اقتصاد

إبداعات جذب الإيداعات؟

| علي محمود هاشم

وفق المنطق الاقتصادي إياه، قررت الحكومة نهاية الشهر الماضي، الذهاب مجدداً إلى خيار سندات الخزينة لتمويل المشروعات الاستثمارية والحيوية والاقتصادية.. وذلك قبل أن يلاقيها مجلس النقد والتسليف بالإعلان عن تحريك أسعار الفائدة على الودائع بالليرة السورية والقطع الأجنبي صعوداً، سعياً منه لاجتذاب الإيداعات ورؤوس الأموال من الخارج والداخل وتوظيفها لدى المصارف السورية!
بكل ضمير مرتاح، ثمة ما يدعو للاعتقاد بأن الهدفين كليهما لن يتحققا، هذا إن كان المعلن يتطابق مع الواقع أساساً، ومع ذلك، وطالما أن تعبئة أوقات الفراغ على أشدّها، فلا ضير على الجميع من «الردّ بالمثل».
أكثر ما يلفت في القرارين، تصويب أحدهما على جبهة الآخر بدقة واحترافية، ذلك أن رفع سعر الفائدة على الودائع المصرفية، يجر خلفه زيادة طبيعية في كلفة المشروعات الاستثمارية والحيوية والاقتصادية للقطاعين؛ العام التي تنوي الحكومة تمويلها من سندات وأذونات الخزينة، وكذا الخاص الذي لربما يفكر أحد أعضائه أن يستجر قرضاً تمويلياً في زمن ما!
في المحصلة، سيقودنا الأمر تلقائياً إلى مستويات جديدة من نسب التضخم التي تتكئ إحدى ركائزها الرئيسة إلى أسعار الفائدة المصرفية على اعتبارها كلفة ثابتة، وهنا تكمن النقطة الأهم في مآلات الهوس الإبداعي الذي يتلبّسنا لدى التعاطي مع مشكلة السيولة الفائضة في الأسواق كهدف غير معلن –على الأرجح- لما يسيل من قرارات؟!
لا يتوقف أمر الفوائد عند هذا الحدّ، بل يتوعد رفعها أحد بنود العائدات الحكومية بمزيد من التدمير، ذلك أن الخزائن المصرفية التي تعاني تخمة إيداعات مزمنة، يرتب الفائض المعلن والهائل نسبياً في كتلة أموالها الجاهزة للإقراض عند 2400 مليار، نحو 200 مليار ليرة كخسارة محققة يتم دفعها للمودعين، لا بل، ووفق حسبة متطرفة، ترتب هذه الكتلة –أيضاً- خسارة بنحو 200 مليار أخرى كان ليمكن جنيها من وراء توظيفها في الاستثمار!
ولأن أحد هذين البندين، يكاد يساوي ضعف العوائد الحكومية من ضريبة الأرباح الحقيقية من كلا القطاعين العام والخاص، لا يجد العقل بدّاً من التساؤل حول مساهمة أسعار الفائدة الأعلى في اجتذاب المزيد من صنف المعضلات هذه؟!.
ماذا عن سيناريو اليوم التالي؟
بغض النظر عن حجم ضلوعها في مجمل ما يعتري حركية الاقتصاد من تثاقل، فلدى الحكومة، ومن خلفها مجلس النقد والتسليف، ما يكفي من المبررات الأخلاقية للمضي إلى تنفيذ قراراتهما، إلا أن ذلك لا يعفيهما من ضرورة البوح بالمدى الذي ستصلان إليه في هذا السبيل الذي يثقل قدمي الاستثمار بكل تلك الأحمال، إذا ما كان العائد المحتمل منها سيطفئ خسائرها المؤكدة.
هذا ليس أمراً نافلاً، بل ضرورة تحاكي رسالة واضحة بأن الاقتصاد لا يهيم على وجهه في متاهة السياسات المتضاربة التي لا أبواب لها سوى نحو الجحيم!.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن