بعد الغزو العسكري التركي لمناطق الشمال السوري بحجة القضاء على التنظيمات الإرهابية من الكرد وإقامة ما يسمى المنطقة الآمنة أو الشريط الحدودي، ظن البعض أن قواعد اللعبة في سورية تغيرت لمصلحة المشروع التركي الحالم بإعادة التاريخ إلى حقبة حكم السلطنة العثمانية وذلك بعد اقتطاع أجزاء من الشمال السوري واحتلاله تماماً كما سبق وحصل بالعراق.
لكن هذا البعض المراهق في فهم حركة التاريخ نتيجة الارتماء في أحضان أعداء سورية بصفة عميل، نسي أو تناسى ما انتهى إليه أي احتلال في العالم خصوصاً إذا كان الشعب صاحب الأرض وجيش الوطن قد اتخذ قراراً استراتيجياً بمقاومة المحتل ودحره وعملائه من أي شريط أو أي منطقة محتلة.
لقد أثبت التاريخ أن ما من شعب قرر مقاومة المحتل إلا وانتصر مهما كانت قوة المعتدي.
وتأكيداً لذلك فإن تجربة الشعب اللبناني بمقاومة المحتل الإسرائيلي في جنوب لبنان لم تزل حاضرة أمامنا مسجلاً بذلك انتصاراً ساحقاً على العدو الإسرائيلي وعملائه الأمر الذي أدى إلى اندحار العدو الإسرائيلي من الشريط الحدودي مجرجراً أذيال الخيبة والانكسار.
إن مصير الاحتلال التركي هو مصير أسود ومطابق تماماً لمصير العدو الإسرائيلي في جنوب لبنان.
إن سورية العروبة باتت تمتلك أوراقاً من القوة تؤهلها تعزيز منعتها وتمكنها من تحقيق انتصار على أي معتد وهي:
أولاً- شرعة القانون الدولي الذي يستنكر أي اعتداء على دولة ذات سيادة.
ثانياً- الصبر الإستراتيجي الذي يضمن قلب الموازين لمصلحة الدولة السورية.
ثالثاً والأهم: تصميم القيادة السورية على مقاومة الإرهاب التركي لتحرير كل شبر من أرض سورية المقدسة مهما كلف من تضحيات.
إن قرار الانسحاب الأميركي من الشمال السوري هو قرار أكدته القيادة السورية وذلك نتيجة الحرفة السورية في دراسة مسبقة للمتغيرات الإستراتيجية والإقليمية ونتيجة الصبر الإيجابي الإستراتيجي الذي اتبعته القيادة السورية، وها نحن اليوم نجني ثمار الصبر الإستراتيجي والتصميم السوري مضافاً إليه قرار المواجهة والمقاومة.
إن المتغيرات الدولية والإقليمية المتسارعة لم تأت من فراغ بل إنها متغيرات فرضتها مهارة الدبلوماسية السورية في تجيير تلك المتغيرات لمصلحة وحدة سورية العروبة الأمر الذي سيجعل من سورية اللاعب والمرجع الرئيس في تقرير مصير المنطقة.
صحيح أن الجمهورية العربية السورية قد انتصرت على المؤامرة الكونية الإرهابية التي حيكت ضدها من قبل الأميركي والإسرائيلي ومولها الخليجي والتي لبست اللبوس الديني تارة وتغيير النظام تارة أخرى، لكن قومية سورية وعروبتها وعلمانيتها إلى جانب التصميم السوري على عدم الانحناء أمام العاصفة وقرار المقاومة لإحباط تلك المؤامرة جميعها شكلت عوامل مهمة أهلت سورية العروبة لكسر رموز المؤامرة وإحباط كل أهدافها الأمر الذي مكن سورية من الانتصار وأهلها لاستعادة دورها الطليعي.
نقول: إن كل شبر من سورية سيحرر من الإرهاب ومن الاحتلال وإننا سنشهد رفع العلم السوري فوق كل مناطق الشمال السوري وصولاً إلى كامل الجزيرة السورية حتى الحدود المشتركة مع العراق وتركيا.
ومن المعروف أن لروسيا دوراً داعماً مهماً يؤكد على وحدة سورية أرضاً وشعباً، وهي الساعية لتأمين قناة اتصال أمنية تركية سورية مباشرة من خلال تفعيل اتفاق أضنة 1998 بين تركيا وسورية محققة بذلك نجاحاً يصب في مصلحة سورية لتجنيب الصدام بين الأتراك وسورية، ونلفت إلى أن الدور الروسي لم يكن ليكون داعماً وناجحاً لولا تصميم القيادة السورية على الصمود لاستعادة وتحرير كل شبر من سورية وتحرير الجولان المحتل.
إن قرار الأكراد تسليم مقاليد الأمور للجيش العربي السوري لهو دليل على انتصار الإرادة السورية في الحفاظ على وحدة سورية ومكوناتها، وسواء نجحت المبادرة الروسية أم لم تنجح فإن أي منطقة آمنة تركية في شمال سورية لن تكون آمنة ولن ترى النور أو تستمر أسوة بمصير الشريط الحدودي الإسرائيلي الذي كان قائماً في جنوب لبنان.
إن الانسحاب الأميركي من سورية هو دليل ساطع على قرب تحقيق النصر النهائي لسورية ومن أهم عوامل الانتصار السوري:
• فشل كل أهداف المؤامرة على سورية.
• إعادة التأكيد على وحدة سورية.
• حرمان التركي من تحقيق حلم السلطنة العثمانية وانهزام مشروعه أمام الصمود السوري.
• استعادة سورية لثرواتها المنهوبة ولمخزونها الاقتصادي من آبار نفط وزراعة ومياه ومخزون القمح الإستراتيجي، ما يؤهل سورية للاعتماد على مقدراتها والاكتفاء الذاتي خارج إطار أي عقوبات أميركية.
ها هم عرب الخليج الذين أمعنوا بالتآمر على سورية يتهافتون ويتسابقون للوصول إلى سورية من أجل دعم سورية في محاربة الإرهاب الإخواني ومن أجل إيجاد منفذ يعيد الجامعة إلى دمشق وها هي فرنسا وألمانيا وحتى بريطانيا جميعهم ينتظرون الرد السوري بتحديد مواعيد طلباً للقاء القيادة السورية.
في اجتماع الجامعة العربية الأخير اعترف أحد وزراء الخارجية أن الجامعة أخطأت بعدم الموافقة على عودة سورية إلى مقعدها وهمس في إذن الأمين العام للجامعة قائلاً: بادروا لحجز مقعد في قطار الانتصار السوري قبل أن نركب جميعاً أمواج الهزيمة.
مؤخراً قام أحد زعماء الأحزاب في لبنان من الذين شاركوا في المؤامرة على سورية بزيارة خاصة لجمهورية مصر العربية مستطلعاً من الرئيس المصري آفاق المرحلة بعد عجزه عن قراءة المشهد من جراء تعطل هوائيات الإرسال لديه.
الزائر اللبناني عاد إلى لبنان محبطاً بعد أن سمع كلاماً مصرياً مفاده «مفيش فايده» لأنكم خسرتم كل رهاناتكم الأميركية والخليجية ها هم الأميركيون في طور الانسحاب من سورية وحلفاؤكم الخليجيون يتسابقون إلى سورية لإعلان التوبة ولكسب ود الرئيس بشار الأسد، ونحن في مصر نرى أن تبادروا أنتم الإعلان عن توبتكم في دمشق ضماناً لاستمرار دور نجلكم في الحياة السياسية.
فور عودة الزعيم اللبناني إلى بيروت جمع مستشاريه ليقول لهم وبلهجة محبطه: تركونا في منتصف البئر.. لقد سبقونا إلى سورية المنتصرة وأعتقد أننا تخلفنا عن اللحاق بقطار الانتصار السوري.