ثقافة وفن

العباءة لا تتكلم

| د. اسكندر لوقــا

مهما حاول الإنسان أن يخرج من إطار الشكل الذي يحكم العالم اليوم فإنه ما دام جاهلاً بحقيقة الأمور التي تجري من حوله يسقط في شباك الشكل، فالمرأة الجميلة تثير انتباه الرجل واهتمامه بها للوهلة الأولى، كذلك الشاب الجميل يريح نظر المرأة أول ما تراه، إلى آخر هذه المنظومة، حيث الشكل يأتي في طليعة ما يلفت الانتباه.
غير أن الاستثناء لا يعني فرضية لا تحتمل المناقشة لأن كثيراً من المفاهيم والنظريات التي سادت في وقت من الأوقات فقدت أهميتها وقدرتها على الثبات عندما أخضعت للامتحان والتجريب.
في هذا الإطار الذي يحكم عالمنا اليوم، إطار الشكل، يفرض نفسه كمقاييس تهدد للأسف ولكثير من الأحيان، كل المرتكزات الخلقية للمجتمع كما يفرض قناعات معينة في سياق العلاقات بين الأفراد، لأن جمال المرأة قد يكون في ملاحة وجهها أو نبرة صوتها كما جمال الرجل قد يكون في حكمته وموضوعية فكره وفلسفته في الحياة بعيداً عن الشكل الذي تبدو فيه المرأة أو الرجل.
ذات يوم نظر معاوية إلى رجل ضئيل في مجلسه عليه عباءة رثّـة فازدراه وأبى مجاذبته أطراف الحديث، فشعر الرجل بالأمر فالتفت إلى معاوية وقال له يا أمير المؤمنين: إن العباءة لا تكلمك إنما يكلمك من فيها، فخجل معاوية وبالغ في إكرامه واحترامه. لقد بدت حقيقة الرجل فيما وراء العباءة التي يلبسها، كذلك القيمة حين تأخذ مكانها تبدو للعيان كوضوح الشمس. قد يخفت شعاعها لسبب أو لآخر ولكنها تبقى بين الأولويات التي تشير إلى الإنسان بعيداً عن النظر إلى ما يرتدي وبخاصة في المجتمعات المتفسخة بسبب من بعد المسافات بينها وبين القيم المثالية.
إن النظرة التي تتعالى على مقومات تكوين إنسان العطاء، إنسان الفكر الباحث عن الحقيقة، يغدو الشكل عليه، كما القشرة التي تحجب اللب عن الضوء. وفي مرحلة بناء الوطن يفقد قيمته كما العباءة التي مهما بلغ ثمنها تبقَ مجرد رداء من قماش قيمته ما هو خلفه وتحته.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن