ثقافة وفن

المكتبات العامة في العالم… جمال مبانيها وسحر مضمونها

| هبة اللـه الغلاييني

صحيح أن المكتبات الرقمية تتمتع بميزة السرعة وسهولة الوصول إلى المعلومة في أي وقت بكبسة زر واحدة، إلا أنها تفقد سحرها وجاذبيتها أمام المكتبات العامة والوطنية التقليدية، ذات التصاميم الهندسية الفريدة والأجواء الدافئة التي تجذب أي شخص إلى أروقتها، لتغريه بملامسة أوراق الكتب والاستمتاع بتلك العلاقة المتميزة، التي تربط القارئ بكتابه، وتجعله ينسى الوقت، ويمضي ساعات وساعات طويلة من المطالعة والأبحاث، تحت شعار( لا شيء يعلو على الكتاب الورقي) فهو على حد قول المتنبي (خير جليس) في كل الأوقات.
سأعرفكم الآن على ثماني مكتبات عالمية، من أضخم المكتبات وأروعها وأجملها شكلاً ومضموناً.

مكتبة الإسكندرية
قبل أكثر من 1600 عام، شب حريق هائل وغامض في أروقة المكتبة فأتى على كل محتوياتها ودمر مبناها، وأدى إلى اختفاء العديد من المخطوطات المهمة. لم تكن مكتبة الإسكندرية القديمة، التي أنشئت من قبل البطالمة في القرن الثالث قبل الميلاد، مجرد مستودع تخزين لآلاف البرديات والمخطوطات (أكثر من 700 ألف بردية)، بل كانت أيضاً مكاناً لاجتماع أهم مفكري ذلك العصر وعلمائه، ومهد ولادة العديد من المؤلفات التي أسهمت في تقدم مسار الإنسانية. واليوم، تسعى المكتبة الجديدة إلى استعادة روح الانفتاح والبحث التي ميزت المكتبة القديمة، بعد أن (ولدت) من جديد في عام 2002. شيدت المكتبة الجديدة تقريباً في مكان المكتبة القديمة نفسها على مساحة 85405 آلاف متر مربع، بارتفاع 22 متراً، وعلى بعد 40 متراً فقط لا غير، من ساحل البحر الأبيض المتوسط. وشيدت المكتبة على أربعة مستويات تحت الأرض وستة طوابق فوق الأرض، وتم تدعيم البناء نفسه بأساس خرساني على عواميد خرسانية، وزنرت بحائط غرانيت دائري نقشت عليه حروف الهجاء بجميع لغات العالم. وتعد قاعات المطالعة العديدة المفتوحة السمة البارزة في مكتبة الإسكندرية، حيث تضم 2500 قسم للقراءة تؤدي إلى سبع شرفات، وتتكون المكتبة من أقسام عديدة: مكتبة الشباب، ومكتبة المكفوفين والقبة السماوية ومتحف العلوم ومتحف الخطوط ومتحف المكتبة والمتحف الأثري، وتستوعب 8 ملايين مجلد، وقرابة الـ50 ألف كتاب من الكتب النادرة، و50 ألف خريطة كونية، وغيرها الكثير من الكنوز المعرفية، بينها أمهات الكتب التاريخية.

مكتبة ومتحف (جامعة موساشينو) للفن
هي واحدة من أجمل مكتبات العالم على صعيد هندستها المعمارية، وجماليات المكان والمضمون. فجدران المكتبة الممتدة على مساحة 26900 قدم مربع، مصنوعة من أبراج من رفوف الكتب من الخشب الخفيف فاتح اللون المغلف بالزجاج، ما يعكس مشهداً متداخلاً بين تلك الأبراج ومنظر الطبيعة في الخارج. أما طول الوحدة الأساسية لرفوف الكتب، فيصل إلى 900 متر، بارتفاع 10 أمتار. وهذه المكتبة هي عبارة عن غابة من الكتب بحسب وصف المهندس الياباني سوفوجيموتو، الذي وضع تصاميمها ليأتي متماشياً مع محيطها الطبيعي، فيشعر زائرها بأنه يقوم بنزهة في أحضان الطبيعة، يقول فوجيموتو، إنه استوحى تصميم هذه المكتبة التي تعتبر بمنزلة فردوس لمحبي الكتب، من رواية (مكتبة بابل) للأديب اللاتيني جورج لويس بورغوس، وأضاف قائلاً: (إن إنشاء مكتبة لا يطلب سوى كتب، رفوف، إضاءة جيدة، وأماكن جميلة، وهذا جوهر ما تتميز به مكتبة موساشينو).

مكتبة دير أدمونت
هي ثاني أضخم مكتبة موجودة داخل دير للرهبان في العالم. هذه المكتبة الرائعة التي تقع على سفوح جبال الألب النمساوية، تتميز بصالتها الكبيرة التي يبلغ طولها قرابة الـ70 متراً، وعرضها 14 متراً، وارتفاعها 12 متراً، وجداريتها التي رسمها الفنان بارتولوميو ألتومونتي عندما كان عمره 80 عاماً. لا يسع زوار هذه المكتبة كبت انبهارهم أمام روعة هندستها وحجم رفوف كتبها، فما إن يفتح باب الصالة الخشبي الضخم، حتى تسمع في الأرجاء أصوات تنهدات تعبر عن ذلك الانبهار أمام الكنوز النادرة للإنسانية ولدولة النمسا التي تضمها، وأمام تلك الجدارية الني تمثل الملائكة، ورموز وآيات الحب والجمال والتسامح، كما يوجد في مركز الصالة تمثالان من الخشب، وهما للنحات يوسف شتاميل (1695-1765)، الذي يعد من أهم النحاتين في القرن الثامن عشر. وتتضمن المكتبة التي شيدت من قبل المهندس المعماري جوزيف هوبر على الطراز الباروكي عام 1776، 200 ألف كتاب مجلد و1400 مخطوطة يدوية، إضافة إلى أول الكتب المطبوعة، والتي يعود تاريخها لأكثر من ألف عام.

مكتبة غرفة القراءة الملكية
عام 1837، قررت مجموعة من المهاجرين البرتغال، بناء مكتبة برتغالية في مدينة ريو دي جانيرو، البرازيل. لكن عملية البناء الفعلي لم تبدأ إلا في عام 1880. تعتبر واجهة المكتبة بمنزلة تحفة فنية، إذ صممت لتعكس الفترة التي كانت فيها البرتغال تصدر العلماء والمفكرين والمستكشفين والرحالة. زينت بتماثيل لأهم رجالاتها الرحالة من أمثال الأمير هنري، وفاسكو دي غاما وبيدرو الفاريس كابرال، ولغرفة القراءة الرئيسية في المكتبة قبة زجاجية ملونة، وممرات خشبية ورفوف مزخرفة بشكل مبدع، تحتوي على أضخم مجموعة من الكتب الأدبية البرتغالية خارج البرتغال.

مكتبة جورج بيبودي
هي واحدة من أجمل المكتبات العامة والوطنية في أميركا، أنشأها جورج بيبودي، وقدمها هدية منه لمواطني ولاية بالتيمور، حيث تقع تقديراً لحسن ضيافتهم وطيبتهم. تشتهر المكتبة التي صمم عمارتها المهندس أدموند ليند، بارتفاع سقف ردهتها الرئيسية، المقسمة إلى خمسة طوابق هي عبارة عن شرفات من الحديد تزدحم فيها الرفوف المليئة بالكتب، وسقفها الزجاجي الذي يغرق المكتبة بالضوء الطبيعي، وتناغم ألوان الرخام الأبيض والأسود، الذي يضفي رهبة وهيبة على المكان.

مكتبة كلية ترينيتي
تشتهر باحتوائها على أكبر غرفة مكتبة في العالم، والمعروفة باسم Long Room يبلغ طولها الـ200 قدم وبعرض 42 قدماً، وتقع في دبلن – إيرلندا. تضم المكتبة عدداً من التماثيل النصفية الرخامية تصطف في جانبي القاعة، وتجسد نخبة من الفلاسفة والكتاب والرجال الذين دعموا الكلية التي توجد فيها المكتبة، أشهرها تمثال للكاتب جوناثان سويفت، الذي أبدعه النحات لويس فرانسوا روبيلياك، وبنيت هذه الغرفة للمرة الأولى وفق تصميم خاص وكان سقفها مسطحاً، ومن ثم في عام 1850، تم رفع مستوى سقفها وأضيفت الأقواس فبدا مقوساً، بهدف توسعة المكان لاستيعاب المزيد من الكتب، تأسست المكتبة المعروفة باللغة العربية باسم مكتبة الثالوث، عام 1592، من قبل الملكة إليزابيث الأولى. أما المبنى الحالي فقد بني بداية عام 1712.
وهي تعد واحدة من كبرى مناطق الجذب السياحي في إيرلندا، إذ تصمم في أروقتها آلاف الكتب القديمة والعديد من الكنوز الفكرية الثمينة، أهمها كتاب (كيلز) الذي يقصده السياح للاطلاع عليه. نظراً إلى أنه مخطوطة قديمة مزخرفة وتحتوي على الأناجيل الأربعة من العهد الجديد، مكتوب باللغة اللاتينية.

مكتبة الكلامنتينوم
هي واحدة من المباني التاريخية التي يضمها مجمع كلامنتينوم الضخم، والواقع في وسط براغ عاصمة التشيك، تتميز هذه المكتبة التي شيدت على مساحة 20 ألف قدم مربع، بجدرانها المزخرفة بدقة وفق النمط الباروكي، وسقفها وهو عبارة عن لوحة فنية فائقة الجمال رسمها الفنان جان هيبل. وتنتشر في قاعتها مجسمات الكرة الأرضية من كل الأحجام والأشكال. تقول الأسطورة، إن بناة هذه المكتبة وهم من الرهبان اليسوعيين، لم يملكوا سوى كتاب واحد عند إنشائها، وعندما انتهوا من البناء، كان عدد الكتب قد وصل إلى 20 ألف مجلد. وتضم هذه المكتبة الكثير من الآثار والكتب الدينية، كما تضم أقدم جهاز تسجيل للتنبؤات الجوية استخدم منذ عام 1775، ولا يزال مستخدماً إلى اليوم.

مكتبة الكونغرس الأميركي
عندما احترقت المكتبة الأصلية للكونغرس في العاصمة الأميركية واشنطن عام 1814، تبرع الرئيس الأميركي توماس جيفرسون، بعدد كبير من الكتب من مجموعته الخاصة، من أجل دعم المكتبة الجديدة، التي تعتبر من أكبر المكتبات العامة في العالم. تتكون المكتبة من ثلاثة مبان، يحمل كل منها اسماً من أوائل الرؤساء الأميركيين: جيفرسون، آدامز، وماديسون، تمثال لآلهة الحكمة عند اليونان مينيرفا، يقف حارساً أمام مدخل القراءة الرئيسية، حيث المخطوطات واللفائف والكتب، التي تجعل منها المرجع العالمي الأول للكتب والمخطوطات، وتضم المكتبة أكثر من130 مليون مادة وتملك الكثير من المقطوعات الموسيقية النادرة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن