قضايا وآراء

الأمن القومي العربي

| نبيل الملاح

دفعني لكتابة هذا المقال ما صرح به الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي يدعو فيه أوروبا لتشكيل قوة عسكرية كبيرة تتمركز في منطقة الشرق الأوسط التي تعتبر حيوية بالنسبة للمصالح الأوروبية، وبالطبع يقصد الدول العربية تحديداً وعلى الأخص دول الخليج العربي التي تمتلك مخزوناً ضخماً من المواد البترولية.
لقد استفزني هذا التصريح الصادر عن الرئيس الفرنسي ماكرون الذي جاء إلى الحكم من خارج الدائرة التي يأتي منها رؤساء فرنسا، كما جاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ويبدو أن الاثنين جاءا وفقاً لإرادة جهة واحدة لها نفوذ كبير في مختلف أرجاء العالم، وشعرت أن فرنسا تسعى لإحياء «أوروبا العجوز» بدفعها إلى فرض نفوذها في العالم وعلى الأخص في منطقة الشرق الأوسط بشكلٍ استعماري جديد يكون فيه للاقتصاد دور أساسي.
إنها وقاحةٌ وتجاوزٌ لسيادة الدول واستقلالها، ويأتي في هذا السياق ما تتخذه الإدارة الأميركية والكونغرس بحق الدول الأخرى من عقوبات على الحكومات والمسؤولين فيها، وكأنهم أسياد العالم متجاهلين ومتجاوزين ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي.
للأسف، فإن قراراتهم تأتي بحق الحكومات العربية والإسلامية، مما يدل بوضوح على أن هذه القرارات تعبر عن المخططات الغربية والصهيونية لمحاربة العرب والمسلمين، كما تعبر عن حالة الوهن والضعف التي وصلت إليها الدول العربية والإسلامية.
كنت قد قلت في مقالٍ سابق بعنوان «أولوية الأمن القومي العربي»: إن واقع العرب مؤلم ومحزن ويدعو إلى التشاؤم واليأس في ظل الهيمنة الصهيونية على العالم وأكثر من أي وقتٍ مضى، وإن العرب هم الضحية الأكبر في هذا العالم المختل المتصدع بسبب تخليهم عن مشروعهم القومي الذي كان وما زال الطريق الوحيد لمواجهة المشروع الصهيوني وتحقيق الأمن القومي العربي والأمن الوطني للدول العربية التي أصبحت في خطرٍ كبير.
إن الأزمات التي تعصف بالدول العربية جميعها، وقد تؤدي إلى تحطيمها وتمزيقها وتقسيمها، توجب على العرب حكاماً وشعوباً العمل الفوري لتجاوز الخلافات والصراعات بين الأنظمة والشعوب وتحقيق ما تصبو إليه هذه الشعوب، وتفعيل العمل العربي المشترك، وإحياء الجامعة العربية التي باتت لا تعبر عن مصالح الأمة العربية وأهدافها.
لا مخرج للعرب من حالة الموت السريري إلا بإحياء مشروعهم القومي وإقامة اتحاد عربي في عالمٍ لا يقيم اعتباراً للكيانات الصغيرة والضعيفة وتحكمه الدول العظمى وفقاً لمصالحها بعيداً من القيم والمبادئ التي نص عليها ميثاق الأمم المتحدة .
إن العرب يملكون مقومات يمكن أن تجعل منهم قوة عظمى في العالم، فهم يملكون ثروات طبيعية تتنافس الدول الكبرى في السيطرة عليها، فالنفط والغاز الموجود في دول الخليج العربي وبعض الدول العربية الأخرى ومن ضمنها سورية، هو سلاح أمضى من السلاح النووي والكيميائي والبيولوجي وغيرها.
كلنا يذكر تأثير الملك فيصل رحمه الله بوقف ضخ النفط خلال حرب تشرين 1973، والدعم المالي الذي تم تقديمه لدول المواجهة مع إسرائيل، وكلنا يشاهد اليوم عملية الابتزاز والنهب التي تتعرض لها دول الخليج العربي بحجة حمايتها وتزويدها بأسلحة لن تستطيع استخدامها في مواجهة العدو الحقيقي.
هل يدرك حكام الخليج العربي أن سياساتهم وارتماءهم بأحضان أميركا ستؤدي في النهاية إلى سقوطهم؟ وعليهم أن يدركوا هم والأنظمة الأخرى التي تعول على إسرائيل لحمايتها، أن شعوبهم وأمتهم هي وحدها التي يمكن أن تحميهم في حال عادوا لرشدهم.
إن الرأسمالية المتوحشة التي تتجلى بوضوح في إدارة ترامب ومشاريعه ومخططات الدول الأوروبية التي تخضع للصهيونية العالمية، تدعو إلى إعطاء الأولوية المطلقة للأمن القومي العربي، والتحالف مع الدول الإسلامية التي تتعرض هي والعرب لحرب حقيقية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن