ثقافة وفن

بعد حصولها على جائزة العمل الأول عن «رسائل الكرز» تفرد أوراقها … سلاف فواخرجي لـ«الوطن»: المواطن السوري الذي بقي وقاوم الحرب لا يستحق إذلال الفاسدين له

«رسائل الكرز أولاً»

أخذ «رسائل الكرز» مني وقتاً طويلاً، فقد كنت أمام تحدي العمل الأول، والناس لديهم فضول معرفة القدرة، وفي هذا العمل أقول عشت الشغف الفني في الإخراج، وهو نفس الشغف في التمثيل، كنت حريصة، وأتعبت الجهاز الفني أثناء العمليات وفي مراقبة كل التفاصيل من البداية إلى النهاية، لذلك أخذ العمل وقتاً طويلاً، إضافة إلى أنني كنت أتعلم وأكتشف نفسي.. التمهل كان سياستي في العمل ما أتعبني وأتعب من معي.. والشكل الذي أردته في الفيلم ظهر، ومن المؤكد أنه ما من عمل يبلغ الكمال والرضا، وبلوغ الرضا يعني التوقف.
في «رسائل الكرز» العمل الأول هناك قضايا رضيت عنها، وهناك أمور سأتجاوزها في العمل القادم، لا أريد أن أنظّر، لكن ما أقوله أن شيئاً من خلاصة روحي في هذا العمل.

رسائل الكرز رسالة الوجدان
مدة الفيلم «71» دقيقة، كنت أتمنى أن يعرض في سورية قبل أي مكان آخر، لكن الفيلم كان على موعد مع مهرجان الإسكندرية، ومهرجان الإسكندرية مهرجان كبير، وأشكر الله أن الفيلم لقي صدى طيباً قبل الحصول على جائزة.
الجائزة أفرحتني، ولكنني لم أكن أتوقعها، وللجائزة طعم آخر، لأنها تقول لي هذه جائزتك، وهذه أنت، ومع أنني حصدت جوائز كثيرة في التمثيل، إلا أن هذه الجائزة تعنيني كثيراً لمولودي الأول إخراجياً.
المهرجان عريق، والجائزة التي ترافقت مع التكريم مهمة، والعودة السورية المصرية هي الأهم، فبعد فترة من الجفاء وعدم فهم الحالة السورية، لذلك أشعر أن هذه العودة تمثل قوة لمصر وسورية معاً.
كنت مدعوة للتكريم منذ أشهر، وعندما علموا بعملي الإخراجي الأول، طرحوا فكرة أن يكون الفيلم ضمن الأفلام، وهكذا كان، وسورية، ونحن بحاجة إلى الفرح في مثل هذه الظروف، الاحتفاء كان بسلاف والفيلم معاً، وأعجبني اهتمامهم بالحالة، فممثلة تخرج فيلماً كانت فكرة لقيت استحسانهم وإعجابهم، ولقيت دعماً وتشجيعاً لم أتوقعه، في حين أن عدداً ممن حولك قد يقول: ممثلة وعم تتسلى. المشاركة في مهرجان الإسكندرية أظهر لي احترامهم للخطوة ودعمهم، والدعم الذي لقيته في مصر كان منقطع النظير من الزميلات الممثلات المصريات.. دخل الفرح إلى روحي كسلاف وسورية ومخرجة… في عرض الفيلم كان شيئاً مذهلاً أن تمتلئ القاعة وعلى الدرجات والممرات، وهذا لم يحصل إلا في الفيلم المصري، وفي فيلمي رسائل الكرز..
ردات الفعل، والاهتمام أحدث لي غبطة، أرضى نرجسيتي كفنانة، ولكنني لم أصل إلى الغرور، لأنني لو كنت سأصاب بالغرور كان ذلك سيحدث منذ زمن.

غياب مسعود عن السينما!
غسان مسعود عالمي، ممثل مهم، وأنا أحبه على الصعيد الشخصي والفني وأستغرب أنه لم يعمل في السينما السورية من قبل، وهو صاحب شخصية خاصة وأداء خاص، كان لي الشرف أن يوافق غسان مسعود ويتحمس، وعلى الرغم من اتفاقنا بأن العمل الجماعي هو الذي يعطي النجاح، وعلى الرغم من تاريخه كان الأستاذ غسان متجاوباً مع كل ما يلزم العمل.

أعرف ما أريد
لست مستبدة في العمل، لكنني كنت أعرف ما أريد، غايتي واضحة، والحوار والنقاش يكون لتوضيح وتقديم ما هو في الذهن، أسمع، أناقش، أحاور، لكن ما أريده واضح، لذلك لست مع مصطلح الاستبداد، فالحكاية بسيطة وجدانية تمشي بسلاسة وهدوء، وكانت غايتي أن أقدم هذه الوجدانية بعيداً عن الحدث وتعقيداته، وهذا الفهم كان واضحاً لدي، وكل ما صنعته هو لتقديم وجداننا تجاه الإنسان الجولاني وأرضنا وقضايانا، والاحتلال.

التمثيل والإخراج عشقان
التمثيل والإخراج عشقي وشغفي، وأنا لم أعمل يوماً في عمل لم أعشقه، ولكن الإخراج حالة جديدة من شغفي، فيها لذة الاكتشاف بالقدر الذي كنت أتعلم فيه قضايا كانت جديدة لم تتح في التمثيل.. أهتم بالتفاصيل من إضاءة ونص وتكنيك وغير ذلك، وهذه العناية كانت في التمثيل، واستفدت منها في الإخراج، فقرأت وعرفت واكتشفت وعرفت الشراكة وعمقها، فمع أنني في التمثيل أشارك وأناقش، إلا أنه في الإخراج دخلت في التفاصيل الفنية التي لم أكن متعمقة بها.
استفدت من التمثيل في الإخراج، وعندما انتهيت من الإخراج حملت معي ما تعلمته ونفذته لأقدم سلاف الممثلة بالطريقة التي فهمتها، وأنا الممثلة المشاركة المطواعة، الملتزمة بتقاليد المهنة مثلي مثل الكثير من الممثلين السوريين أحب أن أتعلم، وحالة التعلم متعة لا أتوقف عنها، لا أقبل أي دور منذ البداية، حتى قبل الشهرة، أرى نفسي خاصة لست في أي مكان، لأنني أحب سلاف أضعها في المكان الذي أحبه لها، اشتغلت مع كل الناس والفنانين، عملت مع الجميع، ولم يصنعني أحد، تعلمت من الجميع، وكل عمل له أهميته، ولكنني لست مدينة لأحد، قدمت لهم، وقدموا لي، وصنعت نفسي بنفسي.

أنا سينمائية الهوى
السينما عالم جميل يأخذ الإنسان، وأنا أجد نفسي في السينما، لكن الظرف السينمائي لدينا جعلني أعمل في التلفزيون الذي أحترمه، التلفزيون خطير ومهم، ولكن لو كانت شروط السينما جيدة لكنت سينمائية بجمالية السينما.. وعملت في السينما السورية والمصرية، والخلاف الوحيد هو في التقاليد، ففي السينما المصرية يتعاملون مع الممثل على أنه محور الكون، لذلك يعطي الممثل أفضل ما لديه إكراماً لمن ينتظر إحساس هذا الممثل.. وفي السينما السورية الأمر مختلف..

لم أكن من صنعة أحد
أتعامل مع الجميع باحترام، سواء كانوا من السابقين أو الجدد، لأن ذلك سمة شخصيتي، أنا أتعامل مع ما أراه بذاتي، وليس ما أراه في الآخر، وفي كل عمل أجد فرحتي بالزملاء الذين أعمل معهم.. ولا أهتم للخذلان، فمقابل فرحتي بالآخر وحبه لي أصبت بخذلان شديد من كثيرين أحببتهم، والخيبة إحساس مرير أصبت به في مراحل كثيرة من حياتي.
أحب أن أحب، وأحب أن يقدم لي الآخر الحب، وهذه طريقة تربيت عليها، لم أتغير ولن أتغير، أحب أن أقدم العون والدعم للشباب، لأنني لم ألق الدعم في بداياتي، تعبت كثيراً واجتهدت حتى وصلت، وما من أحد يمكن أن يتحدث عن دعم قدمه لي، وكنت بحاجته، ولأنني أعيش الحب، لا يعنيني إلا أن أحب الآخر ويحبني.

جرعة الكوميديا وغياب النص
عملت في الكوميديا «بكرا أحلى» و«مبروك» ولوحات من «بقعة ضوء» أحببت التجربة لأنها ليست تهريجاً، والمشكلة في النص، لم يعرض عليّ بعد هذه الأعمال ما يستحق من حيث الأهمية، وفي كل ما يقدم لم أشعر نفسي، وأنا أحب في كل شيء ما يسمى القطفة الأولى التي تبعدني عن التكرار.. وفي حالة «حارة المشرقة» كما تعلم قدمت الشخصية النمطية بقالب قريب من الكوميديا، لفتاة قادمة من الشارع تحوّل نفسها إلى سيدة، الكوميديا لعبة خطيرة، وعندما يعرض ما يستحق، ويحمل سمة القطفة الأولى سأقدمه.
كل ما يتم الحديث في الصحافة عن المقاطعة غير صحيح، وأنا على الرغم من كل مواقفي لم تتوقف أعمالي عن العرض، وهناك طلب لأعمال أشارك فيها، لا أدري الغاية من الترويج للمقاطعة، وفي هذه السنة شاركت في أعمال عرضت في القنوات الأخرى، «بانتظار الياسمين» يقدم حياتنا المرعبة، وبعض القصص على الأرض، وأنا على احتكاك بالناس، وحاولت أن أقدم جرعة من ألم الحقيقة، لأن الحاضر أمامي في أثناء العمل أهلي، أهل بلدي سورية، وكانت الشام حاضرة دوماً… طريقتنا بالتربية والتعليم جذرتنا بالمفهوم الوطني، لذلك عندما أقدم مشهداً ويرد ذكر الشام لا أدري ما يحدث لي.. وفي «حدث في دمشق» عندما تحدثت عن مغادرة الشخصية للشام لم أتوقف عن الدمع، فشوقي للشام طافح وأنا فيها، وأسأل نفسي، هل يمكن أن أجبر كسورية للخروج من بلدي… ما من أحد لم يتضرر، ليس هناك أحد لا يشعر ببلده، لذلك كان مفتاح شخصيتي في «بانتظار الياسمين» رأيت أنني سورية التي تمّ تهجيرها واغتصابها، ومع ذلك بقيت ثابتة وطاهرة وشرسة، ولم تكترث، ولم يكترث من حولها إلى اغتصابها، فبقيت طاهرة ومقدسة لأنها سورية الطاهرة أمام الجميع.

حرائر حالة خاصة
عمل «حرائر» مكتوب بإتقان، وهدفه سامٍ، من النواحي الكتابية والإخراجية، الجميع أرادوا وتنادوا لتقديم الشام بطريقة مختلفة، بفكر جديد، وهي محاولة مهمة، لم أر العنوان معبراً، وعمل واحد لا يفعل شيئاً، ومن يظن أنه بعمل واحد يمكن أن يسحب البساط من الأعمال التي كرّست صورة نمطية للمرأة الشامية فهو واهم أنا ضمن فريق العمل الذي آمن به وبرسالته، وأتمنى أن يعزز هذا الاتجاه، ولن يحدث ذلك إلا بأعمال عديدة تؤدي إلى تغيير الصورة النمطية، فهل ترك أحدهم مسلسلاً من تلك الأعمال ليتابع (حرائر)؟ أظن ذلك لم يحدث، وسيحدث عند تعزيز هذا التوجه بأعمال عديدة تشكل تياراً.. حرائر، عمل يشبهني أكثر من أعمال شامية أخرى، دون الدخول في التفاصيل.

لست مع تعرية المجتمع
قدمت أعمالاً في السينما، وكنت متجاوبة مع المشهد الموظف، والموجة التي أراها في الدراما السورية من تعرية المجتمع، فحياتنا قبل الحرب وبعدها تعاني فساد المجتمع، لكنني لا أحب أن أراه على شاشة التلفزيون، قد أذهب إلى السينما، قد أحضر أشرطة لرؤيتها، لكن لا أحب أن أرى هذه الأعمال مع عائلتي، الرقابة يجب أن تكون ذاتية واجتماعية، والقضايا الاجتماعية التي لا يلتفتون إليها أخطر من القضايا السياسية، نحن مسؤولون عما نقدمه، وأنا لا أحب أن اراه، ولا أشارك فيه، ومثل هذه الأعمال تحصد مشاهدة، لأنها تلبي رغبات، ولا يمكن أن أعمل في عمل لا أحضره مع أولادي وأسرتي، وأي عمل لا يلتزم بالتقاليد الاجتماعية لا أشارك فيه، فإن كان لدينا فساد هل نزيده ونقدمه؟ إلقاء الضوء يكون بتقديم النقد جمالياً، والهدف يجب أن يكون سامياً، المشكلة في طريقة التقديم.

دفعت الثمن مع القريب!
لم أشعر أنني دفعت ثمن مواقفي، فما تدفعه سورية أكبر بكثير، وما دفعته أمهات الشهداء، أكبر من الثمن الفردي، لا يعنيني ما يقوله الخارج، الحالة التي أعطيها انتباهي هي الداخل، والخذلان في الداخل أقسى، أنا قوية برأيي، بإيماني، بيقيني، سواء كنت على خطأ أو صواب، المؤلم أن تشعر الخذلان من ناسك الذين تخسر كل شيء من أجلهم، وخذلاني كان من الداخل أصعب وأقسى.
أشتاق لزملائي الذين في الخارج، أفكر بالذين بقوا والقادمين، لست في صدد التفكير في خيارات الآخرين، أحترمها، لكنني لا أملك القدرة على مغادرة بلدي وبيتي والشام.. لا يعنيني من خرج، وله أسبابه، ولا أقوّمه، لكنني أشتاق لأصدقائي الذين لهم عندي ذكريات لا تنسى.

شغف المكان وعبقه
أي عمل يتناوب المكان وسورية والأزمة يجب أن ينجز في سورية، فالمكان جزء من القصة، المكان بطل، لا أشعر بشيء تجاه عمل يصور عن سورية خارجها، هناك تزييف، فعندما تتحدث عن الشوارع والساحات يجب أن تكون في المكان نفسه، حتى داخل سورية عندما تتحدث عن ساحة السبع بحرات، يجب أن تصور فيها، لا في ساحة أخرى ولو داخل دمشق فما بالنا بأعمال في صلب الأزمة السورية تصور في الخارج؟ لا أحس بها ولا بأهميتها ولا بصدقها!

فسادنا غير وأحاسيسنا غير وأمراضنا غير
لست مع الأعمال التي تقدم نقلاً عن أعمال أجنبية مهما كانت هذه الأعمال مهمة، فأحاسيسنا غير، وأمراضنا غير، وفسادنا غير، وأخلاقنا وأعراسنا، حتى عصاباتنا غير العصابات التي يتم تصويرها كما لو كانت من مجتمعنا، لا يمكن تجاوز الجغرافيا والتاريخ والمكان والعادات والتقاليد، كلما كان العمل مغرقاً في البيئة وحقيقياً لقي نجاحاً أكبر، كما نجيب محفوظ ونزار قباني.
أزعل على الطاقات السورية التي كانت ملتصقة بالبيئة وهمومها، واليوم كرّست جهودها وخبراتها لنقل أعمال أجنبية لا تشبهنا، ونحن أحوج ما نكون إلى جهودهم، والناس يحبونهم كثيراً، وأعمالهم موجودة ونشاهدها ونحبها، لن أذكر الأسماء، بل كل الأسماء أزعل على غربتها الجسدية والعملية من باب المحبة والشوق لأعمالهم الصادقة التي عالجت أزماتنا.
هذه الأعمال لها جمهورها ومحبوها، لكن لا أحب أن يخسر أحد المبدعين فكره ومبدأه وجمهوره، أشتاق إليهم كما كانوا.

الفنان والرأي العام
الفن رسالة، والفنان الحقيقي يقود الرأي العام، والممثل كما هو شخصية عامة، هو صاحب رأي عام، وقد حدث هذا في مفاصل تاريخية عديدة، شريطة أن يملك هذا الفنان المقومات، وأن يكون حقيقياً.. يجب أن يكون الفنان صاحب رأي عام كما هي الحال مع الفنان الكبير دريد لحام، والفنان صاحب التاريخ والرأي يملك القدرة على التغيير بالرأي العام، قد يرى بعضهم أنه خسر من رصيده، لكن نسبة لا بأس بها قد تغير رأيها اعتماداً على مصداقية فنان له تاريخ. الفن يوحّد الناس ويجمعها أكثر من السياسة والساسة.
الأسرة والفن

حمزة وعلي بخير وهما في الشام، وحمزة يكتب الآن قصة مسلسلة باللغة الإنجليزية، يفكر في يوم من الأيام أن يصنعها كتاباً، وأن يحولها إلى أعمال كرتونية، وخاصة أن ميوله علمية بحثية بشكل كبير، ويتابع الاختراعات… وعلي يقلّد حمزة في كل شيء، وعلي أكثر ميلاً للتمثيل، وهو يحب الفن بطريقة جنونية، يحب- على صغر سنه- الضوء والكاميرا والتصوير والمعجبين.. وكلاهما يعزف على آلة موسيقية، حاولنا أن نعمل على تربيتهما وتنمية مواهبهما على الرغم من الظروف الصعبة، وضمن البيئة التي نحب.

حب العائلة
أي وقت خارج التصوير أكون فيه مع أسرتي، وفي البيت، وأهتم بتفاصيل العائلة، وأمارس هواياتي في البيت ضمن إمكاناتي وحدود المعقول، أجيد العمل في المطبخ ضمن الظروف، ولكنني لست عالية المزاج في الطبخ والأكل.. هذه الأمور أتركها للوالدة أطال الله عمرها، أنا أتذوق جيداً، لكنني لست ممن يحبون الطعام، متذوقة وحسب، والطعام أعد تناوله نعمة، وأنا صاحبة نظام غذائي منذ بداية حياتي، فأنا لا أعرف الخبز الأبيض كل حياتي، ولا أقترب من الدسم، ولا علاقة لذلك بأي حمية.

الزمن القادم والسن
لا أتوقع أن أي شخص في سورية يحسب شيئاً للزمن القادم، ونعيش أرقاً وهماً كبيرين من أجل بلدنا، وعلى الصعيد الشخصي عندي تقبل لفكرة التقدم في السن، ومن دون استباق للأحداث، أشعر أنني أحب هذه الفكرة، لكل عمر خبرته وطريقه وجماله، لذلك لا أهتم لذكر عمري وتولدي في كل لقاء، وأستغرب أن تخفي السيدة عندنا عمرها، وهي نفسها تعجب بنيكول كيدمان وعمرها ومحافظتها على جمالها.. في مجتمعنا علامات وأوصياء حتى على الأعمار، ولكنني أرى لكل زمن جماله.
وفي فني لن أقبل التراجع، والسن قد يكون البطل، وأنسحب من الساحة إن لم يكن هناك ما يناسب سني وخبرتي، مفهومنا للبطولة ما يزال خاضعاً للعمر، والدور هو الذي يفرض نفسه وأهميته، كما في رسائل الكرز مع القديرين: غسان مسعود وجيانا عيد.. يهمني أن أكون الأولى دوماً.

مع جود سعيد
أقرأ الآن عملاً جديداً ليامن الحجلي وعلي وجيه، وإخراج جود سعيد في عمل تلفزيوني بعد تجارب السينما، لم نتفق على العمل بعد، لكنني اقرأ وأعجبت بما قرأت حتى الآن، يقارب الأزمة من بعيد، وهناك إعدادات في مصر لأعمال يتم إنجازها، إضافة إلى عمل «بديعة مصابني» المؤجل، لكن العمل صعب في ظروفنا.

لقطات لا تنسى
من كليوباترة أحب دفاعها عن بلدها في مواجهة الرومان، إدانتها ورفضها لظلم التجار، ومنع التجار من تخزين القمح واحتكاره في المستودعات، لحظة وقوفها أمام حريق مكتبة الإسكندرية، مشهد الولادة والأمومة.. كلها مشاهد تتعلق بالوطن والمواطن والانتماء.. ومن هنا يخطر على بالي، لو كان ممكناً أن أزور حلب اليوم لأقول لها: بلد عظيم وشعب عظيم دفع ثمناً عظيماً، لا أنسى رحلاتي عندما كنت أدرس الآثار، وما قمنا به من حفريات، وعثوري على آنية فخارية في باب الفرج.. ودراسة الآثار لا تزال ترافقني لأنها كانت دراسة شاملة، للعلوم والآداب والشعوب وكل ما يمكن أن يغذي العقل والمخيلة.
الإنسان أهم من الحجر، لكنني أحزن لتدمير حضارتنا، وما يعنيه هذا التدمير من إزالة لتاريخ وممالك عظيمة، وزنوبيا التي لم يستطع أعداؤها إذلالها، خرج اليوم من يسبب لها الذل، وهذا شعور قاس.

إذلال المواطن بفساد الفاسدين
عندي إيمان لا ينتهي، ليس إيماناً تسليمياً، لكن إيماني بالإنسان الذي لم تستطع الحرب بسنواتها الخمس أن تخرجه من بلده لا ينتهي، الذين بقوا هم الكل الملآن من الكأس..
السوري صمد رغم معرفته بأنه قد لا يعيش، يستحيل ألا تنتهي الأزمة أمام إصرار السوري والوقت يطحننا وقاس.. نحن لن ننتهي.
المؤلم أنه فوق ما يحصل من دمار وحرب في سورية أن نسبة الفساد عالية جداً، فليتق هؤلاء الله بسورية وإنسانها، جرعات الفساد يجب أن تتوقف أو يتم التعامل معها بحزم، فحرام ما يحصل في سورية.
بعض الناس الذين يتربعون على الكراسي يتعاملون مع الكرسي على أنه تشريف، وهو تكليف لخدمة الإنسان السوري، فما بالنا إن كان هذا الإنسان يتحدى الحرب مع بلده ودولته؟!
هؤلاء الفاسدون يصنعون الهوة بين الدولة والإنسان ويزيدونها، وخاصة عندما يتحول المكان العام إلى الخاص، وتنشأ حالات من الإذلال فظيعة للناس، وكلنا نتعرض لهذا الإذلال.. ليس من حق أحد أن يذل الناس.
قد لا أستفيد من هذا الكلام، فهو معلوم، ولكن لابد من الصراخ:
حرام ما تفعلونه بالسوري، تقتلونه وهو يواجه الحرب على أرض سورية
شوية حب تعيد سورية، والحياة تبدأ في اللحظة التي نقرر
السوري بتاريخه وحضارته وسره يستحق أن يصنع الغد.. ويستحق الحب والمزيد من الحب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن