منذ أيام وفي لقاء للاعب السلة الدولي محمد أبو سعدى مع قناة «لنا» تحدث اللاعب الشهير عن الدورات العربية لبطولة كرة السلة والندية التي كانت تثيرها المنافسة بين الفرق العربية، معلقاً أنه زمن قد لا يتسنى لأولاده أن يعيشوا مثله.
لا أدري إن كان أبو سعدى الذي كان نجماً من نجومنا، في التسعينيات، يقصد الوضع العربي العاجز عن إقامة بطولة عربية الآن، أم إنه مجرد حنين للماضي.
لكن تعليقه يثير أشجاناً، رحلة قصيرة في الذاكرة، عشرون عاماً للوراء تبين كم كان الوضع السيئ للعلاقات العربية حينها، في حاله المتعب والمثير للغثيان، كم كان حينها أفضل من وضع العرب الحالي.
كان التوافق بين العرب في حده الأدنى، ولكن كان ثمة توافق، كان يمكن الحديث عن المستقبل العربي، حيث تتوحد الدول بقادتها تحت عناوين خيالية، ولكن موجودة نظرياً، مثل الأمن القومي العربي، واللجان الاقتصادية العربية، وحتى جامعة الدول العربية.
كانت القمم العربية رغم مساخرها وقلة جدواها تتضمن بحوث خبراء في التنمية والاقتصاد والري والزراعة ترفع أمام اللجان السياسية، التي تحضرها لرفعها للقادة، وكان هذا يترافق مع تصريحات كثيرة رنانة حول علاقات الأخوة ومشاعر الأشقاء، والمصالح المشتركة والمصير الواحد.
ورغم أننا كنا نخرج من تلك القمم كمراقبين مع أمل صغير باهت، ولكنه كان موجوداً، وكنا نرعاه كنبتة صحراوية صغيرة، ربما تحدث المعجزة فتورق في حياتنا أو حياة أولادنا.
ورغم أن السياسة كانت تفعل فعلها بين العرب دوماً، إلا أن الرياضة كانت مساحة تنفيس للعداوات والخصومات التي تتشكل بين القادة، فيتحمل تبعاتها الشعب، ويفرغها في معارك صغيرة على المدرجات، أو في الملاعب، وكان المعلق العربي يعلق مستنكراً بصوته الرخيم «لا يجوز هذا فنحن إًخوة في النهاية».
وكان الانتصار الرياضي، بمثابة انتصار سياسي، ولكنه في الواقع ليس سوى انعكاس لتلك الخيبة الكبرى التي تتمثل فيها العلاقات بين الأشقاء.
كل هذا وأكثر، إذ عندما نجحت قطر بالحصول على حقوق مونديال كرة القدم لعام 2022، امتلأنا بالزهو والفخر، متغاضين عن شكوكنا المنطقية تماماً، بسبل تحقيق إمارة صغيرة في بيئة صحراوية خانقة لهذا الامتياز، وقلنا إنه يكفينا شرفاً كعرب هذا النجاح.
لكن تلك الإمارة ذاتها مولت بمليارات الدولارات حرباً شرسة في بلادنا، ليس لغايات سامية ولا لأسباب إنسانية، وإنما لتحقيق طموحات شخصية وسياسية.
في ذات الوقت تخوض الإمارة حرباً إعلامية وسياسية باردة مع شقيقاتها التي بدورها تخوض حرباً في اليمن ليست حربها، فيما تتناقص مساحات البلدان بين هنا وهناك، في نزاعات لا تحل، وتغذيها هذه الدولة أو تلك، دون أن ينفع تذمر أو شكوى أو تظاهر أو عنف في تغيير وضع المواطن البائس، سواءً كان ذلك في أغنى البلدان العربية كما في العراق أم أفقرها في القرن الإفريقي.
أما فلسطين، فمن يتذكرها فعلياً؟ سؤال عملي وحقيقي؟ حتى تلك المأساة العربية، لا تسلم من النفاق ولا من الاستغلال السياسي الذي لا يقدم في شأن الفلسطينيين شيئاً ولا في شأن قضيتهم.
والأكثر سوءاً من كل هذا، أنك لا تستطيع تجنب التفكير بأن وضعنا كعرب حالياً، ربما يكون أفضل بعشرات المرات، مما سيرانا عليه أولادنا بعد سنوات من الآن.