يمكن اعتباره شهر كسر الاحتمالات ابتداء من الانسحاب الأميركي السريع من شمال شرقي سورية، إلى حالة اضطراب في لبنان التي بقدر ما تحمله من إمكانية الفوضى فإنها تشكل مسارات سياسة جديدة، وصولاً إلى مساحة العراق التي تعبر عن انهيار المنظومة السياسية رغم جميع محاولات التهدئة، فالأزمة السورية التي ستشهد اجتماع اللجنة الدستورية نهاية الشهر الجاري؛ تشهد أيضاً إيقاعاً سياسياً متحولاً ليس على أرضها فقط بل في محيطها الجغرافي أيضاً.
عملياً لا يمكننا رسم رابط واضح بين جميع الأحداث، وربما من العبث البحث عن ترابط في التداعيات التي تحدث وخاصة تفاصيل الأزمة السورية، فالعلاقة الإقليمية أصبحت أقل موثوقية من أي وقت سابق، وهي لا تملك مرجعية سياسية محددة لأنها لا تملك سياقاً محدداً، فالانسحاب الأميركي من سورية على سبيل المثال لم يخلف فراغاً كما كان متوقعاً، إنما رسم جبهات جديدة تحاول موسكو استيعابها عبر الاتفاق الأخير مع أنقرة، والاضطراب في لبنان الذي يطرح تخوفات من انقسامات وربما الدخول في صراع أهلي، يكبح حرية التحرك الدبلوماسي دولياً وإقليمياً، ونلاحظ أن تسعة أيام من التظاهر لم تستدع أي مبادرة إقليمية أو دولية.
هذا المناخ الإقليمي سيخيم بشكل أو بآخر على انعقاد اللجنة الدستورية، وسيؤثر في نوعية التحالفات الدولية لإنجاح عمل اللجنة وعلى علاقات أطرافها مع الجهات الدولية، فبوابة لبنان تدفع للحذر مجدداً من الذهاب في دعم طرف أو التخلي عن طرف آخر، وربما ستظهر قواعد مختلفة للنظر إلى جميع العلاقات الإقليمية بناء على ما ستؤول إليه الأمور نتيجة التظاهرات المستمرة.
عدم وجود سياق واضح للحدث الإقليمي هو بحد ذاته رؤية جديدة للتعامل مع شرقي المتوسط، وبالنسبة للأزمة السورية فإنه يبدو أن هناك احتمالين أساسيين:
الأول: انعقاد اللجنة الدستورية بحد أدنى من التركيز الدولي دبلوماسياً، فالحدث اللبناني هو الأخطر والأكثر انفتاحاً على مساحات التغيير العنيف أو السلمي، فمهما آل إليه الوضع فإنه سيشكل فضاء إقليمياً مختلفاً ودافعاً إقليمياً لإعادة النظر في الأزمة السورية من جديد، لبحثها وفق ما سيقدمه الوضع اللبناني الجديد.
الثاني: يرتبط بشمال شرقي سورية، فبعد الترتيبات العسكرية هناك مساحة سياسية تحتاج لرسم علاقاتها من جديد، وسينعكس هذا الأمر على عمل اللجنة سواء في أول اجتماع لها أم ضمن مسارها العام عموماً.
لا ينفي الاحتمالان السابقان أي تطورات غير متوقعة، فعلى عكس ما يحدث في الشمال الشرقي لسورية من جهود روسية للتأثير في الحدث، فإن لبنان خالية من التعامل الدبلوماسي المباشر، والحديث عن تدخلات غير معلنة لا ينفي أن ما يجري لا يملك حتى اللحظة نهايات واضحة، ومع وجود أعداد كبيرة من المهاجرين واللاجئين السوريين في لبنان، فإن إمكانية دخولهم بشكل قوي على خط الأزمة السورية أمر وارد، وحتى في تركيا بعد احتلالها لمناطق من الشمال السوري فإن اللاجئين لم يعودوا ورقة تركية فقط، بل زاد احتمال اعتبارهم عاملاً ضمن عمل اللجنة الدستورية.
ما يجري يجعل الأزمة السورية عائمة على مساحة متموجة من الاحتمالات تتطور وتتصاعد، وهو ما سيجعل عمل اللجنة الدستورية أكثر تعقيداً مما هو مرسوم له، لأن سورية هي الجغرافية التي تفصل حالياً بين اضطرابين: العراق ولبنان، بعد أن كانتا منطقي فوضى ضمن علاقات الشرق الأوسط المتوترة.