«الرجل الذي لم يغادر من الأسبوع الأول، ولا من الشهر الأول، ولا من السنة الأولى، وحتى من السنة التاسعة، كيف لنا، والحال هذه، ألا نتخلى عن رهاناتنا الرثة؟ حسناً فعل دونالد ترامب حين آثر الخروج من تلك اللعبة الدونكيشوتية»!
كلام السفير الأميركي الأخير في دمشق روبرت فورد لوزير خارجية خليجي سابق صديق له، قال: «لقد أخطأت، أخطأت كثيراً، حين ظننت أنني سأكون أول من يبعث بالبشرى إلى البيت الأبيض».
أقرّ بأنه أخطأ ثانية حين عزا وقوف الرئيس بشار الأسد في وجه تلك الأهوال إلى التحول الذي حدث في ميزان القوى، «كان عليّ أن أرى الأمور من زاوية أخرى. أجهزة استخباراتنا كانت تشير دائماً إلى النواة الصلبة والمترامية للنظام هناك. في لحظة ما، بدا كما لو أننا دخلنا في حالة من الهذيان. لا أدري كيف أخذنا بكلام الأتراك، وبكلام السعوديين، بأن ساعة التغيير قد أزفت، وما علينا إلا أن نختار الاسم البديل».
فورد تحدث عن صدمته حيال هشاشة وسذاجة وتفكك الحلفاء العرب بوجه خاص. «لم أكن أدري أن المسألة هكذا، وأن حلفاءنا الذين كانوا يتحدثون بلغة واحدة، ربما بصوت واحد، إنما يخوضون وراء الضوء صراعاً هائلاً في ما بينهم، من يصل أولاً إلى القصر الجمهوري في دمشق»؟
وقال: «أشعر كم كانت عيناي مقفلتين، ولم أكن أتصور أن رجب طيب أردوغان يمكن أن يكون على ذلك المستوى من الزبائنية، وأن محمد بن سلمان يأخذ بآراء بعض المستشارين الذين على شاكلة المشعوذين، ربما كانوا يعتقدون أن باستطاعتهم إقناعه بإمكانية الصعود إلى المريخ على ظهر ناقة ».
السفير السابق كشف عن أن ترامب، ومنذ أن تسلم مقاليد السلطة، لم يكن يرى أي جدوى من البقاء على أرض تكرهنا ويكرهنا من هم عليها. الضغط كان يأتينا، بتنسيق أوركسترالي، من الرياض وتل أبيب، أقرب ما يكون إلى صيحة الاستغاثة، ومن دون التغاضي عن الإغراءات المالية الخيالية. كل هذا دفع الرئيس إلى الانخراط في اللعبة. أما أنقرة فكانت ترقص على كل الخيوط ظناً منها أن بوسعها أن تلقي بالآخرين جانباً، وتقيم دولة «الإخوان المسلمين» في سورية.
لعل أطرف ما نقل عن فورد أن ترامب كان يعلم أن أميركا لا تلعب في سورية لحسابها. وكان هناك داخل «الدولة العميقة» من كان يرى أن البقاء التكتيكي لتنظيم الدولة الإسلامية يخدم المصالح الأميركية في أكثر من مكان، انطلاقاً من النظرية القائلة: ليس فقط بتغيير الوجوه، وإنما أيضاً بتغيير الخرائط.
يرى «أننا تعاملنا مع الكرد كمرتزقة لا كأصدقاء. في الشرق الأوسط لا مجال للكلام إلا بهذه اللغة. في الرؤية الفلسفية والإستراتيجية وحتى الأيديولوجية، إسرائيل، إذا ما استثنينا النفط، هي رهاننا. في الواقع، بدأنا نثير الكثير من الهواجس لدى الإسرائيليين إن على مستوى القيادة أو على مستوى القاعدة».
ما قاله فورد يعكس ما يتردد داخل «المؤسسة اليهودية»، عقب «الهروب من سورية»، من أن سياسات ترامب تعبير دقيق عن «اللاهوت المالي في الإستبلشمانت».
أميركياً، بداية التفكير بالدولة اليهودية، كانت مع وودرو ويلسون وقبل آرثر بلفور، السيطرة على الشرق الأوسط. الآن، يبدو وكأن المنطقة تحولت إلى عبء سيزيفي، بعدما توجهت الأنظار إلى مسرح آخر (الباسيفيك)، هل يتخلى الأميركيون عن اليهود؟
ناعوم تشومسكي سبق ونصح بـ«عدم إبدال يهوه بالإله الأميركي». الحلفاء دوماً وقود في لعبة الإمبراطورية. ما حدث مع الكرد يمكن أن يحدث مع اليهود. السؤال البديهي والمخيف في إسرائيل «هل يعني الاستغناء عن النفط الاستغناء عنا»؟
ناحوم بارنيع رأى أن الزمن «يتدحرج في اتجاه آخر»!