قضايا وآراء

ترامب من التهديد إلى الاستجداء

| د. قحطان السيوفي

سيذكر التاريخ أن رئيس الولايات المتحدة الأميركية دونالد ترامب، رجل أعمال وعقارات متهور، ضعيف الخبرة السياسية، شعبوي، عنصري، يكره الأجانب، أدار أكبر دولة في العالم كشركة خاصة، استباح شرعة حقوق الإنسان وقرارات الأمم المتحدة وقواعد النظام العالمي.
ترامب، متحيز للصهيونية، ونجح في شفط المليارات من أموال النفط لحكام الخليج، دعم التنظيمات الإرهابية، وفرض عقوبات اقتصادية ظالمة على دول وشعوب لأنها تحارب الإرهاب. يهدد بالحرب وسرعان ما يتراجع.
ترامب منذ وصوله إلى الرئاسة الأميركية بدأ الصدام مع مؤسسات النظام الأميركي، أصدر قرارات نقضها قضاة أميركيون، وبعض قراراته رفضها مجلسا النواب والشيوخ، ولاحقته الشكاوى بالعشرات من نساء بالاغتصاب أو التحرش، إضافة إلى اتهام بالتدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية، واتهامات بالتهرب من الضرائب قبل وصوله إلى الرئاسة، وخاصم وسائل إعلام أميركية كبرى، وأدى ذلك إلى خسارة الحزب الجمهوري، أغلبيته في مجلس النواب، في الانتخابات النصفية والتلويح بإجراءات العزل للرئيس، وصرحت رئيسة مجلس النواب أنه لا يشرفها أن يكون ترامب رئيساً للولايات المتحدة، إضافة إلى حصول أطول إغلاق للحكومة الاتحادية في تاريخ الولايات المتحدة والتوقف عن دفع الرواتب لمرتين إلى موظفي الحكومة الاتحادية.
ومن جهة ثانية كان التخبط في القرارات هو السمة البارزة لترامب، حيث ضرب الرقم القياسي في عزل المسؤولين الأساسيين في إدارته، آخرها عزل مستشاره للأمن القومي جون بولتون.
أما على صعيد الخارج انسحب ترامب من الاتفاق النووي المبرم بين الدول الـ5+1 وإيران والمصادق عليه بالإجماع من مجلس الأمن الدولي، وأعلنت جميع الدول التزامها بالاتفاق، وأكدت منظمة الطاقة النووية وفاء إيران بتعهداتها وتكذيب اتهامات إدارة ترامب.
قرار ترامب نقل السفارة من تل أبيب إلى القدس المحتلة كان تأكيداً لانحيازه لإسرائيل رفضته الأمم المتحدة وأكثر دول العالم. وجاء إعلان ترامب حول شرعية احتلال إسرائيل مرتفعات الجولان السورية ليؤكد صهيونيته، حيث قوبل بمعارضة جميع الدول ورفض مجلس الأمن بالإجماع لقراره حول الجولان.
ومن آخر إخفاقات ترامب فشله في فرض تغيير لمصلحته في فنزويلا ما أحدث لدى ترامب حالة من الإحباط والغضب.
وعلى الصعيد العالمي الشعبي فقد رفضت الفنادق في مدينة هامبورغ استقبال ترامب أثناء انعقاد قمة الـ20، ما اضطره إلى المبيت في قاعدة أميركية في ألمانيا. يتوسل ترامب ليقبل الإيرانيون التفاوض معه وأبدى استعداداً لأن يقدم لإيران أكثر مما قدم سلفه الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، لكن الإيرانيين يرفضون حتى الآن مجرد اللقاء مع أحد من رموزه، وصرح ترامب بأنه مستعد للسفر إلى طهران ولقاء المرشد الأعلى للثورة الإيرانية آية الله خامنئي من دون شروط مسبقة، لكن جواب إيران أن الرئيس الذي لا يحترم توقيع بلده لا يمكن الوثوق به. حاول تسجيل مجرد انتصار شكلي مع كوريا الديمقراطية وسافر مرتين للقاء زعيم كوريا الديمقراطية كيم جونغ اون الذي كان يصفه قبل ذلك بأقبح الأوصاف ثم أصبح الصديق الحميم، لكنه صار موضع سخرية أمام معارضيه، حتى سفره للعراق كان خلسة لساعات قليلة ولم يقبل أي مسؤول عراقي لقاءه ثم غادر في ظلام الليل.
قال رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان: إن ترامب طلب منه نزع فتيل التوتر مع إيران، وأوضح للصحفيين على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة أننا نحاول ونقوم بوساطة، بالمقابل أعلن خامنئي، يوم 17 أيلول 2019، أن بلاده لن تتفاوض مع الولايات المتحدة على أي مستوى، وعلى واشنطن العودة إلى الاتفاق النووي الذي انسحبت منه أولاً، كي تعود إيران للمحادثات. ترامب زعم، في مقابلة مع قناة «فوكس نيوز» أن أغلب الأشخاص دعموا قراره بالهجوم على إيران محاولاً التقليل من أهمية الإنجاز الإيراني بالقول: إن الطائرة المسيّرة التي تم إسقاطها لم تكن طائرة حديثة. وقال: أتمنى أن يعودوا عن قراراتهم ويعلنوا استعدادهم للتفاوض بشأن اتفاق جديد.
كتب أستاذ العلوم السياسية جون ميرشييمر في صحيفة «نيويورك تايمز» حول سياسة ترامب بممارسة «الضغوط القصوى» التي تهدد بقاء إيران «كدولة سيادية». وأشار إلى عدم وجود أدلة ترجح رضوخ إيران للمطالب الأميركية، وبأن إيران قد أثبتت بأنها لن تقف مكتوفة الأيدي. وأن سياسة ترامب قد حشرت الولايات المتحدة في زاوية من دون وجود أي نافذة دبلوماسية في الأفق، وأن القادة الإيرانيين لا يثقون بترامب ويدركون بأن ترامب قد ينسحب من أي اتفاق يبرم معه.
لم ينجح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لجمع الرئيسين الإيراني والأميركي، في ظلّ تمسّك ترامب بسياسة العقوبات. مع إعلان عمران خان تكليف ترامب له بالتوسّط. وساطة جديدة تفصح عن جوهر الموقف الأميركي، المتمسّك بعدم الذهاب إلى خيار الحرب وفق ما أكّد ترامب في خطابه، وهو ما يمنح طهران ثقة أكبر بإستراتيجيتها الحالية.
قال عمران خان أيضاً: طلب مني ولي العهد السعودي محمد بن سلمان التحدث مع القادة الإيرانيين في هذا الصدد وقد قمت بذلك.
الملف الإيراني استأثر بحيز مهم من كلمة ترامب في الأمم المتحدة، مكرّراً لهجة الهجوم على طهران، لكن مراقبين رأوا فيها لهجة أكثر هدوءاً وتراجعاً، ودعا ترامب دول المنطقة العربية إلى إقامة علاقات كاملة مع إسرائيل.
بعد هجمات أرامكو أصيب السعوديون بالإحباط من الموقف الأميركي. وقال ترامب: أميركا تعرف أنه بينما يمكن أيّ أحد أن يشعل حرباً، فإن الأكثر شجاعة فقط هم من يستطيعون اختيار السلام. بالمقابل أعلن روحاني، في الفندق في نيويورك، ورقة تساعد على تحقيق إستراتيجية بلاده، أي التفاوض لا من موقع الضعف. إذ أعلن استعداده لبحث إدخال تغييرات أو إضافات أو تعديلات محدودة على الاتفاق النووي حال رفع العقوبات، لكن ترامب أعلن تمسّكه بسياسة «الضغوط القصوى».
إن وساطة ماكرون، كشفت أن ما يقوم به ترامب كسب للوقت لاستثمار العقوبات، وضيقت خيارات ترامب واصطدمت بسياسة الصبر والتصعيد الإيراني. والسؤال هل يتمسّك ترامب بالمراوحة في سياسة العقوبات أم يقدم على تعليق جزئي لها لإعادة فتح الاتفاق النووي والتفاوض عليه؟
ترامب يهدد بالحرب على إيران ويشجعه صقور البيت الأبيض وإسرائيل وأتباعه حكام السعودية، وهو في قرارة نفسه، خائف من الحرب لأنها تهدد مستقبله السياسي، وهو يستجدي بالوساطة وبشكل مباشر وغير مباشر للتفاوض مع إيران وجواب المسؤولين الإيرانيين واضح: رفع العقوبات أولاً، بعدها يمكن أن نفكر بالتفاوض، لأن الرئيس الذي لا يحترم توقيع بلده لا يمكن الوثوق به.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن