قضايا وآراء

بدايات اللجنة الدستورية

| مازن بلال

مع دعوة المبعوث الأممي لسورية غير بدرسون اللجنة الدستورية للانعقاد نهاية الشهر المقبل؛ تتضح ملامح إضافية داخل الأزمة السورية، فاللجنة التي حظيت بتوافق دولي مبدئي، لم تعبر في المقابل عن توافق داخلي، فبقيت منطقة شرقي الفرات خارج مشهد هذه اللجنة، في المقابل فإن انعقاد اللجنة لا يقدم أي احتمال لإنهاء مساحات التوتر القائمة حالياً وخصوصاً في إدلب.
عملياً فإن الفراغ الأساسي في اللجنة يرتبط بشرقي الفرات، فاعتبار الإدارة الذاتية أنها غير معنية باللجنة ليس شأناً عابراً، وعدم ظهور ردود فعل دولية على موقف الإدارة الذاتية ينقل أمرين:
– الأول هو أن التوافق الدولي يستبعد شرقي الفرات من أي توافق سوري سوري حاليا، وهو ينتظر بداية الحل السوري ليدخل مناطق الإدارة الذاتية في تفاوض جديد، فهو يفترض مسبقاً حالة فيدرالية غير معلنة.
إن هذا الاحتمال ظهر في الممارسات الدبلوماسية منذ بدء التفاوض في جنيف، فالتمثيل الكردي بقي محصوراً بشخصيات داخل وفد الائتلاف، في وقت كانت مساحة الاشتباك بين «قسد» وتركيا تتسع، وتتطور معها العلاقة الأميركية مع الإدارة الذاتية، فتركيا كانت تغلق منافذ الاتصال في مناطق الإدارة الذاتية، في حين وسعت الولايات المتحدة من تواجدها العسكري في الجزيرة السورية.
– الثاني يرتبط بالتفكير الأميركي وتصوراته لشكل المنطقة مستقبلاً، فاللجنة الدستورية هي نتاج جهد روسي بالدرجة الأولى، ورغم أنها حظيت بترحيب أميركي لكنها في المقابل مؤطرة بالنسبة للولايات المتحدة بمناطق الاشتباك الموجودة حالياً.
تنظر واشنطن للجنة الدستورية في إطار عملية التحول العميق في سورية، فهي ليست أداة استقرار أو بداية توافق سوري، إنما عملية لن تتوقف من تغيير في الشكل السياسي لسورية وللمنطقة، وهي بالتالي ترى المسألة اختراقاً للكتل السياسية الصلبة في الشرق الأوسط التي ظهرت كدول في أعقاب الحرب العالمية الثانية.
لا تشكل اللجنة الدستورية حالة فارقة بالنسبة للولايات المتحدة، أو حتى لدول الاتحاد الأوروبي، فهي لن تغير مواقفها لأنها تنظر لما يحدث على أنه اختبار جديد للعلاقات مع روسيا من خلال «الأزمة السورية»، فهناك توازن تفترضه الولايات المتحدة يختلف كلياً عن الأهداف التي تسعى إليها روسيا من خلال «اللجنة الدستورية»، ومهما كانت طبيعة العمل القادم على الدستور السوري، فإن واشنطن تنظر إلى الترتيبات القادمة وليس إلى التوافقات المحتملة، وتبقى نقطة ارتكازها في شرقي الفرات العامل المرجح في طبيعة تعاملها المقبل مع الأزمة السورية.
المشهد القادم يحمل لواشنطن شكل علاقاتها مع تركيا عبر الأزمة السورية، وهو شأن حيوي مازال يتفاعل سواء عبر «المنطقة الآمنة»، أم مستقبل التعاون العسكري مع أنقرة في مجالات متعددة، ومن الطبيعي إبقاء شرقي الفرات كماسحة توتر للنفاذ إلى العلاقة مع تركيا، ويفسر هذا الأمر البرود الأميركي عموماً تجاه اللجنة الدستورية أو حتى الأزمة السورية عموماً، فسورية بالنسبة لها هي مستقبل علاقاتها مع تركيا ومع إيران وذلك بغض النظر عن احتمالات الاستقرار في سورية أو إعادة إعمارها أو غيرها من الأمور المرتبطة بمستقبل السوريين.
ستنعقد اللجنة الدستورية وسيشهد السوريون تلك المرحلة من احتمالات التوافق الداخلي، ومهما كان الغرض الدولي منها لكنها ستشكل نقطة تأسيس يستطيع السوريون صنعها أو تفويتها، فهي ليست فرضية يقدر كونها احتمالاً لبناء إرادة سورية جديدة يمكنها فتح مجال لسد الفراغ الخاص بشرقي الفرات، وربما تغيير التوازن الذي يريده البعض على مقاس خاص مرتبط بالتوازنات الإقليمية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن