ثقافة وفن

«ألف حبل مشنقة ولا يقولوا بوعمر خاين يا خديجة» … الأعمال التي تناولت حرب تشرين التحريرية قليلة وهو تقصير وإجحاف بحدث تاريخي غيّر في ضمير الأمة

| وائل العدس

اليوم، يحتفل الشعب العربي السوري بالذكرى السادسة والأربعين لحرب تشرين التحريرية التي قادها القائد الخالد حافظ الأسد، في الوقت الذي تثبت فيه سورية بعد أكثر من ثماني سنوات على الحرب الإرهابية الظالمة، قدرتها على الصمود والانتصار في سبيل الحفاظ على سيادة الوطن وكرامة المواطن وصون تاريخه وحضارته بقيادة السيد الرئيس بشار الأسد.
حرب تشرين التحريرية تاريخ جسد مقولة «ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة» ويوم أعاد لكرامة الأمة العربية بريقها بصناعة نصر أحرزه أبطال الجيش العربي السوري على الكيان الصهيوني الغاشم بعقيدة ثابتة مفادها الشهادة أو النصر.

بطل درامي
حاول الفنانون السوريون قدر استطاعتهم وضمن الظروف تخليد عدد من قصص البطولة والإباء في هذه الحرب، ولكنها غير كافية، وكل بطل من أبطال الجيش العربي السوري يستحق أن يكون بطلاً سواء في المسرح أم التلفاز أو السينما، وأعتقد أن الوقت لم يفت بعد على ذلك.
بشكل عام ظهرت بعض الأعمال التي تناولت حرب تشرين، ولكنها للأسف أعمال شحيحة ولم تتجاوز أصابع اليد الواحدة، وهو تقصير وإجحاف بحدث تاريخي غيّر في ضمير الأمة وفي خريطة الصراع العربي الصهيوني.
ألف حبل مشنقة

وأمام عظمة هذا الحدث التاريخي، لم تعط الدراما السورية بكل إمكانياتها ما يجب منحه لحرب قلبت الموازين، فاقتصرت الإنتاجات على أعمال قليلة، على حين لم تنجح في ترسيخ أفكارها إلا عبر عمل واحد هو «عواء الذئب» بالأبيض والأسود الذي مازال شاهداً على حكاية واقعية تهتز لها الضمائر.
حيث قدّم خالد حمدي الأيوبي نصاً جميلاً للمخرج الراحل شكيب غنام، ومن بطولة الراحل صلاح قصاص الذي قال جملته الشهيرة: «ألف حبل مشنقة ولا يقولوا بوعمر خاين يا خديجة».
ويتحدث هذا الفيلم عن «أبو عمر»، المهرب الذي يقتل شرطياً والهارب من العدالة والمحكوم بالإعدام، لكنه أثناء حرب تشرين يتمكن من الإمساك بطيار صهيوني سقطت طائرته بالقرب من مكان اختبائه عن أعين الشرطة بعد تعرضها لصاروخ من سلاح الطيران السوري، فيحاول إغراءه بالمال ليساعده على الهرب، لكنه يرفض ويذهب به إلى الشرطة ليسلمه ويسلم نفسه بآن واحد.
الفيلم مأخوذ من قصة واقعية حدثت في بلدة الزبداني في الريف الدمشقي، وقد نفذته دائرة الإنتاج السينمائي في التلفزيون العربي السوري.
يجسد الفيلم شهامة الإنسان السوري وانتماءه العميق لوطنه وأرضه، راصداً قدرته على المواجهة وحبه للمقاومة حتى في أحلك الظروف.
وأصبحت الجملة التي نطق بها «أبو عمر» أيقونة درامية ما زالت تردد حتى الآن على ألسن الأجيال السورية بمختلف أعمارها لما لها من آثار دغدغت المشاعر الوطنية.
ويعرض الفيلم مقاطع صوتية من إذاعة دمشق تجمل أخباراً مدوية بتفوق الجيش السوري وتكبيد العدو الإسرائيلي خسائر فادحة، مصاحب ذلك مشاهد حية من أرض المعركة ومعشقاً بصوت فيروز وأغنيتها الشهيرة «خطّة قدمكن عالأرض هدارة» التي تثير الطيار الصهيوني مطالباً بتغيير التردد والاستماع إلى الإذاعة الإسرائيلية فيرد عليه أبو عمر ضاحكاً «إسرائيل ما بتطلع بهادا الراديو».

تمثيليات أخرى
وتتابعت التمثيليات مثل «العريس» أيضاً للمبدع صلاح قصاص وإخراج شكيب غنام، وترصد قيمة الشهادة العليا واعتبارها عرساً وطنياً تعكس روح التضحية للمواطن السوري واستعداده لتقديم أغلى ما يملك فداء للوطن.
أما تمثيلية «حكاية من تشرين» للمخرج هاني الروماني فاختلفت شكلاً ولكنها تشابهت مع سابقتها مضموناً، حيث وثقت قصصاً ميدانية من أرض المعركة في مزج مترابط بين مشاهد الدراما وواقعية الشريط الوثائقي.
وتميزت تمثيلية «الولادة الجديدة» للمخرج غسان باخوس بإبراز عمق العلاقات الاجتماعية بين السوريين ووقوفهم إلى جانب بعضهم بعضاً ونسيانهم لكل الخلافات؛ مع رصد معارك حقيقية ضارية بين الجيش العربي السوري وقوات الاحتلال؛ موثقاً بذلك لذاكرة بصرية لافتة في تعاطيها مع حرب تشرين؛ مصوراً تلك الروح الأصيلة للجندي السوري؛ والتي جسدها الفنان رشيد عساف أثناء أدائه لدور قائد كتيبة دبابات تتعرض لقصف الطيران الإسرائيلي ليحمل بعد ذلك رفيقه معيداً إياه إلى أهل قريته.

بعد وطني وقومي
قدّم المخرج نجدة إسماعيل أنزور مسلسل «رجال الحسم» عن بطولات الجيش العربي السوري في حرب تشرين من خلال حبكة جاسوسية يقوم عبرها ضابط سوري في متابعة شبكة للموساد في أوروبا.
وتدور أحداث المسلسل الرئيسية حول الشاب «فارس» ويتطرق بطريقة إنسانية إلى قضيته التي دفعته للانتقام لعائلته عبر القيام بعملية فدائية في الأرض المحتلة، ولكن الظروف تحول دون تحقيق ذلك… غير أن إصرار «فارس» على القيام بعمل ما يدفعه للسفر إلى دولة أوروبية والعمل في مطعم يرتاده أشخاص من المافيا الإسرائيلية بعد أن يغير اسمه.
كما يتخلل المسلسل عملية تجسس فيها سلسلة من الأحداث التي أسقط من خلالها الأقنعة عن حياة ضباط الموساد الذين اختبؤوا وراء ستار ولائهم لدولتهم.
ويكسر العمل حجر الجدار الذي اختُبئ وراءه جبروت رجال الموساد ليضعهم أمام عاصفة العدالة السماوية التي لابد أن تطبق في الأرض مهما رفض المعتدي.
ويحمل العمل بعداً وطنياً وقومياً وهو يتحدث عن معاناة يعيشها أبناء الشعب السوري في الجولان المحتل وانتشار ثقافة المقاومة ويصور جرائم الموساد.

في المسرح
أما عن المسرح، فكانت بدايته عن حرب تشرين بقلم كوليت خوري التي كتبت «أغلى جوهرة بالعالم»، ثم مسرحيتي «نقطة دم شهيد» التي مولتها المرحومة سامية المدرس المدرسة في مدرسة أبناء الشهداء في عام 1974، وكانت مسرحية أحمد قبلاوي «أول فواكي الشام يا فانتوم» قمة في الكوميديا حيث تفاعل معها الجمهور بشكل لا يمكن وصفه، وشارك بالعرض من حيث لا يدري، حتى كانت رائعة محمد الماغوط ودريد لحام «ضيعة تشرين» وبعدها جفت أقلام الكتاب وبدأ وهج المسرح يخفت شيئاً فشيئاً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن