ثقافة وفن

إشكالية ترجمة المشترك اللفظي في القرآن الكريم … لبانة مشوح لـ«الوطن»: حرصنا على الدين الإسلامي القويم السليم من كل شائبة

| سارة سلامة

ألقت عضو مجمع اللغة العربية الدكتورة لبانة مشوح محاضرة بعنوان «إشكالية ترجمة المشترك اللفظي في القرآن الكريم» في قاعة المحاضرات بمجمع اللغة العربية.
حيث إن لكل نوع من أنواع الترجمة خصائصه المميزة ومقوماته وشروطه التي ينبغي التقيد بها والعمل بموجب معاييرها ونواظمها، ومن بين تلك الأنواع الترجمة الأدبية التي تقوم من وجهة النظر التحليلية على جملة من الثنائيات تتجلى في ثنائية اللغتين، المصادر التي نترجم منها، واللغة الهدف التي نترجم إليها، وثنائية الثقافتين، وثنائية التأثر والتأثير، فلكل لغة قواعدها ومكوناتها الثقافية، كما أن ثقافة المترجم نفسه ثقافة مركبة متعددة المشارب، تقابلها في المشرب الآخر ثقافة القارئ المتلقي للترجمة في اللغة الهدف، والمترجم من جهة ثانية متلق متأثر، لكنه مرسل مؤثر في آن معاً.

القرآن لا يمكن مضاهاته

وبينت الدكتورة لبانة مشوح في تصريح خاص لـ«الوطن» أن: «ترجمة القرآن الكريم مهمة صعبة للغاية ولكن تصدى لها العديد من المترجمين المستشرقين والمستعربين منهم من أصول عربية ومنهم من قضى في تعلم العربية وفي ولوج الثقافة العربية، وفي كل المكونات المساعدة لفهم معاني القرآن الكريم اقتصر البحث عن المشترك اللفظي ولم أتطرق إلى جوانب أخرى في ترجمة القرآن الكريم، بل استهللت كلامي بأن القرآن الكريم لا يمكن مضاهاته مهما علا شأن الترجمة ومهما تقدم المترجم في صنعته، وهذا في مقدمة البحث، لكنني أوردت حالات كثيرة من مشتركات لفظية أشكلت على المترجمين أخذوا المعنى الحسي العام ولم يذهبوا إلى المعنى الضمني المجرد أحياناً وتناولت 4 ترجمات محددة، وأرى أن ولوج هذا الموضوع مهم جداً في هذه المرحلة تحديداً التي يشوه فيها الإسلام من أهله قبل الآخرين بإظهاره دين تطرف وتعصب ووحشية، والمشتركات اللفظية ربما عدم إتقان انتقاء المعنى فيها ضمن سياقها وربما هناك نية أحياناً عند البعض في تشويه الإسلام وينتقون المعنى الأسوأ لتأويل الآية القرآنية وإظهار الإسلام في غير مظهره».
وأضافت مشوح إن: «الخطورة دائماً موجودة لكن من قال إن العلم يقف عند المخاطر نحن لا نمس جوهر الدين ونتطرق إلى معاني القرآن الكريم بكل قدسيتها وكما وردت على ألسنة المفسرين ومعاني الألفاظ المعجمية خارج سياقها القرآني وكيف نقلها المترجمون، إذاً ليس هناك مساس لا في الدين أو العقيدة وحرصنا على الدين الإسلامي القويم السليم من كل شائبة شابته خلال هذه التجربة العجيبة من الإجحاف المتوحش على العقيدة».

عاجزة عن احتواء جمالياته

وأوضحت مشوح في البحث أن: «لا تقوم الترجمة الأدبية بوظيفة تفسيرية فحسب، إذ لا تكتفي فقط بفك رموز اللغة المصدر، وتأويل قوالبها، ثم نقلها إلى اللغة الهدف في عملية إعادة ترميز، على ما يقتضيه ذلك من عمق معرفة، ومهارة صنعة، ودقة في التأويل وأمانة في نقل المعنى، بل تتعدى كل ذلك، إلى الأمانة في نقل الأثر الواقع على المتلقي، هي إذاً تطابق في الدلالات والأسلوب والتأثير.
إذا كانت الترجمة الأدبية عموماً إشكالية في جوهرها إلى هذا الحد، فماذا عن ترجمة معاني القرآن الكريم؟
من العبث محاولة تقييم ترجمة معاني القرآن الكريم وفقاً لمعايير المطابقة تلك، أو وفق معايير علمية موضوعية دقيقة ومطلقة، إذ مهما بلغ المترجم من علو شأن بين أهل الصنعة، ومهما بلغت درجة إتقان الترجمة، فإنها تبقى حتماً عاجزة عن احتواء جماليات القرآن الكريم ودقة تعبيره، وقاصرة عن مضاهاة النص القرآني، بإعجاز لفظه ومعناه، وعمق أثره في النفوس.
أمام هذه المسلمة، لا بد من الإصرار على أن تحقق ترجمة معاني القرآن الكريم بالحد الأدنى هدفاً ليس بالهين، ألا وهو «التزام الدقة في نقل المعنى كل المعنى».
واستعرضت الدكتورة مشوح بعضاً من المشتركات اللفظية التي وردت في النص القرآني، وأرصد ضمن منهج وصفي تحليلي، بعض الأخطاء التي ارتكبها المترجمون في محاولتهم نقل معانيها الدقيقة إلى اللغة الفرنسية، استقيت أمثلتي من عدة ترجمات، وهي وفق التسلسل الزمني لتاريخ إنجازها ترجمة كل من ألبير كازيمرسكي (1844)، ونور الدين بن محمود (1967)، وجاك بيرك (1990)، وقد استغرق هذا العمل ستة عشر عاماً، والترجمة الصادرة عن الرئاسة العامة لإدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد في المملكة السعودية، والتي سأحيل إليها اختصاراً بالترجمة السعودية أنجزت عام 1989-1990، وقد اعتمدت أساساً لها ترجمة محمد حميد اللـه بعد تنقيحها وفقاً لما رأته في أفضل الترجمات الأخرى.

المشترك اللفظي

يعرف المشترك اللفظي عند أغلب القدماء والمحدثين بأنه «اللفظ الواحد الدال على معنيين وأكثر»، سواء أكانت تلك المعاني متباينة تماماً، أم كان أحدها هو الأصل والآخر مجازاً له.
ويكون المشترك اللفظي في الأسماء والأفعال والحروف، على حد سواء، ومثال ذلك في الأسماء (العين)، فهي للناظر، ولعين الماء، وللشمس، وللميزان، وللنقد من المال، وللشيء المعين، ومثاله في الحروف (الواو) التي تكون للعطف والحال، كما يشتمل على التضاد: مثل (راح) الذي يحتمل معنيين: ذهب ورجع.

المشترك اللفظي في القرآن الكريم

وفي القرآن الكريم الكثير من المشتركات اللفظية التي كانت سبباً من أسباب اختلاف المفسرين والفقهاء وعلماء الأصول في تأويل الكثير من النصوص القرآنية، لكن دلالة السياق هي ما يرجح معنى معيناً على آخر. وقد تنبه القدماء إلى أهمية السياق وأدركوا الفرق بين مفهومين معاصرين هما دلالة اللفظ النصية ودلالته خارج سياق الخطاب، ورأوا أن السياق وحده هو ما يحدد دلالة الكلمة.
ومع ذلك اختلف أهل التأويل في معنى عدد من المشتركات اللفظية الواردة في التنزيل الحكيم، فكان على المترجمين أن يتكئوا على السياق، وقد وفقوا في ذلك حيناً وأخفقوا أحياناً.
وفي قوله تعالى: «فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها».
يجوز تفسير كلمة الفوم في الآية بالخبز، ويجوز أن تفسر بالحنطة، وهي أيضاً لغة في (الثوم)، بإبدال الفاء ثاء فأصبحت (فوم) تلفظ (ثوم)، والفوم أيضاً جمع الفومة أي السنبلة، وقيل إن الفوم سائر الحبوب التي يمكن أن تخبز كالحنطة والفول والحمص والعدس ونحوه.
مثال آخر للمشترك اللفظي في قوله تعالى: «إن المتقين في جنات ونهر»، وكلمة (نهر) مشترك لفظي، من دلالاته المتعددة، السعة في الرزق والمعيشة، ومنها أيضاً الضياء، لأن الجنة ليس فيها ليل إنما نور يتلألأ، ومن معاني النهر في اللغة أيضاً مجرى الماء، وبحسب جمهور المفسرين النهر هنا أنهار الماء والخمر والعسل واللبن، اعتمدت الترجمات الأربع المعنى الثالث (مجرى الماء)، مع تفاوت المقابلات المختارة: البعض ترجمها «عيون»، والبعض الآخر «ينابيع».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن