إذا جاز لنا أن نشبه الحياة بالبحر، فإن الناس في يوم عاصف كل يبحث عن خلاصه وصولاً إلى الشاطئ بالوسيلة التي تناسبه، البعض منهم يجيدون السباحة فينقذون أنفسهم والبعض منهم يساعدون الآخرين على بلوغ الشاطئ، والبعض الآخر منهم يتشبثون بمن هم أمامهم أو بجانبهم توفيراً للجهد وهم يجيدون السباحة، وهم الأسوأ بين الناس لأنهم يملكون القدرة على النجاة بأنفسهم ولكنهم يتظاهرون بالضعف كالغني الذي يحبس أمواله في خزانة المال ويدعي الحاجة، وكما طالب الحسنة وهو في غنى عنها.
السبل هنا تختلف وأما الأغراض فهي الغايات وراء هذا الاختلاف، وفي تقدير البعض من الناس أن الغاية تبرر الوسيلة والمهم عندهم بلوغ المآرب ومن بعدي الطوفان كما قال الشاعر.
إن التعقيدات التي تزدحم بها الحياة هي جملة من أسباب هذه النظرة، والدنيا كما يقال مصالح والوسيلة هنا الطريق المؤدية إلى تأمين المصلحة الشخصية خلافاً لأي اعتبار يعطي للغيرية بعض القيمة.
إن الوسيلة لا تختلف في حقيقة الأمر، عن أي نوع من أنواع الأسلحة التي يستخدمها الإنسان منذ أقدم العصور وحتى يومنا هذا دفاعاً عن النفس، كما قناعة صاحبها، ومع هذا تبقى خارج التقييم الأخلاقي من وجهة نظر علماء الاجتماع في بلد يحترم الإنسان وحقوقه الموضوعية بعيداً عن الاستغلال.
إن التعقيدات التي نجمت عن تداخل المفاهيم في المجتمعات الحديثة أبعدت إلى حد ملحوظ بين الأفراد حتى بين أفراد الأسرة الواحدة، وغدت المصالح الشخصية أهدافاً في عين كل منهم، كما في حال السباحة في يوم عاصف وكل يبحث عن وسيلة النجاة بنفسه، ومن هنا كاد الإنسان اليوم يفقد هويته، إن الوحيد بين الناس الذي لم يسقط في التجربة هو الباحث عن الآخرين في نفسه والباحث عن نفسه في الآخرين، هذه العلاقة التي تشد المرء إلى مثيله هي طريق الوصول إلى الشاطئ.
قد يستدعي هذا التكامل في العلاقات بين الإنسان والإنسان تقديم بعض التنازلات الفردية، كما يستدعي ذلك بناء البيت الزوجي في بعض الحالات، ولكن الغاية تبقى نفسها وصولاً إلى البيت السعيد.
وهل أمتع على النفس من أن يرى الإنسان نفسه واحداً من السعداء وليس السعيد الوحيد بين أفراد مجتمعه؟ من أجل هذه السعادة فقط تبرر الوسائل الموضوعية في سياق العلاقات بين أفراد المجتمع وأفراد الأسرة على حد سواء.