قضايا وآراء

طلب عدم الكشف عن اسمه!

| أحمد ضيف الله

ضجة كبرى مفتعلة أثارها بيان لـ«تحالف القرار العراقي» بقيادة أسامة النجيفي النائب السابق لرئيس الجمهورية في الـ12 من آب الماضي، بشأن جثث مجهولة الهوية ادعى أنها تعود لمنطقة شمال بابل، وتتجمع في صحة بابل ليقوم الخيرون بعد جهود شاقة بدفنها في محافظة كربلاء، مؤكداً: هناك إحدى وثلاثون جثة لرجال ونساء وأطفال، بعضها جثث مقطعة الأوصال، سبقتها إحدى وخمسون جثة، من دون أن يصدر عن الحكومة بيان أو تعليق أو فتح تحقيق، محملاً الحكومة العراقية مسؤولية تجاهل قضية المفقودين والمغيبين من أهل السنّة، مهدداً بأنه سيلجأ لعرض هذه الجرائم على المجتمع الدولي.
بعد بضع ساعات من هذا البيان، أصدر تحالف القوى العراقية بياناً أكد فيه أن ما يقرب من 120 جثة لعراقيين مغدورين تواطأت بالتكتم عليها حكومة بابل المحلية لتقوم بدفنها في محافظة كربلاء، مهدداً بأنه سيكون لتحالف القوى العراقية موقف عربي وإسلامي ودولي أمام الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي والمجتمع الدولي ومجلسي الأمن وحقوق الإنسان الدوليين لفضح وتوثيق الجرائم التي ترتكب ضد الإنسانية من قبل المجاميع المسلحة أمام مرأى ومسمع الحكومة العراقية.
مزاد رفع أعداد الجثث، تصاعد من 82 إلى120 جثة، إلى 200 جثة بحسب تصريح عضو مجلس محافظة الأنبار فرحان الدليمي في الـ13 من آب الفائت لـ«السومرية نيوز»، ليستقر وفقاً لما قاله مدير مركز الرافدين الدولي لحقوق الإنسان راهب صالح، لصحيفة «القدس العربي» في الـ22 من الشهر ذاته: إن العدد الحقيقي لعدد الجثث التي تم العثور عليها هو 362 جثة من بينها نساء وأطفال حديثو الولادة، وليس كما ذُكر بالإعلام أن أعدادهم 120 جثة.
صحف خليجية متصهينة، منها تلك المتحولة إلى عربي جديد على وجه الخصوص، مع صحف أخرى ترضع من المنبع ذاته، شمرت عن ساعديها، وعمدت إلى ترويج أخبار وتصريحات مختلقة بشأن الجثث حتى تاريخه، مسوقة بأن مليشيات لديها سجل كبير من الانتهاكات ذات البُعد الطائفي طالت عشرات المدنيين الذين تم خطفهم وعثر على جثثهم لاحقاً خلال السنوات الثلاث الماضية، وبأن الجثث تعود لنازحين عراقيين من مناطق شمال وغرب العراق كانوا قد نزحوا خلال بدء العمليات العسكرية للقوات العراقية على تنظيم داعش الإرهابي خلال الأعوام الثلاثة الماضية، وتمَّ إيداعهم وحبسهم في بلدة جرف الصخر بوساطة مليشيات مسلحة مرتبطة بإيران، من أبرزها كتائب حزب الله العراقية، وأنه إذا كانت الحكومة تحتاج إلى دليل على تلك الانتهاكات فهذه الجثث هي الدليل، فلماذا الصمت الحكومي إزاء الجريمة وإزاء نفوذ المليشيات بعدد من المناطق؟ مؤكدة أن مسؤولين عراقيين يقدرون اختطاف قرابة 8 آلاف مواطن عراقي من محافظات الأنبار ونينوى وصلاح الدين وديالى وشمال بابل ومناطق مختلفة، على يد مليشيات مختلفة ضمن ما يعرف بالحشد الشعبي، وكل تلك التصريحات المدسوسة والمحرضة طائفياً منسوبة إلى مسؤول أمني طلب عدم الكشف عن اسمه، ونائب عن محافظة الأنبار فضل عدم ذكر اسمه، وزعيم قبلي في جرف الصخر يقيم في أربيل، رفض الكشف عن هويته الخ.
الضجة المفتعلة انتهت عراقياً بعد يومين من إطلاقها حين أوضح محافظ بابل كرار صباح العبادي في بيان له في الـ13 من الشهر ذاته، أن الجثث المجهولة الهوية التي دفنت قبل أيام، هي جثث لمجهولين تمتد لأربع سنوات مضت في الثلاجات الخاصة بالطبابة العدلية، وهي ناجمة عن حوادث وجرائم مختلفة، وهي تتوزع على أغلب مراكز شرطة بابل في عموم المحافظة، بعد اتخاذ الإجراءات القانونية والطبية وأخذ عينات من البصمة الوراثية DNA بعد مرور فترة ولعدم التعرف عليها من ذويها، وتقوم بإجراءات الدفن وفق القانون.
وأوضح بيان صادر عن نواب محافظة بابل، أن عدد الجثث المجهولة الهوية التي تحدث عنها البعض 31 جثة وليس كما نشر بأن العدد هو 120.
أكد محمد الحلبوسي رئيس المجلس النيابي الممثل لأكبر كتلة سنيًة في المجلس خلال مؤتمر صحفي عقده مع وزير الداخلية ورئيس اللجنة الأمنية في المجلس بحضور قادة أمنيين في الـ14 من آب الماضي، أن الجثث المجهولة الهوية لا تندرج ضمن حوادث العنف الطائفي، وهي جرائم جنائية من مختلف مناطق المحافظة، وأن مجموعها 31 جثة. وبطبيعة الحال هاجمت الصحف الخليجية على لسان عضو بارز في البرلمان العراقي عن محافظة نينوى، لم تذكر اسمه، بالقول: إن الهوة بدأت تتسع بين الحلبوسي وبقية النواب، لأن حديثه يمثل استهانة بدماء آلاف الضحايا الذين فُقدوا وقتل بعضهم في بلدة جرف الصخر التي تحتلها المليشيات منذ 5 سنوات.
ومع إعلان رئيس تحالف «القرار العراقي» أسامة النجيفي، عن تشكيل تحالفه الجديد «جبهة الإنقاذ والتنمية» في الـ14 من أيلول الماضي، لخوض انتخابات مجالس المحافظات المقررة في نيسان المقبل، عاودت الصحف الخليجية للتحريض طائفياً بكثافة، متناولة موضوع الجثث بالصيغ نفسها والطريقة التي كانت قد تناولتها في آب الماضي، مروجة لـ«جبهة الإنقاذ والتنمية» كجبهة سياسية ممثلة عن المكون السنّي التي ترفع شعار «البحث عن المفقودين».
يبدو أن آل سعود وحمد وخليفة، لم يكتفوا بعد من سيول الدماء التي كانوا وراءها في سورية واليمن وليبيا والبحرين، ولم يقتنعوا بعد بوضاعة إعلامهم التحريضي، ليعودوا مجدداً لإنتاج وتسويق الخطاب الطائفي والتحريضي في العراق، وهي شعارات عرفها الشارع العراقي منذ عام 2003 ولم يجن منها غير الخراب. وللأسف أنه ما زال هناك بعض السياسيين يؤجرون خطابهم الطائفي لخدمة أعداء الأمة العربية، ولم يتعظوا بعد من الدمار الذي سببه خطابهم الطائفي لأبناء مكونهم خاصة وللعراق بشكل عام.
مرشحو الدفاع عن المكون والحفاظ على المذهب وانتزاع الحقوق، غربان جربتهم محافظاتها فأوصلوها للخراب والدمار، ومشغلوهم غربان مثلهم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن