من دفتر الوطن

الفكر اليتيم!!

عبد الفتاح العوض :

أستطيع أن أقول: إن الفكر اليتيم في عالمنا الحاضر هو فكر التجديد الديني.
على مستوى العالم بقيت أفكار التجديد الديني متناثرة، والأشخاص الذين خاضوا في هذا المضمار بقوا في معزل عن التبني.
الاقتراح الذي أود أن أبدأ به هنا يتعلق بإنشاء مؤسسة عالمية للتنوير الديني.. أقول عالمية لأن المشكلة عالمية ولهذا ينبغي أن يكون الحل عالمياً، ومن الواضح أن انسياب الأفكار أسهل من انسياب السلع والبضائع والتجارة الحرة.
الأفكار بكل أنواعها السلبية والإيجابية تنتقل بلا حدود وإن كانت ضرائب بعضها مكلفة وباهظة ومضرجة بالدماء.
لهذا فإن الحديث عن فكر عالمي يخص التجديد الديني هو جزء من حماية العقل العالمي أولاً وثانياً هو مشاركة لكل العالم بصناعة المستقبل.
هذا فيما يخص «العالمية» ثم إن الاقتراح يتحدث عن تجديد ديني، ولم أقل تجديد إسلامي أو مسيحي أو يهودي بل هو تجديد ديني لأن الأفكار المتطرفة والحادة والعنيفة جاءت من خلال الأديان كلها وليس من دين واحد.
بل إن أدبيات الإسلام تعتبر من أكثر الأدبيات الدينية تسامحاً وليناً وسمواً.
لهذا فإن مسألة التجديد الديني مطلب في كل الأديان وليست حكراً على دين محدد وإن كانت إسرائيل حولت من اليهودية صورة للتطرف والإرهاب الديني المنظم.
ثم إنه في الحديث عن التجديد الديني ينبغي ألا يأخذنا هذا إلى أن الغاية محاربة الأديان بحد ذاتها.
فهذه الأديان تحمل الكثير من القيم الروحية العالمية التي لم يستطع أحد أن يلغيها أو يأتي بمثلها.
وأي توجه للإساءة للأديان أو النيل من المعتقدات الدينية هو إجهاض لفكرة التجديد الديني وستكون النتيجة هي المزيد من التعصب والتطرف ورد الفعل العكسي.
الذي حدث على مدار محاولات التجديد الديني أنها كانت هشة وفردية ومحدودة الزمان.
وعادة المرشحون لتبني الأفكار المتجددة هم السلطة أو مؤسسات المال.
ولم يحدث أن تبنت سلطة ما في العالم الإسلامي فكرة تجديد الفكر الإسلامي، بينما حصلت أوروبا على نتائج جيدة عندما تبنت السلطة أفكار التنويريين.
أيضاً أعداء التنوير الديني في عالمنا العربي والإسلامي كثر وأقوياء.
وقد استطاعوا أن يحولوا أي مبادرة باتجاه تجديد الفكر على أنها محاولة «كفر» وليست محاولة تعمق في روحية الدين ومقاصده.
لدينا «جيوش» من شيوخ المنابر الذين يحصلون على معاملة خاصة من رجال السلطة ومن رجال المال، بينما لا يحظى أولئك الذين تحدثوا عن التنوير الديني إلا على الإبعاد والإقصاء وأحياناً المحاربة.. فكان أن حصلنا على فكر يتيم.. وأجيال قابلة للموت جهلاً!!
أخيراً.. وأنا أتحدث عن مؤسسة عالمية للتنوير الديني فإن دمشق مؤهلة لتكون عاصمة هذا الفكر ومنبعه.
فهي على مدى التاريخ حافظت على روح التعدد وتقبل الآخر وتراكم الحضارة لهذا فهي مكان ملائم لإطلاق هذا الفكر.. وإن كان ثمة من يفكر في هذا الموضوع فإن الحكومة ليست مؤهلة لتبني هذا النوع من الأفكار لأنه يجعلها مؤطرة باتجاه يتناقض مع الفكر.
إننا بحاجة إلى جهد أهلي مدعوم مالياً ولوجستياً من جهات قادرة على ذلك.
لكن الأساس أن تسعى منذ البداية لتأكيد عالميتها وتوسعها، وأن يكون هدفها طموحاً ومفتوحاً على كل الأفكار الجديدة.

أقوال:
• المعروف كنز.. فانظر إلى من تودعه.
• موقع الحكمة من قلوب الجهال.. كموقع الذهب من ظهر الحمار..
• لا صديق لملول.. ولا وفاء لكذوب

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن