ثقافة وفن

«التباس» عرض متبادل ثقافي في المحافظات السورية … المخرج: النخبة تهمني لكنها ليست هدفي

| سوسن صيداوي - تصوير: طارق السعدوني

الغموض، الاشتباه، الإشكالية، الاختلاط. كلّها مفردات تصيب المعنى لكلمة واحدة وهي«التباس». اليوم عبر عرض مسرحي ويأخذ القرار بضرورة تحقيق التبادل الثقافي بين المحافظات، جاءت العروض المسرحية إلينا من محافظة اللاذقية وهنا نقف عند العرض المسرحي (التباس) لفرقة المسرح القومي باللاذقية، حيث استضافت مديرية المسارح والموسيقا هذا العرض على مسرح الحمراء بدمشق لمدة 5 أيام، في نصه لداريو فو وإخراج سلمان شريبة، مقدما كوميديا شعبية تصيب الجمهور وتحقق متعته لخمسين دقيقة، عبر قضايا لا يمكنها أن تنسلخ عن صفات بشرية تتكرر في كل المجتمعات بكل زمان ومكان، والمسرحية من بطولة:حسين عباس، سوسن عطاف، مجد يونس أحمد، غربا مريشة، وسام مهنا، دينا العش.

عين الوطن
أن تصيب همّ الجمهور وتقدم له متعة الفرجة من دون إملال، فهذا بحاجة إلى عناصر اتحدّت لتحقيق الغاية، من بينها الاعتماد على نص الكاتب الإيطالي داريو فو المعروف بالبساطة والسلاسة، والبعيد عن الفذلكة أو الاستعراض، حتى أن جهوزية النص دفعت به للتدريبات بالعربية الفصحى، لتحل محلها اللهجة البيضاء من باب لاحدود أو حواجز معوقة، ما دفع الممثلين لتحقيق الارتجالات المنظمة التي يفرضها النص، ومن تثبيتها واتباعها داخل العروض، ثم يأتي الأداء متفاوتا بمستواه ولكنه في النهاية يحقق المشاهدة المطلوبة. (التباس) قولبت كوميدياً وفي مجرياتها يأتي اللص (تورناتي.. حسين عباس)الذي لا يكذب أبدا، بل يشارك تفاصيل كل سرقاته مع زوجته (ماريا.. سوسن عطاف) المغرمة به إلى أبعد الحدود وهي في آن المرأة القوية التي تسيطر على العلاقة مع زوجها، وكيف عبر تتابع الأحداث يكشف الزوجان خيانة كل من نائب الوزير (فوفي.. مجد يونس أحمد) وزوجته (آنا.. دينا العش)، الأخيرة المتورطة أيضاً بعلاقة حب وتخون زوجها مع (أنطونيو.. وسام مهنا) الذي تمقته زوجته (جوليا.. غربا مريشة) وترمي بحبالها وتحاول دائماً أن تغوي نائب الوزير المتيم بها.
سينوغرافيا موحدّة لأحداث ومفاجأة طُرحت وتتالت كي تكشف حقائق زيف المجتمعات المخملية وما تنطوي عليه من كذب وخيانة ورياء، وعندما كشف اللص الحقائق، يواجهه الكل بفكرة (إن ما حصل هو مجرد التباس) ولابد من الاستمرار بالظاهر الاجتماعي رغم النفاق، وليكون اللص في النهاية هو الشريف.

في حديث المخرج
سبق أن قدم المخرج سلمان شريبة نحو 14 مسرحية، ولكن عن مسرحية «التباس» يقول إنها حققت النجاح الأكبر لأنها لامست الوجع الإنساني الذي لا يعرف زمانا ولا مكانا، مضيفاً في تصريح خاص لـ «الوطن» عن أهمية الكوميديا الشعبية في ملامسة الجمهور وبشرط ألا تكون معتمدة على التهريج فقط «إن نص (لا يأتي كل اللصوص بالمضرة) للكاتب الإيطالي داريو فو، يفضح العلاقات والسلوكيات الأخلاقية المتفشية في المجتمع مثل السرقة والكذب والخيانة في إطار كوميدي لطيف. وأنا دائماً أقول بأن النخبة تهمني ولكنها ليست هدفي أو غايتي، بل هدفي أن أصيب أفكار الجمهور ومشاعره، وبقدر ما يكون العرض ملامسا لهموم الناس وحاجاتهم من أحلام وآمال، بقدر ما نكون قد حققنا التفاعل المطلوب بين الجمهور والمسرح والذي نحن بأمس الحاجة له، وخصوصاً في هذا الزمن زمن العولمة والنت والفضائيات، فجميل جداً أن يأتي المواطن من تلقاء نفسه كي يشاهد عرضاً مسرحياً. ونحن في عرض (التباس) وضعنا هدفنا بأن نقدم كوميديا تُقدّم في الشارع وتعتمد على الارتجال، بلهجة هي أقرب إلى اللهجة العامية البيضاء. هذا وحافظنا على النص كما هو ولكن قرّبناه لواقعنا، انطلاقا من شخصيات موجودة في كل زمان ومكان سواء أكانت تحكي عن الحب أم الخيانة، عن الطمع أم الشجع، عن الغدر أم الكذب، فهي موجودة دائما، وتصلح لكل المجتمعات».
أما عن الارتجالات التي أشار إليها المخرج بحديثه فتوقف عندها وشرح لنا «الارتجال في المسرح يجب أن يكون منظما وأن يتم في التدريبات والبروفات ولكن تثبت كلها قبل العرض، ومن الممكن أن تكون هناك ارتجالات للممثل أثناء العرض والتي يفرضها تفاعل الجمهور مع المشهد ولكنها تبقى ضمن الإطار العام والخط المحدد للنص وللشخصية».
وعن ضرورة عودة ألق المسرح السوري أضاف: «أنا في الفترة الحالية متفائل جداً، فهناك مجموعة من العروض المسرحية في غاية الروعة، وصحيح أنه في الستينيات من القرن العشرين كان ألق المسرح السوري قوياً جداً لأنه لم ينافس من فضائيات ولا انترنت، لكن هذه التقنيات هي التي سرقت الجمهور من المسرح، ولكن رغم المنافسة بقيت العروض مستمرة. أما بالنسبة للنصوص فأنا لا أراها مشكلة لأن المبدع قادر على تطويع النص المطلوب من أي حكاية أو رواية أو قصة، وصحيح أن هناك قلة بكتّاب المسرح ولكنهم معذورون لكونهم ذهبوا للكتابة للتلفزيون، وهذا نتيجة الضغط الاقتصادي والحالة المادية، إضافة إلى أن هذا لا يمنع الجهات المعنية من أن تشجع على الكتابة من خلال إقامة المسابقات ومنح المكافأة التشجيعية».
وعن الجمهور الدمشقي ختم المخرج سلمان شريبة حديثه «الجمهور الدمشقي يمثّل كل الأطياف السورية، لكون العاصمة تضم من كل المحافظات، والكل مثقفون، ولكن يختلف الجمهور المقصود عن غيره من حيث إنه جمهور متابع ومطلع أكثر للحركة المسرحية بحكم أن العاصمة هي مركز المسرح، ولكن هذا لا يمنع من أن أضيف إن اللاذقية هي عاصمة المسرح السوري، وتضج دائماً بالنشاطات والفعاليات والمهرجانات».

البطولة الأساس
وقد عبر مدير المسرح القومي في اللاذقية حسين عباس، ومن قدم شخصية اللص وصاحب دور البطولة الرئيسة في الالتباس، عن سعادته للعرض على خشبة مسرح الحمراء بدمشق «أنا أعمل بالمسرح منذ حوالي خمسة وثلاثين عاما، وكان حلماً لنا ومطلباً بأن يعبُر العرض إلى كل المحافظات السورية، فلم يكن بالإمكان دائماً القدوم إلى دمشق لمواكبة العروض ومتابعتها، فالظروف لا تسمح، لهذا أن يأتي العرض إلينا أمر جد جميل، وهذا المطلب أو الحلم تحقق من خلال مديرية المسارح والموسيقا من سنتين تقريبا، عندما انتبه الأستاذ عماد جلول وقرر أن يكون هناك تبادل بين المحافظات بالعروض، وهذه ليست أول مرة نقدم عرضا بدمشق، ففي الأعوام الأخيرة تم التبادل الثقافي، وقدمنا عرض «أوبرا الشحاتين»، ومسرحية «تحية» في يوم المسرح العالمي. هذا وسعادتي أكبر لأننا جئنا إلى دمشق بعد أن حصد عرض (التباس) أصداء واسعة في اللاذقية، وبأن نحقق المتعة البعيدة عن التهريج للجمهور الذي أتانا طواعية، وأن نُنفّس عنه بما مر به خلال الأزمة، عبر رسائل كوميدية تعرّي المجتمع من أكاذيبه وفساده». وعن النص واختيارهم له بالذات يتابع «العنوان الأصلي للعمل من خلال الترجمة «لا يأتي كل اللصوص للمضرة دائماً» والبعض ترجم العنوان بـ«اللص الشريف» لكننا فضلنا العنوان الحالي للمسرحية «التباس» لكون اللص يصيب عمق المعاناة البشرية، يكشف حقائق ويشعرنا بالنهاية بالتعاطف معه فهو يسرق ليعيش مع زوجته، ورغم أن فعله غير مبرر لكنه لا يقارن بمدى خبث ورياء الطبقة البرجوازية. هذا وكنا بدأنا التدريبات باللغة العربية الفصحى، ولكن حتى نطوع النص ونجعله قريبا منا، قمنا بتبسيطه نحو اللهجة البيضاء، التي هي جسر عبور بين الكاتب الإيطالي وبيننا».

الزوجة المحبة المسيطرة
ومن جهتها حدثتنا الممثلة سوسن عطاف عن دورها «أنا زوجة اللص الذي يسرق كي يعيش، ومن خلال هذا الوضع يدخل على منزل لأحد الأشخاص الذين يمثلون الفئة المخملية التي تمثّل البلد، والمصادفة تُظهر مدى الانحلال الأخلاقي لهذه الطبقة التي تهمها المظاهر بالدرجة الأولى. المفارقات كثيرة، ولكنني أحببت الدور رغم صغره لأنه يمثّل المرأة التي تحب زوجها كثيرا، ولكنها مسيطرة وقوية وهي التي تدير العلاقة وتتحكم بها مع زوجها، هذا التناقض هو الذي شدّني للشخصية». وعن الصعوبات إن وجدت تابعت «النص هو الذي دفعنا إلى الارتجالات، فهو بسيط وجاهز للتمثيل، وطبيعته هذه هي التي دفعتنا خلال التمرينات أو العرض لإضافة بعض الارتجالات التي استمتعنا بها كثيرا».
وحول العرض في دمشق ختمت الممثلة سوسن عطاف «أنا سعيدة بهذه الحركة المسرحية في المحافظات، ولقد تصادف يوم افتتاح العرض في دمشق مع مباراة لكرة القدم، الأمر الذي قلّل من عدد الجمهور ولكن توبعنا في الأيام الأخرى بطريقة مرحبة ورائعة من الجمهور الدمشقي».
مشيرة في النهاية إلى أن الجمهور في محافظة اللاذقية جمهور عاشق للمسرح سواء أكان للكبار أم الأطفال وهو متابع له مهما كانت الظروف أو اشتدت، الأمر الذي يشحذ الهمم لمواكبة العمل الدائم في تقديم أفضل العروض.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن