قضايا وآراء

قضية اللاجئين… أسبابها… وتداعياتها على أوروبا العجوز

د. قحطان السيوفي :

وردني بالبريد الإلكتروني سؤال (لماذا هذه الضجة الدعائية لموضوع اللاجئين إلى أوروبا؛ والسوريون منهم بشكل خاص؟ وما دور المشروع الإسرائيلي الأميركي والتنظيمات الإرهابية في قضية اللاجئين؟ أليس من أهداف المشروع تحويل السوريين إلى لاجئين؟…).
توضيحاً للسائل نقول إن من أهداف المشروع الإسرائيلي الأميركي المدعوم والممول من حلفاء أميركا في المنطقة؛ تفتيت الدولة الوطنية في العالم العربي من خلال الأعمال الإجرامية التي تنفذها التنظيمات الإرهابية لإجبار السكان على مغادرة وطنهم، وتفريغ سورية من الكوادر البشرية الوطنية… وقد يكون من أهداف المشروع إغراق أوروبا بالمزيد من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية.
القضية الرئيسية التي تشغل، حالياً، بال السياسيين ووسائل الإعلام الأوروبية، والرأي العام؛ هي قضية اللاجئين، والمهاجرين الذين يتدفقون على القارة الأوروبية العجوز بمئات الآلاف. الحملة الدعائية الإعلامية التي يتعامل الغرب من خلالها مع أزمة اللاجئين تظهر ازدواجية واضحة من خلال التظاهر بالتعاطف مع هؤلاء اللاجئين الذين شردهم الإرهاب ونتائجه من ناحية… ويصوبون عليهم النار بدعم الغرب للتنظيمات الإرهابية منذ بدء الأزمة السورية من ناحية أخرى… الأغلبية الساحقة من السوريين اللاجئين غادروا بلدهم سورية بسبب الممارسات الإجرامية للإرهابيين من سبي، وقتل، وذبح… وبسبب نتائج الإرهاب… فالتنظيمات الإرهابية المدعومة من الغرب قامت بتدمير البنى التحتية، والإنجازات الاقتصادية (الإنتاجية، والخدمية) التي تحققت في سورية على امتداد عقود من الزمن… ما أفقد الكثيرين أسباب رزقهم وجعل الحياة في ظل الأعمال الإرهابية صعبة جدا..
قضية اللاجئين تشكل تحدياً لأوروبا على الصعد كافة؛ السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعرقية والأخلاقية… وهذه المشكلة ستتواصل لسنوات طويلة، وربما لعقود.
العامل الاقتصادي يحتل، حالياً، مركزاً رئيسياً قي هذه المشكلة، ويعتبر من أحجار الزاوية للأزمة الراهنة. العامل الذي يقلق أوروبا آنياً، هو قدرتها على استيعاب تلك الأمواج البشرية. رغم أهمية العامل الاقتصادي إلا أن القضية بالنسبة لقادة أوروبا أكبر وأعمق، وأكثر خطراً من ذلك، لأنها تتعلق بالمستقبل السياسي والاقتصادي للقارة العجوز… ويتساءل الأوروبيون هل سيعود استيعاب هؤلاء اللاجئين بفائدة اقتصادية على المجتمعات الأوروبية في الأمد الطويل، أم سيشكلون عبئاً اقتصادياً يؤدي إلى تراجع معدلات النمو؟ ولاسيما أن أزمة اللاجئين جاءت في توقيت سيئ، وخاصة لدول منطقة اليورو التي تعاني أزمة مالية حالياً. بالمقابل فإن قضية اللاجئين تشكل عاملاً إيجابياً لمصلحة التيارات السياسية المعادية لاستقبال اللاجئين، وقد تخلق رأياً عاماً معادياً للحكومات الأوروبية ضمن المنظومة الاقتصادية والثقافية الأوروبية.
حسب مراكز البحث الغربية لا إحصاءات دقيقة حول التكلفة المالية لاستيعاب اللاجئين السوريين، ولا المستوى العلمي والمهني لهؤلاء… كما يصعب حساب التكلفة المالية للاندماج الاجتماعي، لتعلم اللغة، والرعاية الصحية… وتمويل السنوات المقبلة. ألمانيا، الأقوى اقتصادياً، لديها فائض (301) مليار يورو، وسيكلف استيعاب اللاجئين الجدد عشرة مليارات يورو. وتتوقع ألمانيا استقبال (260) ألف لاجئ ومهاجر العام المقبل. كما تتوقع مراكز البحث أن يصل الرقم إلى مليون لاجئ عام 2019. ولن تسمح الحكومة الألمانية إلا للفئة العمرية (35 – 45) فقط بالبقاء على أرضها. الدول الأوروبية الأخرى، التي تعاني من الأزمة المالية، لا تستطيع تحمل نفقات الاستيعاب للاجئين. ومن المتوقع أن تكون التكلفة الإجمالية لأوروبا ما يقارب (23) مليار يورو في هذا العام. مؤيدو الهجرة يقولون إن أوروبا بحاجة إلى عاملين شباب… لأن كثيراً من الدول الأوروبية تتحول تدريجياً إلى دور للمسنين (ألمانيا، إسبانيا، إيطاليا) ولديها أدنى معدلات مواليد في تاريخ البشرية… مركز الأبحاث الأميركية (بيو) يتوقع أن ثلث سكان هذه الدول سيبلغ من العمر (65) في عام 2050.
إن قراءة متأنية لما يسمى قضية اللاجئين السوريين تظهر بوضوح أن من أهم أهداف المشروع الإسرائيلي الغربي لتفتيت العالم العربي وخاصة سورية؛ استخدام الإرهاب التكفيري لتخويف السوريين من خلال القتل، والذبح… وتخريب البنى التحتية لدفع السوريين لترك وطنهم وطلب اللجوء، وبالتالي تفريغ سورية من الكوادر البشرية الوطنية… وتحويل الأزمة السورية إلى قضية لاجئين، ومشردين أسوة بالمؤامرة الصهيونية الغربية على القضية الفلسطينية التي عملوا ويعملون لتحويلها إلى مجرد قضية لاجئين… إن النهج الذي تتبعه بعض الدول الأوروبية لمواجهة مشكلة اللاجئين ستؤدي إلى المزيد من التداعيات السلبية… القضية لا تتعلق بأن أوروبا لم تقبل أو تحتضن اللاجئين… بل تتعلق بأسباب القضية وبطريقة وأساليب معالجتها، وإذا كان الغرب بشكل عام، وأوروبا بشكل خاص؛ قلقين ويريدون حل قضية اللاجئين السوريين فليبادروا لإيقاف دعمهم المباشر، وغير المباشر للتنظيمات الإرهابية، ما سيساهم في حل قضية اللاجئين… بالمقابل فإن استمرار الغرب في دعم الإرهاب ستكون نتائجه سلبية جداً وستدفع دول القارة الأوروبية العجوز ثمن ذلك… المزيد من المشاكل حاضراً، ومستقبلاً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن