ثقافة وفن

بغيابها لعدم دعوتها… تكريم غير لائق لسميرة توفيق … محمد المصري: مطربة كبيرة وصاحبة مدرسة غنائية خاصة لا يضاهيها أحد

| وائل العدس- تصوير طارق السعدوني

عبر كل الأمكنة والأزمان، كرمت سورية عمالقة الفن المحلي والعربي تكريماً يليق بعراقة بلد كان ولا يزال ملهماً ومصدراً للفن والثقافة والإبداع في جميع المجالات رغم الحرب الإرهابية الظالمة.
مساء الإثنين الماضي، أقامت وزارة الثقافة ندوة تكريمية للفنانة سميرة توفيق في المركز الثقافي في أبو رمانة، بغياب صاحبة العلاقة التي لم يكن لها أي علم بهذا التكريم، حيث لم تتم دعوتها لتكون شاهدة على تكريمها!
فحوى الفعالية لم يكن ندوة كما جاء في الدعوة، فالندوة عادة ما تكون قضية يناقشها أشخاص مختصون يعبرون فيها عن وجهة نظرهم، ثم يمنحون الجمهور فرصة للنقاش، لكن الفعالية افتتحت بمعرض أرشيفي غني جداً للباحث محمد المصري تضمن أسطوانات وأشرطة كاسيت قديمة لأجمل ألبوماتها وملصقات لأهم أفلامها وصوراً نادرة جداً بالأبيض والأسود من دون مونتاج من عدة أفلام لها، ولقاءات صحفية معها.

مديرة التراث الشعبي أحلام الترك قرأت معلومات عامة عن مسيرة الفنانة المكرمة، على حين كان من الأفضل أن يشارك الباحث محمد المصري بمعلومات وقصص وحكايا وذكريات لا يعرفها الجمهور.
وتضمن برنامج الفعالية أمسية غنائية بقيادة وضاح رجب باشا بصوت المغنية صبا الجمال التي لم تنجح بالحد الأدنى في الوصول إلى قامة غنائية كبيرة مثل سميرة توفيق، وكان من الأجدى توجيه اختياراتهم نحو فنانين أكثر موهبة، وعلى سبيل المثال لا الحصر الفنانة السورية الشابة سهر أبو شروف التي سبق لها أن غنت أكثر من مرة من أغنيات سميرة توفيق.
لون متفرد

في الأرشيف الخاص للباحث محمد المصري آلاف الوثائق الفنية عن معظم الفنانين في عالمنا العربي، خمسون عاماً ونيف وهو يجمع ويبحث ويوثق في الصحف والمجلات والإذاعات وقنوات التلفزة العربية، يسمع ويدوّن ويقتني الكتب والأسطوانات والكاسيتات والفيديوهات وإعلانات الأفلام وبطاقات تذاكر الدخول إلى السينما والحفلات.
جمع أرشيفاً كاملاً يعجز عن القيام بجمعه كثير من المؤسسات الفنية، ومن خلال هذا الأرشيف أقام عدداً من المعارض الفنية، وكتب للصحف المحلية والعربية، وأجرى عدداً من اللقاءات وحاز عدداً من الجوائز التقديرية والتكريم.
ووفقاً للكتيب الخاص بالفعالية قال: «لم أكن في أبحاثي مجرد ناقل للأخبار التي تدور في أروقة الفن عن الفنانين، بل كنت ممن يتابع الخبر ويتحرى مسيرته إلى أن أصل إلى الحقيقة، ثم أقوم بالتوثيق، ولهذا فقد استعان بخبرتي عدد من الباحثين في قضايا الفن، كما استفادوا من الأرشيف الذي وثقته.
وفي تصريحه لـ«الوطن»، أكد المصري أنه اتجه لإقامة هذا المعرض لأن سميرة توفيق اشتهرت بلونها البدوي المتفرد والبديع، ولأنها مطربة كبيرة لا يضاهيها أحد بهذا اللون وصاحبة مدرسة غنائية خاصة.
وكشف أنه كان يحضر جميع أفلامها ويلتقط لها صوراً ويقتني ملصقات وبروشورات أسطوانات موسيقية حتى استطاع جمع ما يقرب من 300 صورة من مسيرتها الفنية الطويلة، وهي صور نادرة جداً.
وأشار إلى أنه يتحضر لإقامة معارض فنية لأكثر من عشرين فناناً سورياً وعربياً، منهم دريد لحام وشادية ومحمد عبد الوهاب وهدى سلطان وأم كلثوم وكارم محمود وفيروز وعبد الحليم حافظ.
وطالب بأن نعلم الأجيال الحالية الطرب الأصيل بعيداً عن أغنيات العصر التي لا تحمل كلمات ولا لحناً ولا صوتاً، مع وجود بعض الاستثناءات القليلة.

إرث وتاريخ
معاون وزير الثقافة توفيق الإمام قال في تصريح للصحفيين إن التراث في كل دول العالم إرث وتاريخ لحضارة هذا العالم، ونحن في سورية نحتفل بهذا النوع الثقافي الجميل من خلال تكريم إنجازات بعض المفكرين والمثقفين والعلماء والفنانين.
وأضاف: سميرة توفيق قامة ثقافية وفنية كبيرة، عاشت في سورية لفترة زمنية طويلة، وغنت اللون البدوي الذي يعد جزءاً من التراث الفني السوري.
وشدد على أن وزارة الثقافة دأبت منذ ثلاث سنوات على تكريم هذه القامات من خلال أنشطة ثقافية فكرية فنية تقام في مكتبة الأسد والمراكز الثقافية.

حضور لافت
وجاء في كلمة لمديرية التراث الشعبي ضمن الكتيب الخاص بالندوة: يأتي تكريم الفنانة سميرة توفيق في سياق رسالة المديرية التي تسعى لتكريم المبدعين الذين تركوا بصمة في الثقافة الشعبية السورية والعربية بمختلف مجالاتها، والفنانة اللبنانية قامة فنية متميزة لها خصوصيتها في عالم الغناء العربي، إذ قدمت ما ينتمي إلى بيئتنا التراثية الثقافية، سواء ما أخذته من التراث مباشرة أم ما اختارته في أغانيها الخاصة من ألحان وكلمات تحاكي اللون الغنائي البدوي، وإن تسليط الضوء على هذا الأسلوب الذي أوشك أن يندثر لأسباب متعددة هو أمر مهم وخطوة على طريق توثيق تراثنا.
وفي تصريح لـ«الوطن» قالت مديرة مديرية التراث الشعبي أحلام الترك إن المديرية تسعى لتوثيق القامات التي احتفت بالغناء البدوي التراثي، حيث تفردت سميرة توفيق بهذا اللون، ليس لاختيارها الكلمة التي تنتمي إلى اللهجة البدوية واللحن الذي له جذر بدوي، بل أضيف إن حضورها على المسرح كان لافتاً بمرافقة آلات موسيقية شعبية مثل المجوز والدف والمزمار والطبل، وتتوج ذلك باختيارها أزياء تنتمي إلى بيئة تراثية.

نجمة الأغنية
أما الموسيقار هادي بقدونس الذي رافق الفنانة المكرمة في عدد من الحفلات فقال لـ«الوطن»: هي فنانة عظيمة وعريقة ونجمة الأغنية البدوية التي تربينا عليها وجعلت الناس ترددها، وبالفعل تستحق التكريم وتشييد تمثال لها بكل الدول العربية لأنها نجحت بصوتها بدخول قلوب الناس.

سميرة توفيق
ولدت الفنانة اللبنانية سميرة توفيق يوم الخامس والعشرين من شهر كانون الأول عام 1953، اشتهرت بالغناء باللهجة البدوية؛ وقدّم لها الشعراء والملحنون من لبنان وسورية والأردن العديد من الأغاني التي نالت شهرة عربية، منها أغنيات «حسنك يا زين» و«أسمر خفيف الروح» للفنان توفيق النمري التي كانت بداية شهرتها.
بدأت تظهر موهبتها الغنائية عندما كانت في السابعة وعندما أصبحت في الثالثة عشرة أخذت تحيي الحفلات الغنائية على مسارح بيروت الخاصة، وبعدها تنقلت في عدد من المناطق اللبنانية منها عاليه حيث وقفت على أحد أهم مسارحها في تلك الحقبة «مسرح طانيوس» تغني لسعاد محمد وليلى مراد.
كانت عائلتها ترافقها في تنقلاتها، فعرفت بالمطربة صاحبة الأسطول السادس بعد انطلاقتها من بيروت أوائل الستينيات، تبنتها إذاعة الأردن الرسمية من خلال أغنية بعنوان «بين الدوالي»، فغنت عبر أثيرها مباشرة على الهواء للشاعر جميل العاصي، وبعدها تتابعت الأغاني وانتشرت أغانيها، وخصوصاً أنها تميزت بلهجتها البدوية ما أعطاها لوناً خاصاً.
تعاونت مع عدد من الملحنين والشعراء في لبنان والعالم العربي، وبينهم عفيف رضوان وعبد الجليل وهبي ومحمد محسن ورفيق حبيقة وإلياس الرحباني وملحم بركات وإيلي شويري ووسام الأمير وفيلمون وهبي الذي ربطتها بعائلته صداقة متينة.
التقت في بداياتها الملحن اللبناني توفيق البيلوني الذي شجعها على الغناء، فاستوحت منه اسمها الفني وقالت له: «أنا سميرة والتوفيق من الله».
أحيت العديد من الحفلات في أرجاء العالم، فافتتحت «أوبرا هاوس» في مدينة ملبورن الأسترالية إلى جانب الفنان وديع الصافي، وقد حضر الحفل الذي أقيم أوائل السبعينيات ملكة إنجلترا إليزابيت الثانية، كما شاركت في انطلاق النادي اللبناني المكسيكي فكانت المطربة العربية الوحيدة التي مثلت بلادها هناك بدعوة من الجالية اللبنانية فيها، وحازت المفاتيح البرونزية والذهبية لعدة بلدان بينها فنزويلا التي كرمها مجلس النواب فيها، وكانت تتمتع بقاعدة شعبية كبيرة فيها، كما أحيت حفلات في فرنسا وإفريقيا ولندن.
تعرضت لعدة مشكلات صحية، فالنكسة الأولى كانت عام 1965 أثناء أدائها دور البطولة في فيلم «بدوية في باريس» وعرض عليها يومها المخرج محمد سلمان أن تقوم ممثلة بديلة منها بقفزة عن صخرة مرتفعة فرفضت وأصرت على أن تقوم بالقفزة بنفسها فأصيب ظهرها بكسر أجبرها على التوقف عن العمل لفترة، وخصوصاً أن الأطباء اكتشفوا لاحقاً بأن معدتها أصيبت من جراء سقوطها على الأرض بارتجاج، فانقلبت رأسا على عقب واضطرت للخضوع لجراحة لإعادتها إلى مكانها الطبيعي.
في رصيدها الفني مسلسلان هما «فارس ونجود» 1974 و«سمرا» 1977، على حين شاركت في بطولة الكثير من الأفلام منها «البدوية العاشقة» 1963 و«بنت عنتر» و«حسناء البادية» 1964 و«بدوية في روما» 1965 و«القاهرون» 1967 و«عروس من دمشق» 1973 و«عنتر فارس الصحراء» و«فارس بني عبس» 1974 و«الاستعراض الكبير» 1975 و«أيام في لندن» 1976.
وفي رصيدها الغنائي عشرات الأغنيات لعل أبرزها «يا هلا بالضيف» و«أسمر خفيف الروح» و«عالعين موليتين» و«بالله تصبوا هالقهوة» و«لا باكل ولا بشرب» و«أيام اللولو» و«أسمر يا حلو» و«بسك تيجي حارتنا» و«وادان وادانا» و«يا جاي من حلب».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن