الفرنسية و«لا تريبون دو جنيف» السويسرية والـ«بايس» الإسبانية و«لا ريبوبليكا» الإيطالية و«لو سوار» البلجيكية أمس، أن «المطالبة برحيل الرئيس الأسد كشرط مسبق لحل الأزمة ليس واقعياً»، مشيراً إلى أن حل الأزمة في سورية يمر عبر «تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم أطرافاً من النظام والمعارضة».
واعتبر فابيوس أنه تفادياً لما حصل في العراق يجب الحفاظ على الجيش وعلى دعائم أخرى للدولة وهذا يتطلب في آن معاً عناصر من الدولة وأعضاء من المعارضة ممن يرفضون الإرهاب.
وسبق لوزير الخارجية الأميركي جون كيري أن تراجع أيضاً يوم السبت الماضي عن مطالبة إدارته برحيل الرئيس الأسد كشرط مسبق لأي مفاوضات، وقال: «هناك عملية يجب أن تجتمع فيها كل الأطراف معاً للتوصل إلى تفاهم».
وأضاف بعد محادثات مع نظيره البريطاني فيليب هاموند: «إن هناك حاجة ملحة لتجديد جهود التوصل لتسوية سياسية لإنهاء الأزمة ونحن بحاجة للانخراط في مفاوضات وهذا ما نبحث عنه ونأمل في أن تساعد روسيا وإيران وأي دولة أخرى ذات نفوذ في تحقيق ذلك».
وتأتي التحولات الغربية الجديدة مع إعلان روسيا ضرورة التوصل إلى إستراتيجية واضحة ومحددة لمكافحة الإرهاب تكون بمشاركة الدول المتضررة منه وخاصة سورية التي يعتبر جيشها القوة الأكثر فاعلية على الأرض.
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دعا إلى إقامة تحالف عريض من الدول بالتعاون مع الحكومة السورية من أجل مكافحة الإرهاب، وأكد أن روسيا مستمرة بدعم سورية عسكرياً، فيما أعلن المتحدث باسم الرئاسة الروسية ديمتري بيسكوف أن موسكو مستعدة لدراسة طلب دمشق تقديم أي مساعدة في هذا المجال.
وفي معرض تعليقه على مقترح الرئيس الروسي، أشار فابيوس إلى أن «موسكو ذكرت أنها تريد تحالف حسن نوايا. فلم لا؟
ورداً على سؤال عن الطلعات الاستطلاعية التي باشرت مقاتلات فرنسية القيام بها في الأجواء السورية تمهيداً لشن غارات محتملة ضد داعش بعدما كانت باريس ترفض المشاركة في شن هكذا غارات بذريعة أنها تصب في خانة مصلحة النظام السوري، أكد فابيوس أن الموقف الفرنسي المستجد نابع من مبدأ «الدفاع المشروع عن النفس».
وتابع وفق موقع «روسيا اليوم»: «لقد وردتنا معلومات دقيقة مفادها أن عناصر من داعش في سورية يحضرون لشن اعتداءات ضد فرنسا ودول أخرى»، من دون مزيد من الإيضاحات.
وتجدر الإشارة إلى أن فرنسا وسعت في 8 أيلول الجاري عملياتها الجوية التي كانت تنفذها في العراق لتشمل مواقع لداعش في سورية.
والاثنين اطلع وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان خلال زيارته إلى الإمارات العربية المتحدة على أولى نتائج المهمات الاستخباراتية التي نفذتها طائرات «رافال» الفرنسية مؤخراً فوق سورية.
وحسب مصادر مطلعة، فقد أجرى لودريان عدة محادثات مع المسؤولين الإماراتيين، وخصوصاً ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان أظهرت «تقارباً كبيراً في وجهات النظر» حول «تفاصيل استئناف عملية سياسية» في سورية «حتى لو كان بدا هذا الأمر بعيد المنال راهناً» وكذلك حول الوضع في ليبيا.
ويرى مراقبون أن الدول الغربية فهمت الرسالة الروسية جيداً وبدأت بالفعل تغيير مواقفها بالتدريج بدليل إعلان وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر عن محادثات عسكرية مع روسيا حول الوضع في سورية ومحاربة الإرهاب.
وتلا الإعلان الأميركي عن تنسيق عسكري كان متوقفاً منذ سنتين، إعلان كيري بعد لقائه نظيره الألماني فرانك فالتر شتاينماير الأحد الماضي أن الحل السياسي هو السبيل الوحيد للخروج من الأزمة في سورية، مشدداً على ضرورة أن تشارك روسيا وإيران في ذلك.
ويشير مراقبون ومحللون سياسيون وفق وكالة «سانا» للأنباء إلى أن التحول التدريجي في المواقف الغربية من العداء الكامل لسورية وشعبها وقيادتها والدعم المطلق للإرهاب إلى التخلي عن الشروط المسبقة والاستعداد للتفاوض مع الحكومة السورية سببه الأساسي صمود سورية وشعبها وجيشها وقيادتها لسنوات أمام أفواج المرتزقة التكفيريين وأمام الحصار والعقوبات والضغوط السياسية والحرب النفسية.
وهو ما أكده وزير الخارجية والمغتربين وليد المعلم في حوار مع قناتي التلفزيون السوري والإخبارية السورية قبل أيام، من أن أعداء سورية خسروا الرهان على إسقاط الدولة وتفكيكها وهزيمة الجيش العربي السوري، وقال: «في كل يوم نتجدد في نضالنا ضد الإرهاب أما الآخرون فيقتربون في كل يوم من اليأس».