ثقافة وفن

المجتمع الأهلي استقلالية عن الدولة وتنظيم ومبادرة … أخطر ما يهدد الجمعيات السلوكيات الخاطئة من إداراتها

| جُمان بركات

جمع كتاب «إستراتيجية إدارة الجمعيات الأهلية وأثرها في التنمية الشاملة» الصادر عن دار البشائر ولمؤلفه د. محمد جهاد بسام الصباغ بين فنون وعلوم، ورصدت لحظة تاريخية عصيبة تمر على دمشق وما حولها، محاولة تجلية صورة العمل الأهلي غير الحكومي في حالتي السلم والحرب، همها رأب صدع حاضر، وضبط وضع قائم، واستشراف مستقبل آت، مستفيدة من تجارب الجمعيات العالمية في مجال العمل التطوعي للارتقاء به في بلادنا، وأنه علم يخضع لمقاييس الجودة، بعيداً عن العشوائية أو العاطفية أو التلقائية، وأن الجمعيات الأهلية غير الحكومية أضحت في دائرة الدراسات الإدارية والأكاديمية.

العمل الخيري
جاءت الدراسة لتطل على العمل الخيري الأهلي بمقاصدها الإسلامية الإنسانية، غايتها الإنسان حياته وصحته وأمنه النفسي والاجتماعي، ولتضبط إيقاع هذا العمل الخيري من العشوائية إلى التنظيم متحدية الذهنية الموروثة والقائمة، ليدخل إليها من باب علوم الإدارة الحديثة والتنمية البشرية وإدارة مواردها، متعرضاً لنماذج ومستويات من الجمعيات العاملة في دمشق وما حولها في هذه الظروف، راصداً أداءها مصوباً بعلمية أكاديمية لمخرجاتها، ملمعاً ومثبتاً أن العمل الطوعي أضحى فناً من الفنون وتخصصاً إدارياً، ينبني على أسس في علم الإدارة والتنمية البشرية بعيداً عن العواطف من غير الإغراب والتغرّب عن البيئة أو الفكر أو الثقافة التي يعيش فيها ويعايش. وإن رمت تصنيف هذه الدراسة في خانة علم أو فن من الفنون، قد تصنف بعلم الإدارة ويمكن تصنيفها في دائرة العلوم الاجتماعية أو علم الاجتماع الإداري الذي تميز بالتأصيل الفكري الإسلامي.

المجتمع الأهلي
في تعريفه للمجتمع الأهلي يقول الصباغ: هو مجتمع مستقل إلى حد كبير عن إشراف الدولة المباشر، ويتميز بالاستقلالية والتنظيم وروح المبادرة الفردية والجماعية والعمل التطوعي والحماسة من أجل خدمة المصلحة العامة، وفي عمله العلمي اهتم الصباغ بمعالجة الواقع واستخلاص عبره لاستشراف المستقبل، هذا البعد الغائب الذي لم يعطه الباحثون ما يلزم، وفي غرسه معالم عن طريق نجاح العمل الأهلي ككل الأعمال، أكد الباحث ضرورة الإفادة من التقنيات الحديثة مثل الحاسوب، وسائل الإيضاح والشرح، وبرامج التواصل الاجتماعي، وأنظمة الترميز، والتركيز على المعلومات الإدارية وبثها وأفضل طريق لها هو التلاؤم مع منتجات العالم المعرفي.
إن ملامسة محمد جهاد الصباغ لأحد شرايين الضعف في المجتمع العربي خاصة والإسلامي خاصة، تجلت بتعرضه للعمل الفردي والابتعاد عن العمل الجماعي، ومن عوامل الضعف في العمل الأهلي ضعف التمويل ومرد ذلك إلى انعدام الثقة من المتبرعين بالجمعيات الأهلية.

النهوض بالجمعيات الأهلية
للجمعيات الأهلية رؤى حضارية، ترتكز على مفهوم التنمية الشاملة بكل مناحيها الاجتماعية والاقتصادية والتربوية، وغير ذلك فالأصل في عمل الجمعيات الأهلية يجب أن يتجه لبناء الإنسان وحمايته من عوامل التخلف وهي الفقر والجهل والمرض، والعمل على دعم الأمن الغذائي والمأوى الأمن والإصحاح (الصرف الصحي). وهذا البحث هو محاولة للتعريف بأصول إدارة الجمعيات الأهلية وأهدافها، وواقع العديد من الجمعيات وأسباب إخفاق الكثير منها مع كثرة إمكانياتها ومؤسساتها، وجمع القوى وتوجيهها باتجاهها الصحيح، والتخطيط لدعم نقاط القوة والقضاء على نقاط الضعف للنهوض بواقع الجمعيات الأهلية.
ولكي تتمكن الجمعيات الأهلية من النهوض في المجتمع يجب توفر عوامل كثيرة منها الإدارة والتخطيط والخبرة والمستوى العلمي العالي، والمصداقية والشفافية، مما يدفع بالجمعيات الأهلية للارتقاء إلى العمل المؤسساتي ذي النظام الإداري الناجح. من هنا تأتي أهمية هذا البحث الجامعي ليفصّل الحديث عن العمل الأهلي الذي يُعنى بالجانب التنموي في مختلف صوره ودلالاته لاسيما أن العالم الإسلامي والعربي يعاني من أزمات متعددة والتركيز على سورية حالياً التي تعاني من أزمة عميقة واسعة عجزت المؤسسات الإنسانية العالمية عن إيجاد حلول لما أصابها، وهذا يتطلب مزيداً من الجهود المتضافرة التي ينبغي أن تتحد فيما بينها إدارة وعناصر، وإن اختلفت تسمية هذه الجمعية عن الأخرى.
من أجل ذلك تم التأكيد على ضرورة التزام الجمعيات الأهلية بتنفيذ أعمالها عن طريق التخطيط والتنظيم عبر العمليات الإدارية، وصولاً إلى الأهداف المحددة والارتقاء بالعمل الإداري ووضع خطة إستراتيجية تتجه إليها الأنظار في مرحلة التنفيذ، فالعمل الأهلي له موقع مهم في الميدان الاقتصادي والنشاط الاجتماعي، وكل ذلك يتطلب فكراً إدارياً وعملاً مؤسسياً وإستراتيجية واضحة المعالم وإرادة صادقة وعاطفة إنسانية.
مشكلات

في الواقع، هناك قصور كبير في عمل الجمعيات الأهلية التي تنشط في سورية، في هيكلها الإداري والتنظيمي والتنفيذي، لذلك بات من الضروري العمل على تجاوز هذه الأخطاء التي تعرقل العمل الأهلي والمجتمعي في هذا البلد الذي ينزف من 2011، وأن تكون هذه الجمعيات وتلك المنظمات التي تعنى بالعمل الأهلي باباً من أبواب الخير لكل من يقصدها، وهذا هو الهدف من وجود تلك الجمعيات والمنظمات، وأحد السبل المهمة لإنقاذ الإنسان المحتاج هو العمل الجماعي، وهذا جزء من عمل الجمعيات الأهلية التي يقوم على إدارتهامن يفتقر القدرة على إدارة هذا العمل بشكل جيد وفعال، مما يؤدي إلى ضياع الجهد، وهدر أموال كثيرة، فيقل النفع وإن استمرار الجمعيات بذلك الأداء يؤدي إلى فقدان الهدف المنشود من وجودها وإعراض الكثيرين عن دعهما.
وأحد أخطر ما يهدد عمل تلك الجمعيات تلك السلوكيات الخاطئة التي يقوم بها القائمون على إدارتها، لذلك قدم الصباغ بحثاً يقوم على تبيان تلك السلوكيات الخاطئة ووضع حلول يمكن من خلالها النهوض بعمل تلك الجمعيات وتحديد نقاط الضعف الموجودة في الأنظمة المعمول بها في تلك الجمعيات وكيفية التغلب عليها والبحث عن الوسائل التي يمكن من خلالها القضاء على ظاهرة تفشي المزاجية في أداء العمل عند المديرين والكادر الإداري في تلك الجمعيات والقرارات العشوائية في تنفيذها وفقدان المنهج الإداري في التنظيم والممارسة، فوقعت الجمعيات الأهلية بين إدارة فاسدة أو ضعيفة وبين مشرفين لا يعرفون علم الإدارة ولا يؤمنون بمبادئها، إضافة إلى فئة أخرى منتفعة أو أنانية، تشبع غريزة الأنا وحب الزعامة، أو خاضعة لقوى اجتماعية وسياسية، لذلك كان من الضروري إيجاد حلول فاعلة للمشكلات وهي نقص الفكر الإداري وسوء تطبيقه وعدم الاعتراف به أصلاً.

الأهداف
ومن أهم ما يعترض عمل الجمعيات هو ما خلفته الأزمة من تدمير وتفتيت لتلك العلاقات التي كانت تحكم كل أطياف المجتمع، حيث لم تعد تلك العلاقات متزنة وتبنى على الثقة والأريحية ولذلك تم وضع أهداف البحث ومنها الوصول بالكوادر البشرية في الجمعيات الأهلية إلى أعلى مستوى من الأداء الفني والإداري وذلك من خلال إستراتيجية التدريب والتطوير والتأهيل للعاملين، والعمل على إعداد الكوادر الشابة إعداداً صحيحاً، وتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص بين الجنسين حيث تصل تلك الجمعيات إلى الأهداف المبتغاة لتقديم خدمات أكثر كفاءة وفاعلية وبوسائل حضارية وأساليب إنسانية، ونشر إستراتيجية الفكر الإداري والتنظيمي للعمل الأهلي والشراكة المجتمعية، والتأكيد على أهمية العمل الجماعي، ومكافحة الفقر من خلال إتاحة الفرص لتوظيف الشباب والشابات في مؤسسات العمل الإنساني، ومكافحة الجهل الإداري، وعرض آليات عمل بعض من نماذج الجمعيات الأهلية في دمشق، وإستراتيجية بناء الإنسان السوري دون النظر إلى دينه أو طائفته وذلك من خلال مكافحة ثلاثية التخلف وهي الفقر والجهل والمرض للوصول إلى التنمية الشاملة، ونشر ثقافة التطوع بين الشباب والشابات وتطوير أدائهم، والتركيز على رعاية الأطفال ودعم الأسرة والتغلب على المشاكل، ومساهمة الجمعيات الأهلية في تحسين المستوى المعيشي للفرد ورفع المستوى التعليمي.

تساؤلات
يختم الصباغ البحث بعدة تساؤلات: ما أهم الخطط الناجحة للنهوض بإدارة الجمعيات الأهلية؟ وكيف يمكن لهذه الخطط أن تكون فعالة وناجحة على أرض الواقع؟ وكيف يمكن إعادة هيكلة البناء التنظيمي للجمعيات الأهلية؟ وما الوسائل المتاحة للتنمية الشاملة في عملها؟ وهل حققت الجمعيات الموجودة في مدينة دمشق الأهداف المرسومة لها منذ نشأتها وإلى الآن؟ ما العقبات التي تعرقل عمل الجمعيات؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن