قضايا وآراء

عدوان أردوغان هروب من الداخل بأطماع عثمانية

| د. قحطان السيوفي

يمكن القول، بشكل عام، إن الخطأ في تقدير القوة الذاتية وحجم القوى الأخرى المؤثرة في الميدان، قد تكون السبب الأساسي في هزيمة الذات.
والحديث هنا عن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الاستبدادي المتهور تحركه أطماع عثمانية، شن حرباً عدوانية على الأراضي السورية مثل هذه الحرب، غالباً ما تطول تفاعلاتها المباشرة وتصبح احتلالاً يواجه بالمقاومة. من الصعب أن ينجح صاحب قرار الاجتياح العسكري في وقف تفاعلات هذا القرار المتهور، الذي سيقابله ألغام تنفجر فيه، وترغمه على الاندحار؟
أردوغان إرهابي، وهجومه الآن على شمال شرقي سورية لم يؤد فقط إلى مجازر جماعية ضد المدنيين السوريين، بل إلى دق جرس النفير لإعادة إطلاق داعش ليلتقي مع الإرهابيين الذين دخلوا مع جيش أردوغان والذين يحملون ذات الفكر الذي يحمله تنظيم داعش، ما يضاعف من خطورة الغزو التركي الموقف الروسي الذي يتناغم مع المخاوف الدولية. قالت وزارة الدفاع الروسية، في بيان: إن الإرهابيين المحتجزين في السجون التي تسيطر عليها قوات سورية الديمقراطية «قسد» قد يهربون من مراكز الاعتقال جراء العملية العسكرية التركية.
تركيا أردوغان كانت وما زالت الحاضنة الرئيسة لمقاتلي «داعش»، لاستخدامهم في مشاريع الفوضى في المنطقة، لذا فإن الغزو التركي للأراضي السورية يسهِّل «لداعش» العودة لصناعة الفوضى والتوحش، في ظل وجود راعٍ مستعد وجاهز لمساعدتهم على المزيد من القتل والتخريب هو أردوغان وذراعه تنظيم الإخوان.
مع بداية العملية العسكرية في شرقي الفرات، كان أمام تركيا ثلاثة احتمالات أولها: عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن قرار الانسحاب؛ ثانيها: مقاومة قوات قسد للجيش التركي؛ وثالثها: تفاهم قسد مع الدولة السورية على مقاومة التدخل التركي. مع توصل قسد إلى اتفاق مع دمشق، يكون هذا هو التحدي الأكبر الذي ستواجهه تركيا. إن التقاء دمشق وقسد كان الكفيل بتغيير المعادلات والتوازنات، حيث قضى بانتشار الجيش العربي السوري في مناطق الحدود لحماية الأراضي السورية ومنع تقدم الجيش التركي مع انسحاب الأميركي واتفاق الدولة السورية وقسد. بدا التركي مرتبكاً، فارتفع سقف خطاب أردوغان ضد الجميع، من سورية والأكراد إلى جامعة الدول العربية، وهرع أردوغان إلى نظيره الروسي فلاديمير بوتين، مُعلِناً أنه لن يُقدِم على خطوة في سورية إلا بالتفاهم مع بوتين. ستكون تركيا مكرهة على التوغل لمسافة محددة تحفظ ماء وجهها، وستقبل بانتشار الجيش العربي السوري على الحدود والمناطق المتبقية. لا يُستبعد أن يفتح أردوغان جبهة إدلب، حيث المنظمات الإرهابية، لمحاربة الجيش العربي السوري. كما لا يعرف مصير اتفاق وقف إطلاق النار الذي وافق عليه أردوغان أخيراً بالاتفاق مع واشنطن.
أردوغان يشعر بالإحباط والعزلة، حيث فوجئ بالكمّ الكبير من الانتقادات المُوجّهة للعملية في أوروبا والعالم، فرنسا فرضت مع دول أوروبية أخرى، حظراً للسلاح على تركيا، وقادت حملة ضد التدخل التركي في سورية.
ترى صحيفة «غازيتيه دوار» أن الرابح الأكبر حتى الآن من التطورات هو النظام السوري، وبدا كما لو أن واشنطن دفعت أنقرة إلى الانزلاق في المستنقع السوري، بإعطائها الضوء الأخضر ومن ثم سحب البساط من تحت قدميها.
وفي الداخل التركي بدأت تتّـسع قائمة القوى المعارضة. رئيس حزب «الشعب الجمهوري» المعارض كمال أوغلو، قال من على منصة البرلمان التركي: إن تركيا أردوغان أضحت لعبة لدى القوة الإمبريالية، وتحولت إلى دولة القُصّر التي تتلقى الأوامر من روسيا وأميركا، وتهان بأشد الإهانات، وسلطانها يعاني من جنون العظمة وأحلام اليقظة.
والسؤال هو: هل إطلاق عناصر داعش المحتجزبن لدى انفصاليي قسد، أحد أهداف غزوة أردوغان على الشمال السوري؟ وهل هناك أهداف مخفية وراء الهجوم، بخلاف الأهداف التي أعلنت عنها أنقرة؟
إن الهدف المعلن لعدوان أردوغان هو خلق منطقة عازلة أو آمنة بين تركيا وسورية، بحجة استيعاب اللاجئين السوريين في تركيا، الذين تجاوز عددهم ثلاثة ملايين.
لكن هذا لا ينفي أن تكون لديه أهداف أخرى، كصلة أردوغان وعلاقته القديمة المتجددة مع عناصر تنظيم داعش الإرهابي. التصريح اللافت الذي نشرته صحيفة «أحوال» التركية آخر آب الماضي، على لسان رئيس وزراء أردوغان السابق أحمد داود أوغلو.
قال أوغلو للصحيفة التركية صراحة: إن هناك في الإقليم مَنْ سيعجز عن مواجهة الناس، إذا جرى التحقيق يوماً في قضية الإرهاب في المنطقة، ثم في جزئها الغاطس بعيداً عن الأنظار تحت الماء.
كلام أوغلو كان يقصد به شخصاً واحداً، سيعجز عن مواجهة الناس، إذا جرى التحقيق في قضية الإرهاب في المنطقة، اسمه أردوغان. لو كنا نعيش في مجتمع دولي جاد، ينهض بمسؤوليته تجاه الإرهاب لكان ما نشرته الصحيفة موضع تحقيق مع أردوغان.
قد يكون أردوغان مدفوعاً إلى العملية الهجومية على سبيل الهرب من مؤشرات اقتصاد متراجع تلاحقه في الداخل، وقد تكون هذه المؤشرات هي التي تدفعه إلى افتعال المواجهات في الخارج على عدة جبهات، ابتداءً من جبهة الاتحاد الأوروبي حول اللاجئين، مروراً بجبهة قبرص واليونان، وإصراره على إرسال سفن التنقيب عن الغاز والبترول في مياههما الإقليمية، وانتهاءً بجبهة الجنوب مع السوريين. التسارع المطّرد للأحداث بتطورات شرقي الفرات مروراً بقرار الانسحاب الأميركي، وصولاً إلى إعادة ترسيم العلاقة بين دمشق وانفصاليي قسد وما يمكن أن تفضي إليه من اتفاقات، وأخيراً اتفاق وقف إطلاق النار مع واشنطن يفضي إلى تحوّلات فارقة في المشهد بأكمله، ما يوحي بأن أنقرة ستكون أبرز الخاسرين. «قسد» وجدت نفسها تتجه سريعاً نحو دمشق، فيما تواصل موسكو دورها في مدّ خشبة الخلاص لأنقرة كلّما وجدت الأخيرة نفسها في مأزق. تؤكد مصادر تركية معارضة أن عملية أردوغان العسكرية جاءت كهروب من المشاكل الداخلية التي يواجهها، وتشير المصادر إلى الموعد الذي اختاره أردوغان لبدء العدوان، بالتزامن مع ذكرى ولادة السلطان سليم الأول، ما يذكر بأطماع أردوغان العثمانية.
على الصعيد الميداني، يؤكد دخول الجيش العربي السوري إلى منبج حقائق مهمة. في شباط الماضي، كتب فابريس بالونش لمصلحة «معهد دراسات واشنطن» مقالاً جاء فيه: منبج هي المدخل الرئيسي إلى شرق سورية بالنسبة إلى الأسد، لأن موقع منبج الإستراتيجي، بمنزلة الجسر بين ضفتَي الفرات، فضلاً عن إمكانية تحويلها إلى نموذج صالح للتكرار.
أردوغان السلطان الواهم يعيش زمن العثمانية القديمة، وتكاد حقبته الآنية تشابه زمن تركيا المريضة في أوائل القرن العشرين، قبل انهيار الإمبراطورية التي لقي منها العالم العربي القهر والاستبداد والأوجاع، والتخلف الثقافي والمعرفي.
إن عدوان أردوغان على سورية هروب من الصعوبات الاقتصادية والسياسية التي يواجهها في الداخل، إضافة إلى أنه مندفع بأطماعه العثمانية في الأراضي السورية.
الشعب والجيش العربي السوري سيتصديان للغزاة، وسيعود جيش أردوغان هارباً مندحراً إلى الداخل التركي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن