قضايا وآراء

أردوغان أشعل الحرب

| سيلفا رزوق

نفذ النظام التركي تهديداته وأطلق طائراته لتستبيح أرضاً سورية جديدة في مناطق شرق الفرات هذه المرة، مستعيناً بلحظة ضياع أميركي، ومراهنة غريبة من الميليشيات المسيطرة في تلك المنطقة على دعم لن تتلقاه من أحد.
العدوان الجديد الذي حلم به الرئيس التركي رجب طيب أردوغان طويلاً، وطالب به منذ اللحظات الأولى للحرب على سورية، يحمل من الخطورة ما يكفي لاستنفار كل ما يلزم ميدانياً وسياسياً لمواجهته، خصوصاً أنه يأتي بعيد الإعلان عن تشكيل «جيش» جديد من أدوات وعملاء سوريين آخرين وصل قوامه لعشرات الألوف، كما يترافق مع خطوات تتريكية متسارعة ومقصودة لتثبيت خيارات مستقبلية، يتم فرضها كأمر واقع يصعب تغييره في مراحل لاحقة.
مشهد تحليق الطائرات المعادية التركية وقصفها لقرى وبلدات سورية وتدميرها للبنى التحتية، آلم السوريين جميعاً بالأمس، لكنه شكل بذات الوقت نقطة جدال علنية فيما بينهم، تصب جميعها في تحميل مسؤولية ما يجري لميليشيات «قسد» المسيطرة على المنطقة، الأمر الذي شاطرهم به الموقف الرسمي السوري الذي كان استبق العدوان بتصريح جدد فيه التأكيد على حرمة وسيادة وسلامة الأراضي السورية والتصميم على التصدي للعدوان التركي بجميع الوسائل المشروعة، وتحذير نظام أردوغان من أنه يضع نفسه بمصاف المجموعات الإرهابية والعصابات المسلحة، ويفقده بشكل قاطع موقع الضامن في عملية أستانا ويوجه ضربة قاصمة للعملية السياسية برمتها، رامياً الكرة على ما يبدو في ملعب الضامنين الروسي والإيراني.
إصرار ميليشيا «قسد» على أوهام ورهانات غير مفهومة، وإغلاق جميع الأبواب في وجه المحذرين من خيانة أميركية واقعة لا محالة، وتفضيلهم المضي قدماً في طريق تطبيق حلم الانفصال المزين بوعود أميركية أوروبية، يضعهم اليوم في مواجهة أبناء المنطقة الذين قامروا بهم، ودفعوهم نحو مصير قاتم جديد، سيحولهم إلى «نازحين» وعلى طريقة «عفرين» التي فضلوا خسارتها يوماً على العودة إلى حكومة بلادهم والرهان عليها.
توصيف الحالة والأسباب التي وضعت السوريين في مواجهة عدوان جديد، لا يعني بأي شكل من الأشكال، القبول بمشاهد التدمير التي يقوم بها العدوان التركي وأدواته من «العملاء»، والانتظار نحو تطبيق «الحلم العثماني» كما يشتهي أردوغان، بل إنه سيدفع بالضرورة بجميع الأطراف وعلى وجه الخصوص «المقامرة» منها، للبحث في الخيار الوحيد المتبقي والاتجاه صوب دمشق.
المقدمات المتوافرة حتى ليل أمس والتي أشارت إلى دخول روسي إيراني على خط الوساطة بين الميليشيات «الكردية» ودمشق، والبيان الرسمي للخارجية السورية حول الاستعداد لاحتضان «أبنائها الضالين إذا عادوا إلى جادة العقل والصواب بما يضمن الحفاظ على سلامة ووحدة سورية أرضاً وشعباً»، كلها تشكل أرضية صلبة للبدء في ترتيب المشهد استعداداً لمواجهة مرحلة جديدة من عمر الحرب على سورية، لا تقل خطورة وربما تكون الأخطر حتى الآن، مع الوصول إلى مرحلة الصدام المباشر مع النظام المسؤول عما جرى في سورية من قتل وتدمير.
إعلان قيادات وميليشيات «قسد» عن العودة إلى حكومة بلادهم، كملاذ آمن لمواجهة العدوان القائم، سيشكل الخطوة الأولى على الطريق الصحيح لضمان «المصلحة الوطنية» العليا، ومقارنة مشهد اليوم بعشية ما جرى في عفرين لا يبدو صحيحاً بالضرورة، ولاسيما أن الظروف السياسية والعسكرية ومعها الإقليمية تبدو مغايرة، والنتائج المترتبة على أي حساب خاطئ تجاه نيات أنقرة ستحمل نتائج كارثية يصعب تفكيكها في مراحل قادمة.
رهانات الجميع اليوم ينبغي بها العودة مجدداً نحو الدولة والجيش السوري، الذي أثبت بالقول والفعل وعلى مدى سنوات الحرب كلها أنه الأقدر على جعل الأرض السورية مقبرة لكل الغزاة أياً كان الوجه الذي يرتديه.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن