ثقافة وفن

«الممالك الصحراوية إلى القوى العالمية… صعود الخليج العربي» … خبايا التداخلات النفطية وطريقة إدارة الثروة في الخليج

| جُمان بركات

يسلط كتاب «الممالك الصحراوية إلى القوى العالمية… صعود الخليج العربي» -الصادر عن دار الرضا للنشر- الضوء على الأحداث المفصلية ومواقف الدول الكبرى وسياستها في المنطقة، ويعرض تفاصيل في غاية الأهمية عن دور الولايات المتحدة والدول المحورية الأخرى في المنطقة وتفاصيل نمط التفكير الخليجي الذي يتميز بالقبلية والحسد والخوف كما الإحساس بالتفوق إلى حد ما، إلا أن الكاتب روري ميلر لا يخفي إعجابه بالتجربة الخليجية التي حولت هذه الممالك الصغيرة إلى قوى كبرى.

دول صغيرة
يرصد «الممالك الصحراوية إلى القوى العالمية… صعود الخليج العربي» -ترجمه عبد الله أحمد- توافقاً نظرياً قبل 50 عاماً وأهمية الدول الكبيرة من حيث المساحة والسكان والقوة العسكرية، وتجاهل دور الدول الصغيرة ويذكر أنه عندما تشكلت «عمان وقطر والبحرين والإمارات والكويت» في السبعينيات كانت أصغر من أصغر دول العالم، ولم يكن يتجاوز عدد سكان بعضها المليون نسمة، وكانت متقاربة جداً لدرجة أن الدخول إلى الأمم المتحدة أثار جدلاً كبيراً حول هذا الواقع الجديد، فيما إذا كانت المنظمة الدولية ستكسب مصداقية أكبر إذا رفضت دخول هذه الكيانات الصغيرة، فإن هذه «الدول الصغرى» أثارت مشكلة من المحتمل أن تصبح أكثر حدة في السنوات القادمة حسب ما قاله الأمين العام للأمم المتحدة يو ثانت آنذاك، اليوم لم تعد هذه المخاوف ذات صلة حيث إن معظم دول العالم دول صغيرة وأصبح لها نفوذ كبير بسبب الثروة الهائلة التي تمتلكها.

إشكاليات
يشير الكاتب في الفصل الأول إلى أن انسحاب بريطانيا من المنطقة قد أجبر دول الخليج الهشة على بذل الجهود من أجل الحفاظ على استقرار المنطقة وإلى التحرك خارجياً من أجل اكتساب بعض النفوذ، ويشير إلى التحول الكبير الذي حدث بعد أزمة النفط عام 1973-1974 وأدى إلى مضاعفة ثروات هذه الدول وتنامي دورها السياسي في المنطقة، كما يحاول الكاتب الغوص في مجموعة من الأسئلة الإشكالية حول مستقبل ومصير هذه الدول: هل ستحدد الثروات الجديدة أو الضعف السياسي والعسكري التقليدي- مستقبل قوة ونفوذ دول الخليج العربي؟ هل سيكون بمقدورها توسيع سلطتها؟ هل بإمكانها أن تكون سلطة ونفوذاً كبيراً؟ وهل من الممكن أن تحدث بطريقة ما تطورات جيوسياسية غير مسبوقة في كل المنطقة، للتآمر عليها ولمنعها من تكريس الاستقرار الداخلي وممارسة النفوذ خارج الحدود في السنوات المقبلة؟ هل بإمكان الأنظمة الاستبدادية أن تحافظ على الاستقرار في الداخل والتأثير في الخارج في ظل مطالب الإصلاح الاجتماعي والديمقراطي؟

التغييرات
يأخذ ميلر مجموعة من العوامل التي تشكل تحدياً لهذه الدول مثل الإسلاموية والإرهاب والربيع العربي وأسعار النفط المتقلبة وديناميات القوى العالمية وغيرها لتقييم الإمكانات المستقبلية، ويشير إلى أن أزمة النفط ساهمت في ازدياد دور السعودية ودول الخليج عالمياً وفي القضايا العربية مع بروز دور السعودية والكويت عام 1976 حيث تم عقد الاجتماع العربي لمناقشة الحرب الأهلية في لبنان، إضافة إلى جهود السعودية للوساطة بين المغرب وثوار الصحراء الغربية بعد انسحاب إسبانيا منها عام 1975.
يرى الكاتب أن التغيرات الكبيرة التي حدثت مؤخراً من أزمة النفط خلال حرب تشرين عام 1973 وصولاً إلى الثورة الإسلامية في إيران والتدخل السوفييتي في أفغانستان قد زادت من دور دول الخليج في المنطقة، ويرى أن تلك الأحداث قد تشير إلى مستقبل يحمل في طياته أخطاراً متعددة لدول الخليج، رغم استمرار تدفقات النفط والتحويلات المالية التي جعلت من السعودية ودول الخليج بالعموم لاعبين أساسيين في النظام النقدي العالمي.

الصراع وعدم الثقة
كما يعتقد الكاتب أنه وفي ظل الصراع الأيديولوجي وصراع النفوذ للقوى الإقليمية والدولية في المنطقة، لم تكن دول الخليج ترغب في انتصار أي من الطرفين خلال الحرب العراقية الإيرانية، ويرى أن دعم دول الخليج للعراق من خلال تقديم الدعم اللوجستي والإمداد وإغراق سوق النفط من أجل خفض سعره لتقليص عائدات النفط الإيرانية، ويشير إلى علاقة هذه الدول مع الكتلة الشرقية والاتحاد السوفييتي وإلى دور الولايات المتحدة الأميركية في ذلك خلال الحرب الباردة، ويرى الكاتب أنه في عام 1986 كان قد أصبح واضحاً أن الخلافات وعدم القدرة على تأمين قوة الأمن المشترك قد جعل الولايات المتحدة الخيار الوحيد لحماية الدول الخليجية سواء رغبت في ذلك أم لا.
كما يبحث الكاتب في نقاط جوهرية في العلاقة البينية الخليجية التي يحكمها الشك وعدم الثقة بالسعودية، وكذلك الخوف من أن تهيمن السعودية على الممالك الصغيرة في الخليج، كما يشير إلى الخلافات الكبيرة بين قطر والإمارات، وقطر والبحرين، وقطر والسعودية ويغوص ويحلل في العلاقات المضطربة في ظل عدم اليقين والشك بين سلطنة عمان والسعودية.

«الربيع العربي»
ويشير الكاتب إلى دور دول الخليج في الغزو الأميركي للعراق حيث قامت هذه الدول بالتحريض على الغزو ودفعت كل التكاليف المتعلقة به، ويرى أن الدول الخليجية بذلت جهوداً كبيرة لمواجهة إعصار الربيع العربي إذا أقدمت الكويت والسعودية على البدء ببرامج لزيادة نفقات الحكومة المخصصة لشراء ولاء المواطنين بالتوازي مع الإصلاحات السياسية والإجراءات القانونية والأمنية القاسية، ويشير إلى أن الدول الخليجية قد تورطت في تلك الأحداث وبالأخص في ليبيا وسورية فقد دعمت هذه الدول مجموعات متطرفة بالمال والسلاح ودفعت الأمور باتجاه عدم الاستقرار، كما يشير إلى أن الإعلام القطري وبالأخص قناة الجزيرة قد لعب دوراً كبيراً في معظم الدول العربية فحرّض الشعوب وآثار خلافات بين الدول الخليجية بعد اتهامات السعودية لقطر بتهديد الاستقرار في السعودية.

11 أيلول
كما يتطرق الكاتب إلى الخلاف والتوتر بين دول الخليج مع بداية الأحداث 2011 أي ما يسمى الربيع العربي، ويرى المؤلف أن الدول الخليجية قد استفادت أكثر من أي بلد في العالم من ثروة النفط والغاز ومن دون هذه الطاقة لم يكن ممكناً أن تكون قطر أغنى دول العالم بمعايير مستوى دخل الفرد. ويعتبر الكاتب أن هجمات 11 أيلول وغزو واحتلال العراق كانت من العوامل المهمة التي أدت إلى ارتفاع أسعار النفط واكتساب دول الخليج أرباحاً غير مسبوقة، ويشير ميلر إلى الدور المتزايد لهذه الدول كمركز رئيسي في التجارة والمال والسفر بين الشرق والغرب والذي قد أعطاها فرصة كبيرة لترويج مصالحها الأولى منذ الطفرة النفطية في السبعينيات، ويرى أن انخفاض أسعار النفط كان حافزاً من أجل التحول باتجاه التنوع الاقتصادي إلا أنه ما يزال متعلقاً بقرار الحكام وبالتزامهم بالتحرك خلف النظام الاقتصادي.
ويخلص الكاتب إلى أن دول الخليج لم تكن قادرة على إدارة نجاحاتها في البحرين عام 2011 أو في التعاون الحالي في اليمن لتطوير إستراتيجية ممكنة ومشتركة للدفاع والأمن، ولم تكن قادرة على مواجهة تفسّخ العراق وظهور تنظيم داعش والتحديات الإيرانية، ومن ثم سيكون مستغرباً إن استطاعت الاعتماد على الذات أو حتى إن كان بمقدورها الاعتماد على بعضها البعض في المقام الأول أو استضافة لاعبين غير خليجيين كنتيجة للبحث المستمر عن الاستقرار المحلي والتأثير الخارجي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن