الدراما التلفزيونية بحاجة إلى أسلحة وأنا لا أملك شيئاً منها … محمد فلفلة لـ«الوطن»: كانت روح خالد الأسعد ترافقني في كل لحظة تصوير وتوثق معنا تاريخ مدينة اغتصبها الإرهاب
| سارة سلامة
من دبلوم تربية الرياضة البدنية انتقل لاكتشاف موهبة أغفلها إلى عمر 35 عاماً ليكتشفها من خلال مسرح العرائس، ويبدأ رحلته محملاً بقلب طفل صغير من دون أي تملق، بقي الفنان محمد فلفلة محافظاً على موروثه وعاداته وتقاليده وأخلاقه، حيث ظلت بلدته «معرة مصرين» الوادعة في محافظة إدلب ساكنة في قلبه. وانطلاقته من بيت شهد التمازج الديني جعلته يدين بدين الحب ويكون رأس الحكمة عنده محبة الله.
قدم الكثير من الأعمال التلفزيونية والمسرحية والإذاعية وعمل في الدوبلاج، وأخيراً كان خالد الأسعد في فيلم «دم النخل» للمخرج نجدة أنزور. التقيناه للحديث في مسيرة حياته الفنية خلال هذا الحوار.
بعد غياب 9 سنوات عن الشاشة تعود اليوم من خلال شخصية خالد الأسعد في فيلم «دم النخل»، ما أهمية ذلك؟
في الحقيقة أي عمل مع المخرج العالمي نجدة أنزور هو إنجاز وشرف كبير، وكيف إذا اجتمع ذلك مع دور رئيس لشخصية تاريخية موثقة مثل خالد الأسعد عالم الآثار الذي يقرأ ويكتب اللغة التدمرية وتشهد له كل زاوية في تدمر على حبه وإخلاصه وعمله الدؤوب من أجل توثيق تاريخ هذه المدينة، وهي تشكل عودة وخطوة سينمائية مهمة بالنسبة لي.
كيف تم ترشيحك إلى العمل؟
التقيت مصادفة في مكتب صديق لي بكاتبة النص ديانا كمال الدين، وحينها طلبت مني القيام بمكياج لتقييم شخصيتي ومعرفة ما إذا كانت شخصية خالد الأسعد تليق بي.
كيف كان شعورك؟
حقيقة لم أصدق وشعرت للوهلة الأولى أن هناك «كاميرا» خفية تسجل بقصد الفكاهة فقط، ولكن كان ذلك واقعاً وقبلت من دون الخضوع للمكياج.
ما الذي ساعدك في ذلك الشكل.. الكاريزما أم الأداء؟
بداية من حيث الشكل كان هناك شبه كبير بيني وبين شخصية الشهيد خالد الأسعد، وبالطبع فإن المخرج أنزور اطلع على عملي قبل اختياري، وكان أحد الصحفيين قد سأله في المؤتمر الصحفي المرافق للفيلم عن سبب اختياري، فجاء جوابه: «اخترت ممثلاً موهوباً لأن هناك الكثيرين من الموهوبين الذين لم يأخذوا فرصتهم المناسبة».
وأقول له عبر صحيفتكم: «لو كان هناك كلمة تختزل شكر العالم كله سأقولها لك».
أتعتبر نفسك مظلوماً ولم تأخذ فرصتك، ولماذا؟
لست مظلوماً، بل اتجهت إلى الدوبلاج من خلال القدرة الكبيرة التي أملكها في تلوين حنجرتي، كما سحرني مسرح الطفل وقدمت أكثر من مسرحية مثل «سجادة، وحذاء الطنبوري، والسكافي حافي، والبهلول»، وأيضاً قدمت أعمالاً مسرحية مع الأساتذة سمير الشمعة والمرحوم عيسى أيوب. ربما أستطيع القول إن المسرح سرقني من الشاشة الصغيرة ومن بعده «الدوبلاج».
لو أتيحت لك فرصاً مهمة في التلفزيون هل كنت هجرته؟
بالتأكيد لا، وخاصة أن الدراما التلفزيونية بحاجة إلى أسلحة ومن يعمل فيها يعرف طبيعة ذلك، إلا أنني لا أملك أي شيء منها.
ما تلك الأسلحة؟
لا أملك أي دعم مثل العلاقات أو السلطة والمال والرشوة.
يعني أنك لا تقدم أي تنازلات من أجل فرصة تلفزيونية؟
لم ولن أقدم أي تنازلات كي يسطع نجمي، وقدمت أعمالاً كثيرة في التلفزيون مثل «سحبان السرحان» بدور رئيسي مع أمل عرفة وعبد الهادي الصباغ وغيرهما، و«رياح الخماسين» و«غفوة القلوب» و«شوارع الشام العتيقة»، وربما أعاني من مشكلة وهي أنني (قابض حالي وما حدا قابضني)!
هل ذلك يشكل عائقاً أمام أي عمل يمكن أن تقدم عليه؟
بالطبع فأنا انتقائي إلى أبعد الحدود وأرغب دائماً في أي عمل يترك بصمة، وألا لا أكون على الهامش، ومن أجل ذلك رفضت الكثير من الأدوار.
هل كنت بانتظار شخصية كهذه تبرز من خلالها؟
بالتأكيد كنت أنتظر فرصة مهمة أطل من خلالها، ولكنني لا أعول على هذا الدور أن يدخلني بقوة في الدراما، بل ربما يكسر رهبة المخرجين تجاهي، لأن المخرج لا يغامر بممثل لا يعرف عنه شيئاً وليس لديه رصيد.
هل تعتبر أنك قدمت الشخصية بشكلها الأمثل؟
أديت منها 50 بالمئة وهي تقع على عاتقي، والباقي يعود للمخرج أنزور الذي اشتغل على الشخصية، وكان مهتماً جداً بها وتدخّل بشكل مباشر في كل تفصيلة صغيرة أو كبيرة.
برأيك هل أوصلتم الشخصية بصورتها الحقيقية إلى الناس؟
لم نبالغ بأي شيء من حياة خالد الأسعد وكنا دقيقين في إيصالها بصورة قريبة وحقيقية للناس، وعندما كنا في المتحف نصور أحد المشاهد دخلت عائلة الأسعد وأصابتهم نوبة بكاء شديدة عند رؤيتي ما جعل مشاعري تختلط ما بين حزن وفرح ورحت أبكي معهم.
هل تبنيت الشخصية أم كان الأمر مجرد دور تؤديه؟
للحقيقة في أدوار كهذه لا بد من وجود حالة تبنٍ تسكن أعماقنا، وكنت أشعر دائماً أن روح خالد الأسعد ترافقني في كل لحظة تصوير، وخاصة عندما دخلت إلى المتحف وشاهدت صورته مرسومة هناك، وكنت في كل مرة أنظر إليها أشعر أنه يبتسم لي فكان حقيقة موجوداً بروحه يوثق معنا تاريخ مدينة اغتصبها الإرهاب.
كيف صقلت نفسك لتؤدي الشخصية؟
من خلال مشاهدة كل ما يتعلق بالشخصية من أحاديث ولقاءات وفيديوهات على موقع «اليوتيوب» وأتقنت لهجته وطبقة صوته وحركاته.
المشاركة السينمائية.. ماذا تضيف لك وخاصة دور بطولي؟
هذه ثالث تجربة سينمائية أقدمها ولكنها الأبرز، وكانت أولى تجاربي مع الفنان دريد لحام في «الآباء الصغار»، والتجربة الأخرى كانت في «بولس الرسول»، ولكن في «دم النخل» شعرت وكأنني طالب يدرس وأهله وفروا له كل أساليب الراحة بانتظار النجاح. وعند رؤية كل هذا الاهتمام أصررت ألا أخذلهم أبداً، وكانت كل حواسي موجودة في التصوير.
ما شعورك اليوم إذا ناداك الناس باسم خالد؟
هذا شرف كبير لي ودليل على أن الشخصية أثرت وتركت بصمة مهمة عند المتلقي، وبالرغم من أن النظارات أعطتني 80 بالمئة من شخصيته إضافة للشيب والشاربين، إلا أن المخرج أنزور لم يكن يريد صنع نسخة طبق الأصل عنه بل أراده رمزاً فقط. وأعتبر أن الألقاب التي ترافق النجوم مثل «أبو عنتر وغوار الطوشة» وسام على صدر هذا الفنان ومدعاة للفخر.
توقفت عن العمل لسنوات، لماذا؟
مررت بفترة عمرية لم يعد يليق بي دور الشاب ولا أداء دور الأب وذهبت باتجاه العمر المحير، فتوقفت.
من الفنان الذي تعتبره بوصلة أو أيقونة؟
أتمنى الوصول إلى عتبة كل من الفنان محمود ياسين، وصلاح قابيل.
هل أنت نادم لأنك توقفت لسنوات؟
في الحقيقة لا، فهناك الكثير من الفنانين مثل «خالد تاجا، وسليم صبري، وحسن عويتي» اشتهروا في مرحلة عمرية متقدمة.
هل ممكن أن تنصف في هذه المرحلة العمرية مثلهم؟
النجومية تأتي مصادفة، وفي سورية ليس لدينا صناعة نجم بل مهمتنا تكون في «تخريبه».
كيف أمضيت وقتك في هذا الغياب؟
عملت في الدوبلاج لأؤمن مصدراً مادياً، وأيضاً عملت في الإذاعة السورية ومشكورون حيث قدموا لي أدواراً طوال فترة ابتعادي، وقدمت الطبيب الشرعي غسان في حكم العدالة وبرامج إذاعية أخرى، وأيضاً أعمل كمدقق لغوي من خلال دراستي للشريعة الإسلامية.
ماذا تحضر من جديد؟
لديّ عمل جديد مع المؤسسة العامة للإنتاج «مشروع خبز الحياة» بعنوان «بعد عدة سنوات» إخراج عبد الغني بلاط.