يرى مجلس العلاقات الخارجية الأميركي أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان شخصية سياسية لا تعد عدواً ولا تعد صديقاً في الوقت نفسه فهو يدير سياسة تركيا بمعايير متناقضة بل علاقات مع تناقضات، والسؤال الذي يطرحه مثل هذا الوضع هو: هل استطاع أردوغان تحقيق مكاسب بوساطة هذه السياسة؟
لا شك أنه سيجيب بأنه احتل أراضي في سورية ويعد ذلك بنظره مكسباً وبأنه ما زالت لديه أوراق تساعده على التدخل من دون أن يقوم جيشه بأي مجابهات مباشرة، ومن هذه الأوراق مجموعات داعش والنصرة والمسلحين مما يسمى المعارضة السورية.
فعن الوجود العسكري التركي العدواني على الأراضي السورية يعرف أردوغان والولايات المتحدة وحلفاؤها من قادة أكراد سورية أنه أصبح على أولوية جدول عمل سورية جيشاً وشعباً وحلفاء إقليميين وحلفاء دوليين واقترب زمن استحقاق هذه الأولوية وخاصة بعد التخلص المحتم من المجموعات الإرهابية في إدلب، فأردوغان فقد جزءاً من أوراق لعبته بعد تحرير خان شيخون وقرى حماة، وهو الآن يهدد بعمل عسكري تركي في منطقة شرقي الفرات لإنشاء منطقة آمنة لمصلحته رغم أنه تعرض هو وحزبه لضعف متزايد في الجبهة الداخلية التركية بعد خسارة بلدية إسطنبول وإعلان أهم ثلاث شخصيات سياسية في حزبه، رئيس الوزراء السابق أحمد داوود أوغلو ووزير الاقتصاد السابق علي باباجان والرئيس السابق عبد الله غل، عن رغبتهم بتأسيس حزبين جديدين على حساب أنصار حزب أردوغان، وأكدت استطلاعات الرأي في تركيا أن أردوغان انخفضت شعبيته إلى 29 بالمئة وأن حزبه لن يتمكن من المحافظة على 75 بالمئة من مقاعده إذا جرت انتخابات للبرلمان التركي في هذه الظروف.
من ناحية عسكرية بدأ أردوغان يستغل الشبان السوريين اللاجئين في الأراضي التركية ويجبرهم على حمل السلاح لنقلهم إلى المناطق التي يسيطر عليها جيشه واستخدامهم فيها للمحافظة على سيطرته، فالمنطقة التي يعلن عن رغبته في إنشائها كأراض آمنة سينشر فيها المجموعات التي بدأ يجمع عناصرها لإدخالهم إلى ساحة حربه.
ولإنقاذ سلطته المتهاوية يوماً تلو آخر ربما سيتجه أردوغان إلى منع أي انتخابات برلمانية مبكرة تجد الأحزاب التركية الأخرى مصلحة فيها لنزع الأغلبية عن حزبه حزب العدالة والتنمية في هذه الظروف المناسبة لها.
هذه الأحزاب لا تستطيع منافسة أردوغان ولا الحد من قراراته الفردية إلا بانتخابات مبكرة برلمانية، لأن الانتخابات المخصصة لرئاسة الدولة لن تجري قبل عام 2023 وأردوغان يتمتع كرئيس بصلاحيات سيظل يحتفظ بها في السنوات المقبلة وهو يدرك نتائج الانشقاق المحتم داخل حزبه.
ومع تزايد مضاعفات الركود الاقتصادي التركي وتفاقم أزمات البطالة بدأ الكثير من المحللين السياسيين الأتراك ومراكز الأبحاث الأجنبية تحذر من تصاعد الغليان بين أوساط الشعب بعد أن ذكرت الأرقام الاقتصادية أن نسبة كبيرة من الشعب ونسبة النصف من رجال الأعمال هم من أكثر المتضررين بسبب تمسك أردوغان بسياسته الخارجية التي يلعب فيها على حبال متعددة، فقد حذرت قبل أشهر قليلة صحيفة «إيكونوميست» من احتمال وقوع حالة تمرد داخل حزبه وهذا التمرد كان أوغلو وباباجان قد حرضا عليه لاستغلاله لمصلحة كل واحد منهما، وتتوقع القناة الألمانية «دوتشيه فيليه» أن يشهد أردوغان قريباً صداماً داخلياً ضده وربما لهذا السبب يريد الهروب من أزمات الداخل بوساطة تصعيد عسكري تركي يقوم به في منطقة شرقي الفرات، وهذا ما جعل عضو الكونغرس الأميركي السابق ورئيس معهد السلام والازدهار رون بول المعارض لسياسة ترامب يحذر من نتائج هذا التصعيد التركي على الوحدات الأميركية الموجودة في تلك المنطقة إذا ما اصطدم الجيش التركي مع المسلحين الأكراد الذين تدعمهم عسكرياً ومادياً هذه الوحدات. ويتوقع المحللون الأميركيون أن تتخلى واشنطن بالتدريج عن المسلحين الأكراد هناك مقابل المحافظة على العلاقات مع أردوغان عضو حلف الأطلسي والحليف للولايات المتحدة.