«سر الكنز» تسلّط الضوء على المشكلات الملحّة … مازن لطفي لـ«الوطـن»: من واجبنا في هذه المرحلة بناء طفل واعٍ لما حصل أو ما قد يحصل
| سوسن صيداوي
لأن شأن الطفل هو مشروع وطني، ويجب على كل الجهات أن تتضافر بجهودها، من أجل إعادة تدوير الأفكار والمفاهيم والمعتقدات المكبّلة لأجيال قادمة. ولأنّ إقناع طفلنا وجذب تركيزه ليسا بالهيّن، كانت التربية والتعليم وما زالت تعتمد في إحدى وسائلها على مسرح الأطفال، وفي العرض الحالي في مسرح القباني بدمشق، تُعرض مسرحية (سر الكنز) لمخرجها مازن لطفي، وبالتأليف مشاركة مع سلوى محمود هلو. ومن تمثيل:علا سعيد، هزار سليمان، نجاح المختار، خوشناف ظاظا، نهاد إبراهيم، إيمان عمر. وبظهور للفنان علي قاسم، إلى جانبهم على خشبة المسرح كل من الأطفال: عابد زينو، طيبة الرحبي، شام البرغش، سيدرا أيوبي. والذين تمكنوا عبر تبدّل السينوغرافيا من تغيّر الديكور البسيط، والإضاءة، وبالرقص والغناء مع الأغاني، إضافة لدمج ما بين عدة أنماط مسرحية، من إقناع الأطفال وخلق حالة من التفاعل والمشاركة في الحوار مع الحاضرين منهم. وللمزيد نورد لكم.
سر الكنز
في قصة العرض تدور الأحداث حول البحث عن الكنز، في جوّ يسوده المرح والغناء وفي خلطة ما بين عالم الإنسان والحيوان، مع تقديم مجموعة من الشخصيات المتنوعة، بثّ المخرج توجيهات وإرشادات للأطفال منها:حب الأرض والتمسك بها، إدراك أهمية الوقت وتنظيمه بين اللعب والدراسة، التشجيع على حب العمل وضرورته في الحياة، دعوة إلى الصداقة والتعاون بين الأصدقاء.
ونعود إلى القصة، حيث يجد الأطفال خريطة ويقومون بتتبعها بحثاً عن الكنز بين البساتين، يعترض طريقهم الثعلب المحتال، ولكنهم يتعاونون لإبعاده، وأخيراً وبعد عمل مضنٍ يجد الأطفال الكنز، والذي يكون في النهاية هو الماء، الذي لا غنى لنا عنه في الحياة.
رغم أن الحبكة غير مقفولة الشكل التام، إلا أن الأجواء المسرحيّة المتنوعة، حمّست الأطفال الحاضرين في الصالة، وشجعتهم للمشاركة في لوحات للمسرح التفاعلي قدّمها المخرج مازن لطفي، ليكونوا جزءاً من الحوار.
كلمة المخرج
في سؤالنا عن ضرورة إنعاش مسرح الطفل بشكل دائم عبر متابعة العروض مهما بلغت التحديات، أجابنا المخرج مازن لطفي قائلاً: من واجبنا في هذه المرحلة بناء جيل جديد، طفل واعٍ، لما حصل أو ما قد يحصل، مع الإشراف على تربيته بطريقة مباشرة، وتوجيه الأهل وإرشادهم، لأن سنوات الأزمة التي مرّت كانت صعبة على الجميع وعلى الخصوص أطفالنا ذوي البنية الغضّة، والذين تعرض قسم منهم للتهجير والتخلي عن بيئتهم الآمنة وبيوتهم التي دُمرت.
وعن موضوع المسرحية والتطرّق إلى موضوع المياه بالذات، جاء ردّ المؤلف، بأنه من الضروري لفت النظر إلى هذا الموضوع، باعتبار الماء هو الحياة، وتعرّضنا نحن السوريين لمشاكل في الموارد، وشعرت بأنه حان الوقت أن نسلّط الضوء على المشاكل الملحّة، وبالعودة إلى نص المسرحية، قام المخرج بتطوير قصته القصيرة، محولاً إياها إلى نص مسرحي بالتعاون-كما أسلفنا-مع سلوى محمود هلو.
و بالنسبة للتعامل مع الأطفال أضاف لطفي: وقوف الممثلين الأطفال على المسرح كان جميلاً، ومنهم من له تجارب سابقة، أو شارك في ورشات مسرحية، وما أسعدني أيضاً أنهم أدّوا الأدوار باللغة العربية الفصحى، وما لفتني اجتهاد الأطفال وشغفهم بالمسرح رغم صغر عمرهم، والأمر بدء بوقوفهم مع ممثلين محترمين، وهنا أحب أن أشكر الأستاذ خوشناف ظاظا الذي درّبهم من خلال ورشة للصعود على مسرح الأطفال.
مهارة المسرحي
شارك الممثل علي قاسم بدورين، الأول الرجل العجوز، والدور الثاني والد الطفل عمار، وعن مسرح (سر الكنز) حدثنا: لاشك بأن مسؤولية الطفل هي مسؤولية كبيرة، سواء في البيت أم بأي مكان آخر، وحتى هنا في المسرح، ونحن من خلال هذا العمل نقدم نصاً إرشادياً توجيهياً، لنجعل طفلنا يشعر بانتمائه بالمسؤولية تجاه المبادئ والقيم المطروحة، لهذا اعتمدنا بداية على التبسيط في تأدية الأدوار، إضافة إلى السعي بكل جهد مبذول للتأثير بالأطفال القادمين لحضور العرض مع أهلهم، حيث تمكنّا من تحقيق التأثير المطلوب وكسبنا تفاعلهم الواضح معنا.
مضيفاً الممثل قاسم حول هذه التجربة وما تضيفه من معنويات وقيم إيجابية على الممثلين بداية ومن ثم على الجمهور: لازلنا نتعلم من المسرح، ومنه نتعلم العلاقات الطيبة بين الكادر كاملاً، وهذه العلاقات تنعكس بشكل تلقائي على الطفل أيضاً، عبر العرض الذي خلاله نقدم العادات الجيدة، وسيطبّق ما يتقدّم له من مُثُل وقيم راقية على حياته سواء في المنزل أم المدرسة، وخصوصاً أننا واضحون فيما نقدّمه لطفلنا بين السلبي والإيجابي، ونتمنى أن نكون وُفقنا في رسالتنا السامية في بناء الطفل والذي هو لبنة المجتمع.
ظرافة الممثل مطلوبة
عن أن نص (سر الكنز) هو باللغة الفصحى وهل سيتقبلها جمهور المسرح، أجاب مساعد المخرج والممثل خوشناف ظاظا: أولاً لنتحدث عن القيم الدرامية يجب أن يكون هناك متعة، فالطفل يُفسد أي عرض لا يحقق له المتعة، ومن الجهة الثانية نحن نتوجه تربوياً وتعليمياً كي نوصل معلومات، أفكاراً، أو أن ننعش خياله عبر المسرح، فغدا مهماً عبر الوسائل الإيضاحية لإيصال أفكار ومعلومات للطفل، ومن النقاط والوسائل التي نطرق بها عقول الأطفال وتجذبهم هي اللغة العربية الفصحى، وبرأيي علينا بناء طفلنا منذ الصغر لغوياً فهذا سيفيده مستقبلاً.
وسؤالنا له كممثل عن صعوبة الوقوف على خشبة مسرح الأطفال أجاب: منطقياً وعلمياً الوقوف على هذه الخشبة أكثر صعوبة وتعقيداً من مسرح الكبار، فالطفل كائن بريء وبسيط وعفوي، والممثل إذا لم يتمكن من جذب الطفل طوال مدة العرض، فهنا يكون قد فشل، وبالتالي سنلاحظ دخول الطفل في دائرة الضوجان، والبدء بالحديث مع من بجانبه، أو ململته من المشاهدة، أو حتى الخروج من صالة المسرح، فببساطة هو لا يتمتع بوعي القيم الإدراكية لمسرح الكبار، وهذه من أصعب النقاط، وأخيراً لنتدارك ما أسلفت يجب على الممثل أن يكون لديه القدرة على التركيز وأن يمتلك روح الفكاهة والظرافة لا أن يصطنعها.
مشاركة طفولية
من الأطفال المشاركين في (سر الكنز) الطفل عابد زينو، الذي حدّثنا عن دوره بالعرض كأحد أبناء القرية المجتهدين، والذي يجتمع مع صديقتيه (طيبة الرحبي، شام البرغش) كي يبحثوا عن الكنز، وعن تجربته هذه أخبرنا بأنها ليست الأولى، معتبراً أن المسرح مكان جميل، وساعدته التدريبات المتواصلة كثيراً على الاهتمام بمخارج حروفه، كما أكسبته العروض التي شارك بها الجرأة والانطلاق في المجتمع، كونه لم يعد يخشى الظهور أو مقابلة الجمهور، لأنه طفل ويحب الأطفال ورغِب بأن يقدّم عرضاً ممتعاً ومفيداً لهم.