اقتصاد

اقتصاد عاطفي

| علي محمود هاشم

وإن بطريقة مختلفة نسبياً، يمكن للمرء أن يستلمح في مبادرة غرفة تجارة دمشق، وانخراط قطاع الأعمال الوطني مباشرة في المواجهة النقدية القائمة داخل وخارج الأسواق السورية؛ ما فعله آباؤهم في ثمانينيات القرن الماضي، إبان ولوغ الحرب الإرهابية في تلك الأيام، منعطفاً اقتصادياً حاداً لتكريس اتفاقية كامب ديفيد، والتمهيد لـ«17 أيار»، بمعية جبهات نقدية خارجية تم استنفار مكاتبها داخل سورية، وفي دول الجوار.
يصعب الوقوف على مشاركة مباشرة لقطاع أعمال في حماية نقده الوطني كما تفعل «تجارة دمشق» عبر صندوق إيداعاتها التدخلي الوليد، ومع ذلك، ورغم نبل سجيته ووطنية أهدافه، وبروزه كإضافة غير اعتيادية إلى هيكلية جبهة الدفاع عن الليرة، فثمة أسئلة رديفة تنتظر موقفنا الاقتصادي العام على الضفة الأخرى من هذه المواجهة، مع التأكيد المتجدد الذي تكرّسه المبادرة حول خروج السوق النقدية عن سيطرة الحكومة، أو على الأقل، تمظهرها كمجرد لاعب ثانوي لأسباب تتعلق أساساً بقدرتها النقدية المعطوبة واحتياطاتها الشحيحة.
يتدحرج التساؤل الأول حول المدى الذي يمكن أن يصله رجال الأعمال في ظل كارثة الركود التضخمي، وما تختزنه من ظروف موضوعية، تعكس احتياجاً مستمراً لشراء العجز الاقتصادي لليرة، على التوازي مع ضبابية المدى الذي تحتاجه الحكومة لترميم ركائزها القيمية (لليرة) من خلال المبادرات التي لطالما طرحتها وبات الجميع على دراية جيدة بمواطنها.
عطفاً على ما سبق، وتبعاً للتوصيف الدارج؛ «وهمية الدولار»، فثمة تساؤلات تطرحها المبادرة حول طبيعة المواجهة القائمة في سوق النقد الداخلي، وما إذا أمر الليرة يعبر بحق، في جانب منه؛ عن انقسام مجتمع قطاع الأعمال الوطني على جبهتي النقد، بين مهاجم ومدافع، الأمر الذي يتطلب معرفة دقيقة بالمهاجمين كمادة أولية لمواجهتهم، وما إذا كان ثمة أدوات أخرى أكثر مباشرة لتقوية موقف المدافعين وقدرتهم على الاستمرار بالمشاركة في حمايتها، بما في ذلك استلال الأدوات القمعية لتحييد منعكسات شره الاستهلاك الكمالي للمستوردات والتهريب والمضاربة والاحتكار، إلى حين تحقيق بعض المبادرات التي لطالما واظبت الحكومة على إطلاقها خلال الأعوام الأخيرة بما فيها: تسهيل الولوج إلى التمويل، وإحلال المستوردات، تنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة.. وإلخ، ما تنطوي عليه قائمة شعاراتها «الأزلية»!.
من حيث انتهينا آنفا، وفي معرض الإجابة المواربة، يجدر بالحكومة مساءلة نفسها عن السبب الذي يجعل بعض رجال أعمالنا على كل هذا القدر من الاستعدادية الوطنية النبيلة لدعم الرمز الاقتصادي الأبرز، فيما يتجنبون الانخراط في قطاع الاستثمار بالقدر الذي يسهل التصدي المسبق لموجات الحرب الدولارية المعتادة، وما إذا كان للأمر علاقة بعجز رؤيوي يخنق إستراتيجياتنا الاستثمارية عن صوغ مبادرة مبدعة من خارج الأطر المعتادة، كتلك التي انبرى لها داعمو الليرة، كي يتمكنوا من النفاذ إلى الاستثمار الحقيقي؟!.
ماذا بشأن الغد؟.. هذا السؤال يتفرع إلى شقين، الأول: هل رجال أعمالنا على استعداد للاستمرار في مبادرة الصندوق؟
لربما تحتاج الإجابة إلى مزيد من الوقت، ومع ذلك فعواطفنا الجارفة تدفع للقول: بالتأكيد، لأنهم فعلوها بمبادرة ذاتية أولاً.
ومع ذلك – للأسف- فهذا لا يمكن تصنيفه كإستراتيجية نقدية وطنية، ناهيك عن قدرتهم على الاستمرار بذلك في ظل الظروف الاقتصادية الموضوعية، الأمر الذي يمهد للشق الثاني: هل يمكن التعويل عليهم لدعم الليرة في قطاعات اقتصادية حقيقية؟.
الإجابة في عهدة الحكومة، وقد يجدر بها التفكير جيداً في طرائق تنشيط استثمار الثمانينيات، وإن بطريقة مختلفة، جذريا أو نسبياً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن