من دفتر الوطن

كاملة شمسي

| حسن م. يوسف

تتباهى حكومات الغرب عموماً وأوروبا الغربية بشكل خاص، بتقديسها لحرية التعبير، إذ إن قوانين معظم تلك البلدان تكفل للفرد حرية التطاول على الذات الإلهية، والتهكم على الأنبياء والرموز والعقائد. لكن (حرية التعبير) المقدسة تصبح نوعاً من الكفر والدنس عندما تستخدم للمساس باليهود. فقوانين فرنسا، وهي البلد الذي تمت فيه الصياغة الشبه النهائية لحقوق الإنسان إبان الثورة الفرنسية، تجرِّم كل من يتجرأ على التشكيك بأي شيء يتعلق بالإبادة اليهودية (الهولوكوست)، حتى الأرقام اليهودية اكتسبت ضرباً من القداسة بحكم القانون الفرنسي! فمن يتجرأ على القول إن عدد ضحايا الإبادة اليهودية هو 5999999، أي أقل بنفر واحد من الرقم الرسمي المعتمد من الصهيونية العالمية، يحكم عليه بالسجن والغرامة، حتى ولو كان مثقفاً فرنسياً كبيراً كالراحل روجيه غارودي.
آخر مثال على حالة الانفصام و(عبادة اليهود) التي يعيشها الغرب هي قصة الكاتبة الباكستانية المهاجرة إلى بريطانيا كاملة شمسي. ففي السادس من شهر أيلول الحالي نشرت وسائل الإعلام قرار لجنة تحكيم جائزة «Nelly Sachs» نيللي زاكس، المؤلفة من ثمانية أشخاص بمنح الجائزة للكاتبة البريطانية من أصل باكستاني كاملة شمسي، لأن رواياتها: «تبني جسوراً بين المجتمعات والثقافات».
وكانت كاملة شمسي قد حصلت على اثنتين من جوائز أكاديمية باكستان للأدب في عام 1999، كما فازت بجائزة المرأة للخيال عام 2018 عن رواية «حريق منزل».
تقدر قيمة جائزة نيللي زاكس بحوالي 15 ألف يورو، وهي تمنح مرة كل عامين للكتّاب والمؤلفين الذين تروِّج أعمالهم للمصالحة والتسامح، وقد سبق أن فاز بها كل من التشيكي – الفرنسي ميلان كونديرا والأديبة الكندية الناشطة في المجال النسوي مارجريت آتوود.
لكن لجنة الجائزة اكتشفت قبل أيام أن الروائية كاملة شمسي هي من مؤيدي حركة (BDS) «مقاطعة، سحب استثمارات، عقوبات» التي أنشئت في عام 2005 وتطالب بمقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض عقوبات عليها على غرار مبادرات حركة مناهضة الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، لإجبار إسرائيل على إنهاء احتلالها للضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة ومرتفعات الجولان، وإلزامها بمنح الفلسطينيين في (إسرائيل) حقوقاً متساوية، وإتاحة حق العودة للاجئين.
وما إن اكتشفت لجنة جائزة نيللي زاكس أن كاملة شمسي تؤيد مقاطعة إسرائيل، حتى اجتمعت مجدداً في مدينة دورتموند، وقررت إلغاء التصويت وسحب الجائزة من الكاتبة.
وكان البرلمان الألماني قد أقرّ في أيار الماضي مقترحاً يصف حركة (BDS) بأنها حركة معادية للساميّة. إلا أن ثلاث محاكم ألمانية قضت بشرعيّة الحقّ في المقاطعة.
رغم ذلك، فإن قرار سحب الجائزة لم يزد شمسي إلا إصراراً على موقفها، إذ قالت في لقاء أجرته معها صحيفة (الغارديان) البريطانية قبل أيام:
«في انتخابات إسرائيل الأخيرة، أعلن بنيامين نتنياهو عزمه ضم ثلث الضفة الغربية إلى الأراضي المحتلة بما يتعارض والقانون الدولي، وهذا الأمر تزامن مع قتل مراهقين فلسطينيين على يد قوات إسرائيل، ورغم هذا سحبت مني الجائزة لدعمي حملة سلمية في الأساس، هدفها الضغط على الحكومة الإسرائيلية».
وقد أصدر 300 كاتب من مختلف أنحاء العالم على رأسهم المفكر نعوم تشومسكي، بياناً نددوا فيه بسحب الجائزة من كاملة شمسي، وقد جاء في البيان: «ما معنى الجائزة الأدبية التي تقوّض الحق في الدفاع عن حقوق الإنسان ومبادئ حرية الضمير والتعبير وحرية النقد؟… فمن دون هذه الأشياء، يصبح الفن والثقافة رفاهية بلا معنى».
فهل يعلن الغرب «عبادة اليهود» ديناً رسمياً له عما قريب؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن