يبدو أن قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالتخلي عمن دعمهم من بعض قادة أكراد سورية لتحقيق مصالحه لن يتوقف عن فرض مضاعفاته على السياسة الخارجية الأميركية التي يزداد فيها الكشف عن سياسة «ترامبية» جديدة في التعامل الأميركي مع الحلفاء الصغار والكبار.
وتحت عنوان: «ترامب يكشف للحلفاء في آسيا بإمكانية التخلي عنهم» يرى الكاتب السياسي الكندي الشهير جوناثان مانثروب أن عدداً من المتخصصين بالشؤون الدولية الإستراتيجية بدؤوا يعيدون الآن مراجعة بعض السيناريوهات، ويتوقعون من ترامب فرض قواعد جديدة للتحالف، فقد تسبب تخلي ترامب عن قادة أكراد سورية بدق أجراس الإنذار عند دول كثيرة في آسيا، وفي كوريا الجنوبية التي ينتشر على أراضيها، لـ«حمايتها» من كوريا الديمقراطية! 30 ألفاً من الجنود الأميركيين، يزداد الخوف من أن يفرض عليها مليارات الدولارات للقيام بحمايتها وخاصة أنه كان قد أعلن لدول أوروبية ولليابان ولكوريا الجنوبية أن حماية الولايات المتحدة لهم لن تكون بالمجان.
وتتلقى واشنطن مليار دولار سنوياً مقابل انتشار وحداتها العسكرية في الأراضي الكورية، لكنها تطالب الآن بالحصول على 5 مليارات سنوياً، وكأنه يقول لقادة كوريا الجنوبية إنهم إذا لم يدفعوا فسوف يسحب قواته.
في اليابان أصبحت القيادة اليابانية تخشى من زيادة سعر الحماية الأميركية لها لأنها ستضيف 54 ألفاً من الجنود الأميركيين وهو ضعف عدد القوات الأميركية المنتشرة في كوريا الجنوبية، فهل ستدفع 10 مليارات سنوياً؟ وهذا ما حذر من خطورته رئيس «معهد السياسة الخارجية الياباني» كوني مياكيه حين قال: ربما لا يدرك اليابانيون ما يعنيه سحب الوحدات العسكرية الأميركية من شمال شرق سورية وتخليها عن قادة أكراد هناك، وأضاف وهذا ما يجب أن تخشى منه دول الخليج والصومال وشرق تيمور والعراق وأفغانستان إذا ما قرر ترامب تحديد ثمن حمايتها.
تخشى هذه الدول من أن يشكل فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية لولاية أخرى استحقاقاً مالياً كبيراً عليها أمام سياسته الجديدة في رفع أسعار الحماية العسكرية الأميركية، فالمصالح المالية الأميركية لن تتوقف عند بيع الأسلحة الأميركية لدول الخليج وغيرها، بل ستتسع هذه المصلحة لتحديد فاتورة نفقات الحماية العسكرية وعائداتها فتصبح أعباء الميزانية العسكرية لكل دولة من هذه الدول مضاعفة، لأنها ستضطر إلى تغطية نفقات جنودها، وكذلك الجنود الأميركيين المنتشرين في أراضيها، وهذا ما أشارت إليه مجلة «فورين بوليسي» في 20 أيلول الماضي حين أكد تحليل فيها أن بيع الأسلحة الأميركية لهذه الدول لن يكون بديلاً من الوجود العسكري الأميركي لحمايتها.
لا شك أن فاتورة الحماية الأميركية ستتضاعف إذا ما شاركت هذه الوحدات العسكرية الأميركية بحرب مباشرة على غرار حرب الخليج عامي 1990-1991، وترامب طالب بفاتورة كهذه من ألمانيا بسبب وجود القوات الأميركية هناك منذ أكثر من 70 عاماً، فهو سيفعل الأمر نفسه مع قطر والسعودية وغيرهما من الدول العربية التي تتموضع فيها الوحدات العسكرية الأميركية.
المجلة الإلكترونية الأميركية «سي إن بي سي» كشفت في 21 أيلول من العام الماضي 2018 أن ترامب أبلغ دول النفط العربية بأن الولايات المتحدة تنفق 81 مليار دولار سنوياً على حماية النفط العربي الخليجي، وهذا المبلغ السنوي لن تدفعه الولايات المتحدة من ميزانيتها، بل ستفرضه على دول النفط وخاصة أن ترامب كان قد أعلن أن دول النفط العربية الصديقة للولايات المتحدة بدأت تزيد أرباحها من زيادة أسعار النفط بسبب الحماية التي تقدمها الولايات المتحدة لهذه الدول ولإنتاج النفط وتصديره منها.
وحول هذه الحماية وفواتيرها يقول الأدميرال الأميركي دينيس بلير للمجلة الأميركية نفسها: على سبيل المثال ألا يعرف الجميع أن انتقال حاملة طائرات أميركية بمهمة استعراض قوتها في بحار الشرق الأوسط تكلف مبالغ طالة للقيام بمهمة كهذه؟
بهذا الشكل يعد الجيش الأميركي أكبر منتج للثروة المالية الأميركية ما دامت فاتورة نفقات تحركه وانتشاره يحددها رؤساء الولايات المتحدة للدول التي تسمى حليفة أو صديقة لأنها غنية وفي مقدورها دفع الأموال الطائلة باسم حمايتها من قبل الولايات المتحدة، فترامب يتقاسم مع دول النفط كل أرباح نفط شعوبها ومستقبلها.