قضايا وآراء

تلميحات الحرب الذرية على أفغانستان للتخويف

| د. يوسف جاد الحق

في الخامس من شهر آب المنصرم أدلى رئيس الولايات المتحدة الأميركية دونالد ترامب بتصريح على قدر من الخطورة، يمس مضمونه سائر البشرية على سطح الكرة الأرضية، ولم يتوقف أحد عند تصريحه هذا وما ينطوي عليه، لكأنه مجرد كلام عابر لكائن غير مسؤول، فما بالنا إذا كان الكلام صادراً عن رئيس إحدى الدول الكبرى في عالم اليوم؟
تصريح الرئيس ترامب، على الرغم من خطورته البالغة إنما يدل على مدى استهتار الرجل بالروح الإنسانية والكائن البشري عامة برغم الادعاءات الكاذبة التي يروج لها الإعلام الأميركي حول قضايا الإنسان وحقوقه، كان قوله بالحرف الواحد: «يمكنني إنهاء الحرب في أفغانستان في مدى ثلاثة أيام أو أربعة على الأكثر، ولكنني لا أرى ضرورة لقتل عشرة ملايين شخص في ضربة واحدة»!
يلمح الرجل إلى أنه سوف يلجأ إلى القنبلة الذرية، لكي يصل من ثم إلى النتيجة المتوخاة، وهي استسلام الأفغان، تماماً كما حدث لليابان بقنبلتي هيروشيما ونجازاكي في 7 و9 آب من عام 1945 في عهد الرئيس هاري ترومان وكان من شأنهما إنهاء الحرب العالمية الثانية باستسلام اليابان يومئذ.
لقد صرح ترامب من قبل، بأنه «إذا ما فكر في الحرب على إيران فإن ضربته سوف تكون ساحقة فاجعة يدهش لها العالم أجمع» هو يحاول بهذه التهويمات والتهديدات، إخافة إيران التي لا تخاف.
إن غرور القوة المترسخ في أذهان بعض كبار رجال السياسة في أميركا هو ما يذهب بهم إلى هذا المنحى الذي يكشف مدى استخفافهم بالبشر غير الأميركيين، ما يظهرها على حقيقتها كأكبر دولة عنصرية في عالم اليوم، ومعها تلك الفئة القليلة الضئيلة المتمثلة فيما يسمى «دولة إسرائيل» التي لا نرى في سائر البشر غير هذه الرؤية المتدنية المستوى.
غير أن أميركا تتجاهل ما طرأ على موازين القوى العالمية من تغيرات بعد زمن ترومان قبل خمس وسبعين سنة، كان من شأنها، لو أحسن هؤلاء إدراك الحقائق الراهنة، وعرفوا حدود قوتهم وامتنعوا من ثم عن النظر إلى الشعوب الأخرى على أن أبناءها ليسوا غير أدوات ووسائل وأرقام لتحقيق المصالح المادية التجارية، بحيث إن النفط عندها أغلى من الدم البشري، والتجارة في حد ذاتها هدفها الأسمى وطموحها الأكبر، ويصبح أمر شعب بأسره مجرد وسيلة لـ«تشغيل مصانع السلاح حتى المحرم منه»، وقتل شعب آخر وتهجير أبنائه وإماتتهم بالحصار والتجويع والعقويات وما إليها من ابتكارات إجرامية وسيلة «لتخفيف أرقام البطالة في تلك الدولة».
ألم تكن هذه هي الصورة التي شهدها العالم منذ شهور عند زيارة ترامب إلى السعودية وقبضه ثمن سكوت أميركا، وسكوتها فقط، عما جرى ويجري في اليمن التي دمرت تماماً كدولة، وأبيد الكثير من أبنائها، فما كانوا غير ثمن في صفقة تجارية بين مالكي الدولار من جهة، ودماء البشر من الجهة الثانية.
ليس ما يجري في أرضنا المحتلة فلسطين غير صورة واضحة لهذه الحالة البائسة والمؤلمة القائمة في عالم اليوم الذي تجردت الدول الكبرى في الغرب من سائر القيم الأخلاقية سوى دليل بكذب ادعاءاتها في هذا الشأن فما هي غير أكاذيب لذر الرماد في العيون، ووسائل الإعلام التي يملكونها كفيلة بترويجها وتعميمها لتشويه الصورة للبشر الآخرين خارج نطاق تجمع عصابات مرابي اليهودية العالية، ومؤسساتهم ولوبياتهم الماسونية المعروفة، لقد أصبح البشر سلعة تجارية تماماً كالنفط، أو أقل، والدولار، أو أبخس، والعقارات تبنى وتجمل بالديكور الأنيق على أطلال الدم البشري لفقراء العالم في القارات الخمس.
لعله الوحيد في هذا العالم رئيس كيان العدو بنيامين نتنياهو، وفئة من «الأعراب الضالة»، من يتمنى وقوع حرب ذرية تقوم بها أميركا نيابة عن كيانه الهش، ومن ثم نراه في كل يوم يكذب ويفتري زاعماً بأن إيران خطر، ليس على المنطقة وحولها، وإنما على العالم أجمع! والعالم هذا، للأسف الشديد، يبدو وكأنه لا يعرف أن مقولات نتنياهو وخطاباته وتمثيلياته الحافلة بالغش والخداع، خوفاً على مصيره الشخصي وكيانه الذاهب، في يوم قادم، إلى غياهب التاريخ بحروف حالكة السواد.
فأي عالم ترانا ننتظر كبشر يقع علينا ظلم لا قبل للجبال بحمله؟ ترامب يباهي بقدرته على قتل البشر بما يملك من قنابل الإبادة البشرية الذرية، يلمح بها من حين لآخر باعتزاز وغطرسة فجة ومخجلة!
لا نفقد الأمل أبداً، فالمتغيرات الجارية على كل صعيد في العالم كله هي أشبه بالمخاض العسير الذي لا بد أن يسفر عن ولادة صحيحة معافاة سليمة، تنعم عندها البشرية بالأمن والأمان والسلام الأخلاقي الحق.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن