من دفتر الوطن

عشاق الوطن… تقريباً!

| عصام داري

سأبدأ اليوم من حيث انتهى الفنان الكبير دريد لحام ومحمد الماغوط في مسرحية «كاسك يا وطن» عندما قال «غوار» إنه يريد أن يسلسل الأمور، ثم توصل إلى نتيجة مفادها أن هناك من يحاول (أن يكرّهني عيشتي لأرحل عن وطني) طبعاً البقية يعرفها الجميع.
الأمور فعلاً لا تحتاج إلى كيميا كي نسلسلها وفق جدول رياضي ولا إلى لوغاريتمات، لأن من رسم «الرسمة» حبكها بشكل محكم كي لا يصيبها العطب أو التلف ولا يمكن لأحد أن يخترقها أو يحرقها أو حتى يغيرها.
منذ أكثر من نصف قرن يطالبون المواطن بالصبر، و.. (يا عيني عـ الصبر يا عيني عليه) وها نحن نمارس الصبر ونتخذه طريقاً باتجاه واحد، لا خطوة إلى الوراء، بل كل خطواتنا نحو مزيد من الصبر.
ما جعلنا نصمد طوال قرن ويزيد أننا آمنا بالوطن وأنشدنا «موطني.. موطني» وكتبنا اسم بلادنا (عـ الشمس اللي ما بتغيب) وغابت ألف شمس وشمس، ومازلنا نعشق هذا الوطن، وانتبهنا: هذا الوطن لا يعطينا رغيف الخبز في حين يعطي غيرنا من «عشاق الوطن!» الكافيار والكمثرى والسلمون.
الوطن لا يدفع عنا فاتورة الماء والكهرباء والهاتف، في الوقت الذي نشاهد أطفال «عشاق الوطن» يركبون الأودي والهامر أميركية الصنع، ويرضعون عسل السيدرا الممزوج بالغذاء الملكي كي يشبوا على ما شاب آباؤهم ويكونوا «فاعلين!» في المجتمع وينتجوا أطفالاً بجينات نخب أول يفكر في كيفية صنع المعجزات من أجل الوطن!
والوطن لا يدفع ثمن الدواء الذي صار من الكماليات، إلى درجة بات الفقير يفضل الموت بشرف وكرامة على أن تعيش أسرته بتوفير ثمن الدواء لشراء رغيف خبز وبضعة أقراص فلافل، طعمية يا فندم!
كلنا نحب الوطن، لكن على وطننا أن يحبنا أيضاً، لا نطلب من وطننا أن يدفع عنا كل الفواتير، فالمواطن مستعد أن يدفع من المهد إلى اللحد، لكننا نرجوك يا وطننا الغالي أن تحلب البقرات السمان وتوزع قطرات الحليب على مواطنيك بالتساوي.
لا نطلب معاقبة اللصوص الصغار وتترك الحيتان الكبيرة تبلع أطنان أسماك السردين والعوالق البحرية والحبار والديدان البحرية، وكلنا يا سيدي الوطن أسماك سردين وعوالق بحرية!
امنحنا يا وطننا الغالي لذة استرجاع خمسة بالمئة فقط من الأموال المنهوبة والمسروقة والموضوعة في مصارف سويسرا وجزر كايمان التي لا يطولها قانون ولا بوليس دولي ولا أي قوة في العالم، فأن نعيش فرحة استرداد هذه الخمسة بالمئة سيشعرنا نحن الفقراء إلى اللـه الأغنياء عن سواه متعة ملياردير تزيد ثروته مع كل ثانية تمضي من عمره الكئيب!
تأكد يا وطني الرائع يا وطنين أنني لن أطالب ولا بدولار واحد من المال المنهوب لأنني أدرك- كما يدرك خبراء المال والأعمال- أن عودة هذا الجزء الزهيد من المال العام إلى بيت مال الدولة سيعاقب الدولار والجنيه واليورو على فعلتها وستعود ليرتنا لتغني ميجنا وعتابا، وستتحسن معيشة المواطن المسحوق في الغالب.
شكرا يا وطني وسنبقى عشاقك، وهناك من يعشقك تقريباً فقط كي يجعلك كالبقرة الحلوب، ودمتم لنا!!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن