الأبناء: ليت الأهل يعطوننا الوقت الكافي لتنفيذ أوامرهم … المراهقون ينظرون بعيون مختلفة ويتوقون للحرية والحياة كما يرغبون
| هبة اللـه الغلاييني
قال الفيلسوف والأديب والشاعر جبران خليل جبران: (أولادكم ليسوا لكم، أولادكم أبناء الحياة المشتاقة إلى نفسها) ويخال لكثيرين أحياناً أن جبران أصاب بكلامه أن الأولاد ليسوا أبناء أهلهم، وخصوصاً لو استمع للمراهقين وتطلعاتهم في تغيير أهلهم ليتصالحوا مع الحياة التي يتمنونها. فماذا يريد هؤلاء أن يغيروا في أهلهم؟ ولماذا؟ ما الشيء الذي تتمنى تغييره في والديك؟ سؤال يكشف عن أسلوب المراهقين ومنطقهم في تقييم شكل العلاقة بينهم وبين ذويهم. أما الإجابات فتأتي متنوعة وعديدة، وتتفق مع طاقاتهم الشبابية التي تبث في دمهم نارا حماسية لها فلسفتها الخاصة. منهم من يرغب في الاستقلالية والحرية المطلقة، ومنهم من يشكو التمييز بين أفراد العائلة، وهناك من يرغب في أبوين أكثر إيجابية، وغيره يتوق إلى أن يعامل على أساس أنه لم يعد طفلا، ولا تنتهي التمنيات لكنها بالتأكيد تنحسر وتتقزم أمام احترام الوالدين. ماذا يتمنى المراهقون أن يغيروا في أهلهم؟ الكثير… مع الحب والإخلاص والاحترام. البداية مع هيا حداد (14) عاما، التي تقول بشيء من الخجل: أحياناً أجد أن أمي وأبي يعاملان أختي بأسلوب مغاير عن الذي يعاملانني به. مثلا هما يسمحان لأختي بأن تدعو رفيقاتها إلى البيت، على حين لا يسمحان لي بدعوة رفيقاتي دائما، لا أعرف إذا كانا يفعلان ذلك معها لأنها تصغرني بأربعة أعوام، لكنني أعرف أنني كنت في سنها ولم أحظ بما تحظى به هي اليوم (تسرح هيا مفكرة قبل أن تكمل كلامها) فتقول: أتمنى أيضاً لو أنهما لا يبالغان في حمايتي والقلق علي، ويخففان عصبيتهما الزائدة في بعض الأحيان، لأني لا أحب أن أكون السبب في إغضابهما).
تسكت هيا للحظة قبل أن تعلق ممازحة (ليتهما يعطيانني الوقت الكافي لأنفذ أوامرهما، فهما مثل معظم أهالي أصدقائي يريدانني أن أنفذ بسرعة ولو كنت غير مستعدة (تتنهد هيا وتعترف) ليتني أغير في طبع والدي، ولو كنت أعرف في قرارة نفسي أنهما محقان في اعتماد هذا الأسلوب معي). وتختتم (الحمد لله أن والدي يتفهمانني حين أناقشهما في أمر لا أستسيغه. لذا أكره أن أتشاجر معهما، فأنا أحبهما وأحترمهما كثيرا، وأعتبرهما أغلى هدية أرسلها اللـه ليّ).
من جهته يرغب محمد الشريف (15) عاما (في أن يكون والدي إيجابيين بشكل عام ومتحررين أكثر مما هما عليه الآن، وأن يخففا من الضغوط عليّ في موضوع المذاكرة والأكل في الأوقات التي يريانها مناسبة لهما لا ليّ، وأن يكونا متسامحين في بعض الأمور التي أقوم بها، كأن يسمحان لي بالخروج مع الأصحاب ويخففان من العظات والمحاضرات المطولة). إذاً هي ليست رغبة واحدة عند محمد بل (رغبات) وحين نسأله عن سببها، يقول: (أنا لم أعد طفلا، لكن والديّ يصران على معاملتي كطفل. أدرك أنهما يريدان الخير لي، لكن التشدد المبالغ فيه ليس سليما، فلم لا يتصرفان معي بسلاسة أكثر ويثقان بأني شخص مسؤول وقادر على إدارة أموري؟). يتوقف محمد عند هذه النقطة ويوضح: (أنا أحترم كلمة والديّ وأتمنى على كل الأولاد أن يحترموا أهلهم ويصغوا إلى نصائحهم، لأنها بالتأكيد تصب في مصلحتهم أولا وأخيراً، في المقابل على الأهل التعامل مع أولادهم بصدر رحب وبأريحية أكبر من دون عصبية أو ضغوط) ويقول بنبرة جادة (أحب والديّ جداً وأقدر تعبهما من أجل تربيتنا في أسرة صالحة ومتينة، وأدعو اللـه أن يحفظهما لي ويطيل في عمريهما، فهما الأغلى علي في هذه الدنيا).
(أتمنى لو يتوقف أبي وأمي عن منعي من استخدام الماكياج وارتداء التنانير القصيرة. ولا أرغب في أي أمر آخر) هذا ما تصرح به فاطمة محمد (١٨) عاما، وتقول (أحياناً كثرة انتقادهما لي تشعرني بأنني طفلة تحتاج إلى من يقودها في الحياة، ويعطيها ملاحظات حتى على صعيد ارتداء الملابس المناسبة والماكياج غير الصارخ. هما يريدانني على الصورة التي يحبانها ولا يأخذان برأيي أو يتوقفان عند رؤيتي للأمور) تشرد فاطمة هنيهة قبل أن تعود لتقول: «أحياناً نتناقش أنا وأمي بشأن موضوع المظهر والشكل، أحاول إقناعهما بأن جيلي غير جيلها، فننتهي بأن تقنعني بأن عليّ احترام مجتمعنا المحافظ وتربيتنا الشرقية (وباستسلام واضح في صوتها)، تعلن فاطمة بصراحة: أمي وأبي على حق، وأنا أحاول أن أرضيهما لأنني أحبهما بجنون، ولكن أراني أيضاً مضطرة إلى مواكبة الموضة وما هو رائج بين بنات جيلي».
باعتزاز كبير، يتحدث محمد شاهين (١٧) عاما عن أهله قائلا: (أنحني لأهلي ولأسلوبهم في تربيتي أنا وإخوتي). لكن، في المقابل لا يخفي محمد تحفظا صغيرا يتعلق بخوف والديه عليه، فيخبر) هما يخافان عليّ كثيرا، ويقلقان من خروجي ويتمنيان عليّ دوما التخفيف من هذه المسألة والانتباه إلى دراستي، وأنا في الحقيقة أتمنى لو أنهما يخففان من خوفهما عليّ ومن التشدد في مسألة خروجي). ويعقب قائلا (أعرف أنهما على حق، وأنه من الطبيعي أن يخافا عليّ في هذا الزمن الذي تغيرت فيه معايير الشباب، وباتوا يتصرفون بشكل مناف لتقاليدنا وتربيتنا وعاداتنا، إلا أنني أعرف جيداً أن أصدقائي مثلي تربوا أحسن تربية. لذا لا خوف منهم عليّ). ويتابع محمد كلامه، فيقول (إن حرص الأهل ضروري، لكن يجب إلا يبالغوا فيه خصوصاً مع الولد، بل ليتركوا له حرية التنفس لكيلا يتمرد ويخرج عن طاعتهم، فتقع الطامة الكبرى وتبدأ المشكلات التي لا يمكن توقع نتائجها)، ويختم (لو كان سلوك أهلي أو أسلوبهم معنا مختلفا، لناقشتهم وحاولت إقناعهم بوجهة نظري، لكنهم رائعون بكل المقاييس، لا بل هم في نظري نعمة من رب العالمين).
من جهته، يشكو سامي زين الدين (١٥) عاما من إفراط والديه في حرصهما عليه، ويعلق مضيفاً (هما يعرفان تماما أنني أصبحت في سن المراهقة، ويمكنهما تركي وحدي لأنني قادر على التصرف باستقلالية، وأنا مسؤول بطبعي ولا أحتاج إلى رعايتهما المفرطة لي، وكأنني طفل صغير لا حول له ولا قوة (ويكمل ساخرا) هما لا يسمحان لي بالخروج وحدي، ولا استخدام وسائل المواصلات، فيا حبذا لو أستطيع تغيير هذا الأمر فيهما (إلا أن سامي يعود ليعترف بأنه اعتاد أسلوب والديه) ويقول: صراحة أنا أنزعج من تماديهما في الحرص عليّ، وفي الوقت عينه أحاول أن أناقشهما فيما اعتبره حقا من حقوقي، وأثبت لهما أنني مستعد لتحمل المسؤولية من دون أن أعاندهما الرأي) ويختتم سامي بصوت جاد (أحب والدي على الصورة التي هما عليها، فنحن عائلة متماسكة، وأنا متفوق في صفي ومتميز، وكل هذا يعود لفضلهما عليّ واهتمامهما بي).
ومن الناحية النفسية، يوضح الدكتور عبد اللـه حامد (أستاذ مشارك في قسم علم النفس والإرشاد) أن تغيرات نفسية وجسدية وشخصية وهرمونية كبيرة تحدث للفرد في طور المراهقة، وربما تقلل تلك التغيرات من قدرته على التكيف مع محيطه الاجتماعي والثقافي، ويقول: خلال هذا الطور ينتقل الفرد من مرحلة الطفولة إلى مرحلة البلوغ، وينظر إلى نفسه على أنه لم يعد طفلا، وأن على الجميع إدراك ذلك، والتعامل معه على هذا الأساس، ويضيف إن الحساسية المفرطة في النواحي العاطفية والاجتماعية، وفقدان السيطرة على السلوك والانفعالات والرغبات، جميعها تقلل من القدرة من القدرة على التكيف. كما أنه في هذه المرحلة أيضاً تتشكل هوية المراهق، ويكون أكثر قربا من أقربائه، وأكثر تأثرا بهم وبسلوكهم، وأقل تقبلا لإرشادات ورغبات الوالدين، فتتسم علاقته بهما بالتوتر والشد والجذب. ويكمل الدكتور عبد اللـه حامد قراءة شخصية المراهق ويقول: المراهق يحب أن تحترم خصوصيته وأن يعامل كشخص بالغ، وأن تكون نظرة الوالدين تجاهه إيجابية، وأن يعبرا له عن فخرهما وحبهما له، ويتمنى أن يحملاه بعض المسؤوليات ليشعر بأنه كبر. كما أنه يميل إلى أن يتم استغلال طاقاته المتدفقة استغلالا إيجابيا، من خلال إعطائه أدوارا في إدارة شؤون الأسرة وغيرها. ويتابع مؤكداً (أن المراهق لا يحب بالطبع لجوء الوالدين إلى العقاب البدني، بل حل المشكلات عن طريق النقاش الهادئ البناء، إلى جانب قضاء أوقات كافية معه باحترام وتقدير). مرتكزا إلى ما ذكره، يتوجه الدكتور حامد إلى الأهل بالنصيحة، حيث يشدد على أنه (يجب على الوالدين تفهم التغيرات التي تؤثر في نفسية وسلوك أبنائهما، وأن تتصف علاقتهما بالحميمية والدفء وتوفير الدعم والتسامح، مع التركيز على معايير وضوابط صارمة للسلوك المقبول. كما عليهما تقبل حقيقة أن أبناءهما لم يعودوا أطفالا، وأن يتعاملا معهم على أنهم أصدقاء يستمعان لهم باهتمام وتفهم).
من جهة ثانية، يبين الدكتور عبد اللـه حامد أسلوب رد فعل المراهقين على سلوك الأهل، فيقول (يتعامل المراهقون مع الأمور التي لا يحبونها بطرق مختلفة. منهم من يلجأ إلى العنف ضد الوالدين وضد الآخرين، وهناك من يلجأ إلى الانعزال والانغماس في الذات، وآخر يلجأ إلى الانعزال والنظرة السلبية للذات، أو إلى أصدقاء السوء والانحراف. وهناك، بالطبع الذي يتخطى هذه المرحلة بهدوء ومن دون مشكلات تذكر).
ويختتم (إذا لم يتم التعامل مع المراهق بحكمة، فقد يؤدي ذلك إلى خلل في شخصيته وفي هويته، وقد يصاب ببعض الأمراض النفسية، أو يقع في مشكلات تعرضه للمساءلة القانونية، هذا إذا لم ننس مشكلاته الكثيرة مع أسرته).