ثقافة وفن

نقطة البدء

| د. اسكندر لوقا

البنية الاجتماعية لأي بلد شرقاً أم غرباً تقوم على عدد غير متناه من العناصر التي تدخل في تكوينها. بعض هذه العناصر تتوالد من نفسها، وبعضها الآخر يشترك الأفراد في صنعها، وحسب نوعيتها يأتي المجتمع سليماً معافى أو مريضاً يعاني من الأزمات. ولعله من المفيد، ونحن على حافة مرحلة تاريخية هي من أدق المراحل خطورة، أن نبحث عن مكونات العناصر التي ينهض عليها مجتمعنا، وبذلك نؤدي دور الطبيب الذي يتلمس في الجسم بؤرة للجراثيم وفي الخلية سببا من أسباب تآكلها.
إن حروفا عابرة لا تكفي لإجلاء الصورة التي تعطي للمشكلة أبعادها جميعاً، بيد أن هذا لا يمنع من أن تكون، هذه النقطة، منطلقاً للسير على الدرب. إن سعي المرء، أي امرئ، لمعرفة حقيقة وجوده خير من عدمه. إن النعامة إذ تغمر رأسها في التراب لا تغيب عن عين الصياد، كذلك فإن ما نخبئه في نفوسنا لا يخفى على البصيرة النافذة لدى الآخرين. فالوضوح جانب من جوانب المشكلة، وهو شكل من أشكال الصراحة وليس على نحو البائع الذي يعرض بضاعته مخفيا سيئاتها مظهرا حسناتها للعيان، كذلك على نحو تصرّف الخطّابة في منزل العريس ومنزل العروس إذ لا بد أن تظهر الحقيقية في كل الأحوال.
إن الأوساخ عندما لا ترفع من مكانها تتراكم، كذلك تتراكم الجراثيم في الجسم عندما لا يلجأ الجسم إلى وسائل الدفاع المألوفة عن نفسه. وشيء من هذا القبيل يحدث في العقل والقلب معا عندما يقف المرء مكتوف الساعدين أمام المشكلات التي يشارك في صنعها أو ينبغي له أن يتصدى لها.
إن الكذبة تجرّ الكذبة، كما الخطيئة تجرّ الخطيئة، كما الكأس الأولى تجرّ كؤوساً متتابعة ولفافة التبغ الأول تجر علب السجائر، ثمة سبيل واحد لمعالجة الموقف هو التخلي عن التردد. نقطة المواجهة قد تكون قاسية نوعاً ما غير أنها الخطوة الحاسمة والوحيدة التي ترسم خطة للنجاة وليس ثمة خطوة أكثر نفعاً منها لبناء الذات في أي بلد أو مجتمع.
إن إشادة بناء عادي تتطلب جهداً لا يقدّر، ولكن مهما بلغ حجم هذه الجهد والزمن الذي يحتاج إليه فإنه يبقى أدنى مرتبة عما يتطلبه بناء الفرد من الناس لكونه اللبنة التي يستقيم البناء على مدى قدرته لتحمل الجهد وتبعات الوقت.
أحياناً نحمّل الآخرين سبب عجزنا عن مواجهة أنفسنا على حين نبقى نحن، عملياً من دون الآخرين المسؤولين عن تحديد نقطة وزمن البدء وزمانه.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن