ثقافة وفن

العنف المدرسي… نقيض التربية!!

| هبة اللـه الغلاييني

العنف يهدر الكرامة الإنسانية، فهو نقيض التربية، لأنه يقوم على تهميش الآخر وتصغيره والحط من قيمته الإنسانية، وبالتالي، يولد إحساساً بعدم الثقة وتدني مستوى الذات، وتكوين مفهوم سلبي تجاه النفس والآخرين.
من خلال المدرسة، يتشكل وعي الإنسان الاجتماعي والفكري، ويكتسب طفلك المهارات والقدرات لمزاولة نشاطه، بل أكثر من ذلك يتشكل من خلال التعليم أبرز ملامح المجتمع، وتتقدم مكانته في السلم الحضاري.
وتسعى المدرسة جاهدة إلى تحقيق ذلك من خلال وسائل تربوية قائمة على أسس معرفية ونفسية.
فهل العنف الذي يمارس داخل مدارسنا، سواء أكان من المعلمين تجاه الطلبة، أم من التلاميذ تجاه المعلمين، أم من التلاميذ تجاه بعضهم بعضاً، يحقق لك ولطفلك ما تصبين إليه من تربية جيدة سليمة، ترتقي به وتجعله ناجحا في حياته بعد ذلك؟
إن العنف نقيض التربية، فهو يهدر الكرامة الإنسانية، لأنه يقوم على تهميش الآخر وتصغيره والحط من قيمته الإنسانية، وبالتالي، يولد إحساساً بعدم الثقة وتدني مستوى الذات، وتكوين مفهوم سلبي تجاه الذات والآخرين، وللعنف المدرسي مظاهر وأشكال عديدة، منها:
عنف الطفل لطفل آخر: يمارس الأطفال العنف بعضهم على بعض بأساليب عديدة:
1- الضرب: ويكون باليد، الدفع، استخدام أداة، القدم… وعادة ما يكون الطفل المعتدى عليه ضعيفاً لا يقدر على المواجهة، وبالذات لو اجتمع عليه أكثر من طفل.
2- التخويف والتهديد بشلة الأصدقاء والأقرباء.
3- التحقير من الشأن: لكون الطفل غريباً عن المنطقة، أو لأنه أضعف جسماً، أو لأنه يعاني مرضاً أو إعاقة، أو السمعة السيئة لأحد أقاربه.
4- نعته: وصف الطفل بألقاب معينة لها علاقة بالجسم، كالطول أو القصر أو اللون، أو غير ذلك، أو لها علاقة بالأصل (قرية -قبيلة).
5- السب والشتم.
عنف من الطفل على مبنى أو أثاث مدرسته:
تكسير الشبابيك والأبواب ومقاعد الدراسة.
الحفر على الجدران، تمزيق الكتب، وتكسير وتخريب الحمامات، أو تمزيق الصور والوسائل التعليمية والستائر.
عنف من الطفل على المعلم أو الإدارة المدرسية:
تحطيم أو تخريب متعلقات خاصة بالمعلم أو المدير، تهديد ووعيد المعلم أو الإدارة، أو الاعتداء المباشر.
الشتم أو التهديد في غياب المعلم أو المدير.
عنف من المعلم أو المدير على الطفل:
– العقاب الجماعي (عندما يقوم المعلم بعقاب جماعي للطلاب في الصف، سواء بالضرب أم الشتم، لأن طالبا أو مجموعة من الطلبة يثيرون الفوضى).
– الاستهزاء أو السخرية من طالب أو مجموعة من الطلبة، الاضطهاد، التفرقة في المعاملة.
– عدم السماح بمخالفة المعلم الرأي: حتى ولو كان الطالب على صواب، التهميش وعدم السماح للطالب بالمناقشة.
– التجهم والنظرة القاسية: التهديد المادي أو التهديد بالرسوب.
– إشعار الطالب بالفشل الدائم.
أسباب العنف في المدرسة؟
– تعتبر الأسرة المصدر الأساسي للعنف المدرسي، فالسنوات الأولى من حياة الطفل سنوات مصيرية.
تحدد الإطار العام للشخصية الإنسانية، فالأسر التي يسودها سلوك العنف والشغب والفوضى والعادات السيئة الأخرى، سواء أكان فيما بين الأبوين أم بينهما وبين أبنائهما، هي من المصادر المسببة للعنف.
إن السلوك محصلة لخبرات ومشاعر وأحاسيس ومؤثرات بيئية ونفسية واجتماعية سابقة وحاضرة، يحملها طفلك وينقلها إلى المدرسة، ليحدث بعد ذلك التفاعل بين العوامل السابقة والحالية، ليتولد عنه سلوك الطفل المدرسي العنيف.
– إن الفكرة السائدة سابقاً، أن المعلم المتسلط والجبار والقاسي، هو الذي يحقق نتائج جيدة مع طلابه، حيث يخافون منه ويحسبون له ألف حساب، ويؤدون في مادته أفضل من أدائهم مع المعلمين الآخرين.
إن هذه النظرية القديمة أثبتت فشلها، فالمعلم الديمقراطي هو المعلم المتمكن المؤهل، وهو وحده الذي يستطيع أن يعتمد على الحوار الموضوعي في توجيه طلابه وتعليمهم، من دون اللجوء إلى العنف.
– إهمال الوقت المخصص لحصص الأنشطة البدنية، وعدم توافر الأنشطة المتعددة والتي تشبع مختلف الهوايات والميول.
– استخدام الأسلوب التقليدي في التدريس القائم (تقييد حركة الطلبة في الحصة، الحفظ، والتسميع، عدم توافر الأنشطة، الطالب متلق فقط، استخدام العقاب كوسيلة تربوية وغيرها من الأساليب التقليدية. الروتين والمناخ المدرسي المغلق، يساعدان على عدم الرضا والكبت والقهر والإحباط، ما يولد تصرفات عنيفة عند الطلاب.
– طرق التقويم المتبعة التي لا تعطي للجميع فرصة للتعلم والنجاح، بل تولد أحياناً المنافسة السلبية والإحباط والعدوان.
– عدم وضوح القواعد والضوابط التي تحدد قواعد السلوك المرغوب والسلوك غير المرغوب بشكل واضح.
– تعزيز سلوك العنف من الطلبة، فالطفل الذي يمارس العنف ويشجعه الطلبة، قد يميل إلى تبني هذا السلوك، وخصوصاً في ظل عدم المحاسبة أو تعديل السلوك.
– عدم وجود فريق عمل متخصص يعمل على دراسة ظاهرة العنف والتعامل معها بشكل مخطط وعلاجها، كحصر الطلبة الذين يعيشون تحت الضغط، والذين من الممكن أن يطوروا سلوكيات عنيفة والتعامل معهم بطرق مختلفة وخاصة، ليستطيعوا تخطي أزمتهم.
الآثار النفسية المترتبة على العنف المدرسي:
١- الكذب: حيث يميل الطالب إلى الكذب، كهروبه من موقف التعنيف.
٢- المخاوف: الخوف من المعلم، الخوف من المدرسة، مخاوف ليلية.
٣- العصبية والتوتر الزائدان: ينتجان عن عدم إحساسه بالأمان النفسي.
٤- تشتت الانتباه وعدم القدرة على التركيز.
٥- اللجوء إلى الحيل اللاشعورية، مثل التمارض والصداع، والمغص. لرغبته في عدم الذهاب إلى المدرسة، لارتباطها بخبرات غير سارة.
٦- تكوين مفهوم سلبي تجاه الذات والآخرين.
٧- العديد من المشكلات: التبول اللاإرادي، الانطواء، مشاعر الاكتئاب والتردد.
علاج الظاهرة:
١- عمل ورشات ولقاءات للأمهات والآباء، لتبيان أساليب ووسائل التنشئة السليمة، التي تركز على منح الطفل مساحة من حرية التفكير وإبداء الرأي، والتركيز على الجوانب الإيجابية في شخصية الطفل، واستخدام أساليب التعزيز.
٢- نشر ثقافة حقوق الإنسان.
٣- التشخيص المبكر للأطفال الذين يقعون تحت ظروف الضغط، والذين من الممكن أن يطوروا أساليب غير سوية.
٤- تنمية الجانب القيمي لدى الأطفال.
5- عمل ورشات عمل المعلمين: يتم من خلالها مناقشة الخصائص النمائية لكل مرحلة عمرية، والمطالب النفسية والاجتماعية لكل مرحلة.
6- التركيز على استخدام أساليب التعزيز بأنواعها كافة.
٧- استخدام مهارات التواصل الفعالة، القائمة على الجانب الإنساني، والتي من أهمها حسن الاستماع والإصغاء، وإظهار التعاطف والاهتمام.
8- إتاحة مساحة من الوقت: لجعل الطالب يمارس العديد من الأنشطة الرياضية والهوايات المختلفة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن