ثقافة وفن

أنا لست ضد الطوائف ولكنني ضد الطائفية … زاهي وهبة لـ«الوطـن»: بماذا ستفيدني حرية الانتخاب عبر صندوق الاقتراع إن تحكّم المُنتخَب بطريقة عيشنا؟

| سوسن صيداوي

إنّ رضا الأهل من أحد أسباب النجاح والعيش بسلام، في معارك إثبات الذات وتحقيقها، خلال مسيرات تتالت ولا يمكن لها إلا أن تحاط بجماهيرية الشارع العربي وباهتمام المثقف بشكل عام مع الجوائز والتقديرات. إنها للشاعر إبداعا وللإعلامي مهنة، زاهي وهبة الذي حلّ ضيفا على الصالون الثقافي في جمعية تاء مبسوطة، في لقاء طال لأكثر من ساعتين ودار فيه الحديث عن الكثير من القضايا الأدبية والفكرية والإعلامية، متواضع وتلقائي ومرحّب بكل ما وُجّه له من أسئلة ثقافية وفنية بعيدة عن الواقع السياسي.

عين الوطـن
بداية رحبّت رئيس مجلس إدارة تاء مبسوطة ديانا جبور بالإعلامي والشاعر وهبة وقالت فيه: «اختصاراً نقول كنوع من تحريض الذاكرة لا أكثر، إن زاهي وهبة الإعلامي استطاع على مدى عقود أن ينقل الثقافي من خانة النخبوية إلى الانتشار والجماهيرية، وأن ينتقل بالجدّي من خانة الجهامة إلى الإمتاع. زاهي وهبة مناضل انتصر لقضايا المواطن والإنسان مهما كانت فخامة القاتل مرعبة، ما أودى به إلى المحاكم وقبلها المعتقلات. وكذا الحال في شعره، كان مقاوما لتيارات جازفة، فأعلى من نبرة الأنسنة حتى تلك التي تخصّ الأشياء رغم السائد. له عشرات الدواوين التي تنضح حبا بعذوبة موسيقي. حاور مئات الشخصيات واختير من بين أكثر الشخصيات العربية المؤثرة، لكلّ ما سبق ليس غريباً أن تستضيف جمعية نسوية زاهي وهبي وهو الذي أنصف المرأة.. أمّاً وحبيبة».
ثم انتقل الحديث لـ (وهبي) الذي أعرب عن سعادته بالمجيء إلى دمشق قائلاً: «دمشق التي أتمنى أن تبقى حاضرة ثقافية وإبداعية، وأن ترشد الإبداع العربي كما عوّدتنا دائماً ومهما بلغت الظروف، برفدنا بأصوات إبداعية في المجالات كافة، تاركة بصمة في ذاكرة أجيال عبر الزمن، وعلى الخصوص في زمن المآسي والأوجاع، والتي من رحمها تولد الإبداعات كافة.
ومن المؤكد أن الإبداع السوري اليوم في مفترق وهو محمّل بما عاشه الإنسان في سني الأزمة، ونتمنى أن تولّيَ إلى غير رجعة وأن يحظى الإنسان السوري بحقه بحياة كريمة، كما أنني سعيد لحضوري بالصالون الثقافي لجمعية نسائية، جمعية تاء مبسوطة (ممازحاً.. نحن لا نقول (لا) للتاء المربوطة، فكيف إذا كانت مبسوطة)، وكيف ونحن مجتمعون بالذات في هذا الصرح الثقافي، في قاعة كنيسة الصليب الدمشقية، وما احتضنته هذه الدار من فعاليات ثقافية بشكل دائم. سأبدأ بقراءة مجموعة قصائد وبما أنني في حضرة (تاء مبسوطة) اخترت قصائد عن الحب والأمومة، وقصيدة عن دمشق، وأخرى وطنية لفلسطين».
بعدها بدأت رئيسة مجلس الإدارة ديانا جبور الحوار بسؤالها الذي سنبدأ به، ومن بعده بأسئلة «الوطـن» وبعض مما طُرح.

«أحبك أكثر حين تكبرين».. أنت تغدق بالحديث عن تجاعيد المرأة. السؤال: بأي حواس تراها؟
«وهبي يرد ضاحكاً» أنا أرى المرأة بأكثر من سبع حواس، سواء الحواس المتفق عليها أو حواس الشعراء، وفي الحقيقة شهدت من خلال تجربتي، من والدتي التي عشت بكنفها كطفل وحيد من جهة الأم، شاهدت كم تواجه الأم عندما تكون وحيدة في تربية أبنائها من مصاعب وظروف قاسية، وكم تواجه نكران الذات، كما أنني عايشت تجارب صديقات وقريبات، الأمر الذي شكل لدّي الانحياز الفطري مع الحنين الذي أخذته من والدتي. فالمرأة لم تعد بالنسبة لي فقط كأنثى وهذا الجانب لا أكتفي به، فكتبت للمرأة التي تقدمت بالسن وللمرأة المصابة بسرطان الثدي، وكتبت للمرأة الحامل. وبالمناسبة غادة السمان تقول: (زاهي أول شاعر تغزّل ببطن المرأة الحامل) وصحيح هذا لأنني كتبت قصيدة لزوجتي رابعة عندما كانت حاملاً، كما كتبت لابنتي، والقصائد لصديقاتي. إذا نظرتي للأنثى هي نظرة للأنثى الإنسان بحالاتها المختلفة وباختلافها مع الزمن.

سؤال كنتَ وجّهتَه مرة لأحد القامات الأدبية وأعُجبت لبساطة الطرح: إلى أي مدى ما زالت الورقة رفيقة القلم في كلماتك.. وهل تتصور العالم القادم يجري في الحياة من دون تداول صحف أو كتب ورقية؟
هذا سؤال جميل وأنا أحب أن أتكلم بهذا المكان. تعودّت في الكتابة أن أكتب على الحاسب اللوحي «التابلت» أو على الكمبيوتر، فهكذا يكون الأمر أفضل من حيث التحرير والكتابة مع التصحيح والمراجعة، أجدها مريحة وسريعة.
أما بالنسبة للقراءة، فبصراحة لم أستطع الاستغناء عن الكتاب الورقي، ولكن يمكن أن أتصفح الانترنت لقراءة خبر ما، أو عندما أرغب بقراءة مقال معين نُشر ولم أتمكن من تحصيل النسخة الورقية للصحيفة. ولكن حين قراءتي للرواية أو لديوان الشعر، فأنا أفضل وأرغب جداً بالنسخة الورقية. أما بالنسبة للشق الثاني من السؤال.. فأنا أرى أن الصحيفة الورقية يمكن أن تنتهي، على حين الكتاب الورقي لا يمكن أن ينتهي-هل نظرتي شاعرية أو رومانسية لا أدري؟ -ولكن ما أعرفه وما أنا مدرك له، أنّ الكتاب الورقي لا يُقرأ فقط بالنظر، بل يُقرأ بالحواس الخمس، بمعنى أننا نسمع صوت صفحات الكتاب المقلوبة. نراها. نتحسّسها. نشمّ رائحتها. هذا والكتاب الجديد رائحته مختلفة عن الكتاب القديم، والكتاب المتروك في الشمس شكله ورائحته مختلفة عن غيره، حتى في التذوق -ليس بالمعنى المجازي- بمعنى عندما تلتصق الصفحات، نبلّل أصابعنا بلعابنا كي نقلّبها. إذا هذه العلاقة لا يعوّضها أي شيء آخر. وأضيف هنا إننا لسنا دولاً متقدمة الكترونياً وخدمة الانترنت أو خدمة الكهرباء لتأمين الشحن لأجهزة الكمبيوتر والموبايلات ليست متوافرة بكل المساحات والأماكن التي نرتادها، بعكس الكتاب الورقي الذي لا يحتاج لأي خدمات كي يكون بين أيدينا ويمكننا حمله ووضعه أينما أردنا، سواء تحت وسادتنا أو السرير. إذا لكلّ تلك الأسباب أنا مؤمن بأن الكتاب الورقي سيبقى، والدليل أنه حتى في الدول المتطورة تكنولوجياً، لم ينته الكتاب الورقي فيها، بل على العكس ما زالت الكتب رائجة ومعارض الكتب-بما فيها الدول العربية -تلقى إقبالاً هائلاً. وأخيراً مسألة الكتاب مختلفة عن مسألة الصحيفة الورقية المستهلكة.

طوائفنا النبيلة جعلت من وطننا.. وطناً ضيقاً على أنفسنا ووطناً رحبا للغزاة.. ما تعقيبك؟
هناك قول تقليدي نسمعه كثيراً بلبنان وهو (إنّ الطوائف نعمة ولكن الطائفية نقمة)، فنحن لسنا ضد الطوائف، على العكس جمال بلادنا العربية بهذه الفسيفساء الدينية والطائفية والإثنية أحياناً، ولكن للأسف الطائفية هي مدمّرة للطائفة نفسها قبل أن تدمّر الآخر، والمجتمع نفسه إن كان طائفيا فسوف يدمّر نفسه والآخر، إذا أنا لست ضد الطوائف ولكنني ضد الطائفية، بمعنى أنا مع الدول الغنية بالطوائف ولكن على أن تكون دولة علمانية، فالأخيرة ليست إلحاداً وهي فصل الدين عن الدولة، وخلالها سنكون نحن أحراراً في تعبّد أدياننا وممارسة طقوسها، أما في علاقتنا اليومية ومع السلطات والآخر، هذه يجب أن تحكمها القوانين وليس كيف يصلي المرء أو لأي دين ينتمي، وأضيف: إنني أؤمن بأن الحرية الاجتماعية في بلادنا تسبق الحرية السياسية، فبماذا ستفيدني حرية الانتخاب عبر صندوق الاقتراع، وبالمقابل سيتحكّم المُنتخَب بطريقة أكلنا وشربنا وبطريقة عيشنا بالعموم، هذا أمر مرفوض، وبالتالي الطوائف على رأسنا من فوق ولكن الطائفية (يلعن أبوها) خرّبت بلادنا ودمرتها.

سنذهب إلى مكان آخر إلى الميديا.. ماذا عن أهمية الحضور السوري ببرنامج بيت القصيد، وما المعايير لانتقاء الضيوف، وما رأيك بالحضور السوري بالدراما اللبنانية والعربية؟
أنا حريص جداً بأن يكون برنامج «بيت القصيد» برنامجاً عربياً، وبالنسبة للإنتاج الثقافي والإبداعي السوري بجميع مجالاته، سواء أكان بالرواية والشعر والدراما أم بالمسرح والسينما إلى حدّ ما، هو جزء من جوهر الإنتاج الإبداعي العربي، والكل يعرف كيف كان حال الدراما السورية قبل الأزمة، عندها تحولت لصناعة شاملة بكل ما يخص كوادرها الفنية. إذا لا يمكن للمرء أن يتكلم عن الثقافة العربية وأن يتجاهل المثقف السوري أو المبدع السوري، فإن حصل هذا يكن هناك أمر خاطئ. وبالمقابل أتابع هنا أنه لا يمكننا أن نتجاهل المثقف المصري مثلاً، لأننا لا نتكلم عن بلد عربي هامشي -مع احترامي ورغم أنني ضد تهميش أي مجتمع عربي- ولكن عبر العقود والكل يعرف أن هناك دولاً ومدناً عربية كانت هي الأكثر إنتاجاً واستقطاباً للمبدعين وللعمل الإبداعي، وسورية بمبدعها السوري هي جزء محوري وهذا الكلام يمكن أن نسحبه حتى أيام برنامج (خليك بالبيت)، وحتى بعد استشهاد الرئيس رفيق الحريري وبعد الانسحاب السوري من لبنان، فلقد كنت حريصا على وجود المبدع السوري في البرنامج، فما بالكم ببرنامج (بيت القصيد) وهو ضمن ظروف أخرى. وأختم حول هذه النقطة بالقول: أنا أتمنى استضافة أي مبدع عربي بغض النظر عن الجنسية أو البلد.
أما عن أهمية الأعمال الدارمية العربية المشتركة والوجود السوري فيها، وعن معايير اختياري للضيوف، فأجيب بأن المعيار الوحيد أن يكون الضيف متميّزاً بمجاله، والتميّز ليس له علاقة بعدد السنين، ففي برنامج (خليك بالبيت) كانت المسألة مختلفة قليلا لكوننا رّكزنا على جيل معين خلال سنوات العرض الأولى، ومنهم «محمد شامل، سعد الدين بقدونس، رفيق سبيعي، فهد بلان، سميرة توفيق، منى واصف، نبيلة النابلسي، دريد لحام، مديحة كامل، هدى سلطان، وديع الصافي، تحية كريوكا… إلخ. اليوم الوضع اختلف فهذا الجيل العملاق الكبير للأسف أغلبيته غادرتنا، واليوم نحن نعطي فرصة أكبر للشباب، من دون أن نتخلى عن المخضرمين، مثلا أن نستضيف انطوان كرباج ورفيق علي أحمد، وبالمقابل نستضيف باسم مغنية، ربيع أبو شقرا. إذاً المطلوب من الضيف شرط التميّز مع أنه بإبداعه يقدّم مادة تعي وتحترم الحدّ الأدنى لوعي وعقل المشاهد.
أما بالنسبة لوجود السوريين في الأعمال المشتركة، أشير إلى أن صناع الدراما من مخرجين إلى كتاب وممثلين وفنيين، قسم منهم يرتاد مقهى (الروضة) بلبنان، والذي في دمشق أيضاً هنا مقهى (الروضة) الثقافي الذي يحمل الاسم ذاته، إذاً في لبنان هناك أعمال تُكتب مشتركة بالمقهى المذكور. وبصريح العبارة الوجود السوري في الدراما المشتركة هو من مصلحة الدراما اللبنانية، ولكنني أتمنى لو أن نوعية الأعمال المشتركة الدرامية أفضل، مع تبرير الغاية من هذه التشاركية العربية التي يجب أن تكون مبررة للمشاهد عبر القصة بالشكل الصحيح، كأن يعلم لماذا هناك عدّة لهجات ضمن الأسرة الواحدة. وأخيراً بالنسبة للمفاضلة بين الممثلين السوريين واللبنانيين أو العرب، فأنا أعتبرها صراع السوشال ميديا والمعجبين بالنجوم، وأجد في هذه النزاعات (ولدنة)، فما يُهمني أن يكون الممثل مقنعا بغض النظر عن جنسيته أياً كانت.

إلى أي مدى نحن قادرون على التمييز بين رأينا في إبداع أحدهم وبين مواقفه السلوكية؟ فمثلاً الممثل (كيفن سبيسي) اتُهم بالتحرش، ويمكن أن نسحب المقارنات إلى حالنا في الأزمة السورية، لكوننا لم نفصل بين سلوك الفنانين وفكرهم.. ما تعقيبك؟
من وجهة نظري علينا أن نختلف مع الفكرة، بمعنى أن نعارض الرأي وليس صاحبه، أي أن نحافظ على احترامنا للكينونة الإنسانية على أقل تقدير، ولكن المشكلة أن بعض المشاهير في كل المجالات، يذهبون نحو مواقف صادمة وربما هذه المواقف تمنعنا من تقبلّهم كأشخاص، وأنا هنا أفضل أن نختلف مع الرأي ونرفضه، بمعنى أن نميّز بين النص الإبداعي والمبدع، فما دامت القصيدة جميلة فما همي بمن كتبها إن كان سيئ السلوك، والأمر يمكن تعميمه على كل المجالات، ولكن يحق لي من دون أن أقلل من احترام أي إنسان بأن آخذ موقفاً. فهناك أماكن لا يمكن تجاهلها كالخيانة أو الكتابة لأجل الارتزاق، فحتى الخيانة وموضوع التطبيع اليهودي أصبح وللأسف أمرا متباين الموقف والرأي في الساحة العربية. وبصراحة هذه المسألة تواجهني في انتقاء الضيوف، وللأمانة هي مسألة شائكة، واستضافة مبدعين كهؤلاء تخضع لبعض الاعتبارات.

حدثنا عن الأديب السوري أدونيس لكونك استضفته… وما مدى تأثرّك به في الجانب الشعري؟
بصراحة كل من استضفته ببرامجي تأثرت به، وكسبت من الكبار، التواضع وحُسن الأنسنة، ولكن عن أدونيس كمفكر ومنظّر للحداثة الشعرية، فهو شاعر كبير ومهم، ولكنني أنا أنتمي لتيار شعر آخر وأبسط. فأنا لا أحمّل القصيدة هذا القدر من البعد الفلسفي والتاريخي، بينما أنا متأثر بالشعراء: أنسي الحاج، ومحمود درويش، ومحمد الماغوط. فحتى قفلة القصيدة لدي أجدها (ماغوطية)، أما بالانسيابية والقضايا فأنا قريب من محمود درويش، على حين بتمردي والحسّية بالكتابة عن المرأة فأنا قريب من أنسي الحاج. وفي النهاية أجسد مشاعري وأصوغ أفكار زاهي وهبة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن