ثقافة وفن

فرقة «وا موسيقاه».. إحياء الأغاني التراثية بمواهب شابة … «فراس القاضي» لـ«الوطن»: الدافع أكبر لتأسيس الفرقة هو ما يدعى بتطوير التراث من قبل بعض الفرق الغنائية

| رامه الشويكي

مجموعة من الأصوات والمواهب الموسيقية الشابة جمعها حب الموسيقا والغناء، ووجدت في «وا موسيقاه» مساحةً للحب والتعبير عن الانتماء من خلال إحياء الأغاني الطربية والمحافظة على التراثية منها بأمانة ومسؤولية.
«الوطن» التقت قائد الفرقة ومديرها الصحفي «فراس القاضي» الذي أوضح لـ«الوطن» عن تكوينها ورسالتها للجمهور في حوار خاص جاء كالتالي:

متى تأسست الفرقة؟ وما عدد أفرادها حالياً؟
تأسست عام 2016 بشخصين، عازف عود وغيتار، وكانت تتجه فقط للموسيقا دون غناء، ثم تحولت إلى كورال، لأنني منذ ما يقارب العشرين عاماً عملت في محافظتي دير الزور بهذا الفن، ومن خلال صفحة خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي وضعنا إعلاناً لضم المزيد من المواهب للفرقة التي تعاني كغيرها من تغيير في حجم الكوادر الذي ينقص ويزيد تبعاً لظروفهم الشخصية، واليوم يتراوح عدد أفرادها بين 25 إلى 30 بين عازفين ومؤديين من فئة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و25 عاماً أغلبهم طلاب جامعات أو خريجون منهم أطباء ومهندسون من مختلف المحافظات السورية ويميزهم التنوع.

لماذا اتجهتم للأغاني الطربية والتراثية؟
في البداية اتجهنا إلى إحياء الأغاني الطربية القديمة أو ما يسمى بالفن النظيف، لأن لدي هاجس تنمية الذائقة الفنية والثقافية لدى الجمهور التي كلما نمت لديهم تحققت الفائدة للمجتمع ككل، إلى جانب الموضوع الفكري الذي هو أساس نهوض المجتمعات، ونحن اليوم نمر بفترة تردٍ فكري واستسهال شديد من البعض للفنون المتنوعة من موسيقا وشعر بسبب مواقع التواصل الاجتماعي التي كما أعطت منصة للمبدعين، أصبحت منبراً لأشخاص فارغين لتقديم منتجهم السخيف، وبالتالي بدأت الفرقة مع إحياء الطرب الأصيل عن طريق فئة الشباب حصراً، وهذا الموضوع هو الذي وسع الفرقة، فاستقطبت المزيد من الشباب الموهوبين عن طريق الفيديوهات المعروضة على الصفحة، وبدأنا مع وصلة طربية مؤلفة من مجموعة أغانٍ لمجموعة مطربين تدربوا لتقديمها.

ما دوافعكم للتركيز على اللون الغنائي التراثي وكيف انعكس كونك ابن الفرات على نوعية الأغاني في الفرقة؟
التراث هوية وعندما نغني التراث الفراتي أو الساحلي نعكس هوية تلك المنطقة في تلك الفترة، فالتراث الغنائي هو أحد أهم عناصر التراث اللامادي، ومثله مثل الآثار الملموسة، وهناك العديد من المناطق السورية تراثها مظلوم لا يعرفه الجمهور ومنه تراث المنطقة الشرقية (الفراتي)، وكوني ابن دير الزور أعرف التراث الغنائي لتلك المنطقة، وهو غني جداً لكن لايعرف عنه الجمهور سوى جزء بسيط، لذا أردت إيصاله للجمهور من خلال الفرقة، وبالطبع ليس فقط التراث الفراتي بل نغني تراث حلب، الساحل، القنيطرة، درعا وغيرها، ونعتمد التنوع في تناول الأغاني التراثية من كل المناطق السورية.

ما رأيك بتغيير أو تطوير ألحان الأغاني التراثية من قبل بعض الفرق الغنائية والتي تلقى رواجاً لدى الجمهور في كثير من الأحيان وما أسلوبكم في تقديمها؟
الدافع أكبر لتأسيس الفرقة هو ما يدعى بتطوير التراث من قبل بعض الفرق الغنائية، وهو ليس أكثر من استباحة لهذا التراث وتشويه لهذه الهوية، عندما يأتي أحدها ويغني أغنية معروفة مع تغيير ألحانها، ويقدمها للجمهور الذي لا يعرفها بالأساس، وهنا أقصد جيل الشباب والمراهقين الذين هناك قطع بينهم وبين تراث بلدهم الغنائي بسبب عدم اهتمام الإعلام الذي لا يعرض الأغاني التراثية الأصيلة، وحتى عندما يعرضها فإنه يعرض ما هو دون المستوى المطلوب، بالإضافة إلى ازدياد عدد هذه الفرق التي تغير الأغنية وتطرحها للجمهور من جديد، كل هذا جعلني أخاف على التراث الحقيقي وأسعى للحفاظ عليه، فالجيل الحالي لا يعرف تراثه الأصلي وعندما نقدمه له بلحن جديد فإنه يحفظه وبالتالي يموت التراث السابق، وبتغييره تتم سرقة جهد أناس كالملحنين الذين لا يزال بعضهم على قيد الحياة.
تطوير الأغاني التراثية لا يكون كذلك، بل نحن نقدم الأغنية باللحن نفسه و(الميلودي) ونضيف له صوتاً ثانياً يسمى موسيقياً (هارموني)، بحيث يغني الشباب أو الشابات في الفرقة اللحن الأصلي ونضيف له، مع الحفاظ بشكل كامل على اللحن الأصلي لأنه أمانة.

أتاحت لكم (الأمانة السورية للتنمية) إمكانية التدريب في منارة باب شرقي كل يوم جمعة ما أهمية هذه الخطوة في تطوير عملكم وما الصعوبات التي تواجهونها؟
نعاني من عدم وجود إمكانيات مادية، نفتقد اللباس، الأدوات، الكاميرا، جهاز صوت، ومنذ أقل من ستة شهور كنا نتمرن بمجهود شخصي في مطاعم باب توما ويتقاسم أفراد الفرقة التكلفة المادية، مما يحملهم المزيد من الأعباء كطلاب جامعيين، لكنهم يصرون على الاستمرار لأنهم مؤمنون بأهميتها ووجودها، ويعرفون مدى إيماني بها، كنا نتدرب في فترة الأزمة والقذائف حولنا، ولطالما أوقفنا التسجيل بسبب أصواتها، ورغم أننا طلبنا الدعم المادي من عدة جهات لتطوير العمل، لكن دون جدوى، إذ لا توجد لدينا ثقافة رعاية المنتج الثقافي، وعن طريق الصدفة كوني أعمل صحفياً، وبينما كنت أكتب مادة صحفية عن إنجازات قسم التراث اللامادي في الأمانة السورية للتنمية، حدثتهم عن الفرقة، وقدموا لنا المساعدة من خلال توفير مكان هو منارة باب شرقي للتدريب مجاناً في أوقات محددة يوم الجمعة، وشاركنا بدعوة منهم في مهرجان (قطاف الوردة الشامية في قرية المراح) وقدمنا عرضاً غنائياً، وموضوع المكان الذي قدمته لنا الأمانة ساعدنا جداً، هم تعاملوا معنا ولايزالون بمنتهى الرقي، كما دعينا للمشاركة في عدة فعاليات دون أن نلبي الدعوة لأنني بصراحة أخاف من الانطباع الأول عن الفرقة من الجمهور والذي لن يتحقق بالشكل المطلوب بسبب نقص الإمكانات.

ما الرسالة التي تسعى الفرقة لإيصالها كونكم تشكلون ملتقى للمواهب الشابة وتحافظون على التراث في آن واحد، وماذا تقول للجمهور؟
رسالتي أن تدخل هذه الأصوات لكل بيت، لدي حلم عربي وربما عالمي تمنعني عنه الإمكانات البسيطة، لأن الفرقة تحوي أصواتاً جداً جميلة، نعمل بإتقان وضمير، أبذل جهداً كبيراً مع العازفين والمؤديين لتكون الأغنية مصقولة وجميلة كما ينبغي، لكل ما يراه المتابعون بكاميرا صغيرة أو كاميرا الهاتف المحمول، فكيف الأمر إذا ما توفر لنا ما نحتاج، وأسعى لإعادة تنمية الذائقة الفنية السورية تحديداً، ونرغب بأن نجول جميع المحافظات، وأن نصل إلى المستوى العربي لننشر التراث الجميل ونعيد إحياء الطرب الأصيل في كل مكان، وأقول للجمهور: لا تقبل بكل ماتسمعه، حاول أن تنتقي، وليس كل ما يقدم هو تراث، التراث الأصلي موجود والفضاء المعرفي متاح للجميع، ويمكنك أن تختار بين سماع الأغنية المشوهة والأصلية، أبحث عن التراث الحقيقي لأنه انتماء وهوية ولا تقبل بتشويهه باستسلام.
ويختتم «القاضي» حديثه لـ«الوطن» قائلاً: نعتمد في عملنا على البحث والجهد الشخصي، وسؤال الأشخاص من أبناء كل منطقة سواء الأصدقاء أم أفراد الفرقة عن أصلها وتاريخها قبل تقديمها، ونحافظ على المصدر من خلال كتابة اسم الأغنية، مغنيها، ملحنها، كاتب كلماتها عند عرضها على الصفحة، وبالتالي نقوم بتوثيق الأغنية التراثية، لأننا نشتغل التراث كما هو، وتحوي صفحة «فيس بوك» الخاصة بالفرقة على 12 ألف متابع حتى اليوم وهذا يعتبر إنجازاً بالنسبة لنا خلال 3 سنوات.
من الأصوات الشابة في الفرقة التقينا روزيت خلوف 25 عاماً مهندسة ميكانيك التي تقول عن تجربتها مع «وا موسيقاه» قائلةً: أغني منذ الصغر ولكن للأسف لم أتعلم الموسيقا، منذ سنتين تقريباً انضممت للفرقة لأنني أحب الموسيقا، ساعدتني في تنمية موهبتي وتمكنت من غناء جميع الأنماط بعد أن اكتفيت بنمط محدد مثل أغاني فيروز، جوليا بطرس أو ماجدة الرومي، لكن مع تواجدي في الفرقة امتلكت الجرأة لأغني الأغاني الطربية القديمة والتراثية التي أصبحت أحبها أكثر من أي شيء، علينا أن نعيد للجيل الجديد القليل من الحس الموسيقي المرهف لاسيما بالكلمات والألحان بعيداً عن تلك الرائجة حالياً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن