من دفتر الوطن

تحت المجهر!

| عصام داري

الكاتب الساخر الراحل وليد مارديني، صاحب شخصيتي صابر وصبرية، كلف بمراقبة النصوص الإذاعية، أي نصوص التمثيليات والسهرات والمسلسلات، ولأنه في حياته يمتلك روح الفكاهة، فقد وضع تحت زجاج طاولته في دائرة التمثيليات عبارة «من راقب النص مات هماً» على غرار «من راقب الناس مات هماً».
مراقبة النصوص الإذاعية والتلفزيونية، وكذلك الكتب، ضرورية كي تحافظ المجتمعات على سوية أخلاقية وفكرية رفيعة، وحتى لا تحتوي المسلسلات والكتب على أي تطرف ديني أو تحريض عنصري وغير ذلك.
لكن الرقابة في الوقت نفسه صارت سيفاً مسلطاً على رقاب العباد وألسنتهم، وصارت الممنوعات أضعاف المسموحات، وعندما يحتج أحدنا على الشدة غير المبررة في الرقابة يقولون لك عباراتهم الجاهزة (أنا لا دخل لي، الأوامر تأتي من فوق!) وليس لدى أي من الرقباء ومن يترأس دوائر الرقابة جواب يعرفنا – نحن عباد اللـه الضالين- من هو المقصود بعبارة «من فوق»!
فأن يتم رفض عرض مسلسل ما إلى ما بعد تعديلات وتعديلات إضافية، أو يمنع نشر كتاب لاحتوائه على اسم شخص واحد بحجة أنه معارض يجب شطب اسمه من قائمة البشرية وإرساله فوراً وبالبريد المضمون إلى جهنم وبئس المصير، يصبح من حقنا أن نعرف من هو هذا الـ «من فوق» الذي يتحكم بكم هائل من ثقافتنا وبالدراما السورية التي حلقت عالياً في سماء الفضائيات العربية ووصل بعضها إلى العالمية.
كيف منع ذكر اسم أديب أو كاتب أو صحفي كبير له صولات وجولات لأنه أعلن معارضته اللفظية؟ في حين أن مقام الرئاسة أعلن العفو تلو الآخر لمن حمل السلاح، وعاد من عاد إلى حضن الوطن، في حين يمنع ذكر هذا الشخص حتى لو كان للتذكير بالحركة الفكرية والأدبية السورية منذ أربعين عاماً على سبيل المثال، دون أن نتبنى آراءه وأفكاره.
على كل هو مجرد سؤال وخاصة أن الرقابة هذه الأيام، في معظمها، أسندت لأشخاص يفتقدون الخبرة والمهنية، فعندما كان وليد مارديني يراقب النصوص الإذاعية كان من يكتب تلك النصوص أدباء وكتّاب سيناريو محترفون وأسماؤهم تملأ الدنيا وتشغل الناس، على الأقل يجب أن يكون مراقب النصوص أكثر فهماً من الذي كتبها.
وعلى سبيل المثال كنت أكتب نصوصاً مسرحية فكاهية قبل سنوات طويلة خلت، وكنت أسأل من سيراقب هذه المسرحية أو تلك، وبالفعل كنت أخاف عندما أسمع أسماء من راقب تلك المسرحيات، لكن خوفي بلغ ذروته عندما علمت أن الكاتب والشاعر الكبير محمد الماغوط سيراقب إحدى مسرحياتي، وقلت: المسرحية لن ترى النور، وكذلك الحال عندما قرأ الدكتور نبيل الحفار مسرحية أخرى، أو عجاج سليم، وهكذا، لذا من المعيب أن نكلف مبتدئين وبلا أدنى خبرة، اللهم إلا أنهم العيون الساهرة لضابط أمن معتبر، أو مسؤول يريد ضبط العالم على دقات ساعته وحده!
المهم علينا أن نعرف أننا جميعاً تحت المجهر، أكان هذا المجهر صناعة وطنية أو غربية، وتلفتوا حولكم، فأنتم تحت هذا المجهر حتى في مخادعكم، وعليه أوقع.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن