قضايا وآراء

ترامب والتحكم بالتناقضات

| دینا دخل اللـه

لا يشغل بال الرئيس الأميركي دونالد ترامب غزو تركيا لسورية بقدر ما تشغله مسألة التوفيق بين إرضاء الرأي العام وتنفيذ وعوده بألا يموت أي جندي أميركي خارج الوطن من جهة، وإرضاء الكونغرس ورؤوسه الصلبة من جهة ثانية.
دائماً يجد هذا الرئيس الذي يحاول إعادة الألق للحزب الجمهوري مخرجاً من التناقضات، وغالباً ما يُرضي الطرفين. فمثلاً سياساته المطالبة بألا يشترك الجيش الأميركي في أي حرب أغضبت لوبي إنتاج السلاح في كاليفورنيا، لكن الرئيس سرعان ما وجد حلاً لذلك عبر بيعه كمية هائلة من الأسلحة للسعودية كي تدور آلات المصانع العسكرية في كاليفورنيا، ويرضى هذا اللوبي عنه.
المشكلة الحالية مع الكونغرس وجد لها حلاً أيضاً في موقفه المزدوج من مسألة الغزو التركي. فتهديداته لتركيا ترضي الكونغرس وتأكيده على خطته في إعادة جنوده إلى «الديار» ترضي الناخبين، ناهيك عن برنامجه السياسي الملتزم بتقاليد الحزب الجمهوري ما قبل الرئيس الأميركي السابق رونالد ريغان، تقاليد الرئيسين الأميركيين السابقين ريتشارد نيكسون ودوايت آيزنهاور.
في إطار إرضائه للكونغرس طلب ترامب أول أمس من نظيره التركي رجب طيب أردوغان «وضع حد لغزو سورية وإعلان فوري لوقف إطلاق النار»، كما أنه هدد في تغريدة له عبر تويتر أنه «إذا فعلت تركيا شيئاً فسأعتبره تجاوزاً للحدود وسأدمر اقتصادها بالكامل وقد فعلت ذلك سابقا».
في الإطار نفسه نفى نائب ترامب مايك بنس أن تكون واشنطن قد منحت تركيا الضوء الأخضر لدخول سورية، وحذر أن العقوبات الأميركية على تركيا ستتواصل إذا لم توافق تركيا على الوقف الفوري لإطلاق النار، من جهته أعلن وزير الخزانة الأميركي ستيفين منوتشين فرض عقوبات على مسؤولين أتراك بينهم اثنان من الوزراء وثلاثة من كبار المسؤولين بموجب أمر تنفيذي وقعه ترامب.
هذه التحركات القوية التي يقوم بها ترامب ضد تركيا وعمليتها الأخيرة في سورية نالت استحسان الكونغرس المنتقد الدائم للرئيس وسياساته. حيث أعلن السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام الذي كان على خلاف حاد مع ترامب بسبب قرار الانسحاب من سورية في تغريدة له «تحدثت مع ترامب وقلت له أحيّي قرارك بالعمل مع الكونغرس لوقف عدوان تركيا في سورية من خلال فرض عقوبات تشل الاقتصاد، ما يعتبر تغييراً في اللعبة بالنسبة لتركيا».
قام ترامب بضرب عصفورين بحجر واحد، كما يقال، إذ إنه قرر سحب القوات الأميركية من سورية كما وعد قاعدته الانتخابية وطبق رغبته في إعادة الجنود إلى الديار سالمين من جهة، ومن جهة أخرى هدد تركيا بفرض عقوبات اقتصادية عليها إذا لم توقف عملية «نبع السلام» في شمال سورية كما يريد الكونغرس.
في النهاية تعامل ترامب مع الملف السوري من وجهة نظر «الانعزالية الجديدة» التي تضع مصلحة أميركا أولاً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن