إلى الآن لم أكتب شيئاً.. ولم أقدم مشروعي الشامي الحقيقي … سليمان عبد العزيز لـ«الوطن»: أكتب باللهجة البيضاء وللممثل أن يضيف ما دامت مقولة العمل واضحة
| سارة سلامة
هي ملكة فكرية ومهنة وهواية يمارسها الكاتب سليمان عبد العزيز من خلال الكتابة، يتبنى أعمالاً أو ربما لا. إلا أنه يعمل بحب وإخلاص مهما كان المشروع سواء تبناه أم لا، في شخصيته رجولة تصف حال ابن مدينة عامودا في الجزيرة السورية، وما تتخلله تفاصيل بلده من حكايات وقضايا يتأنى في روايتها تمثل له مشروعه الأول في الكتابة، فمنها انطلق مطالباً بجنسية من خلال لوحة «أجنبي»، وبعدها يدخل البيئة الشامية من خلال «الأميمي» الذي حقق نجاحاً باهراً وكان الفيزا لدخوله «باب الحارة» وكتابة أربعة من أجزائه، لينطلق ويقدم العديد من الأعمال مثل «دامسكو» و«وهم» و«الحرملك»، الذي عرض في الموسم الفائت وكسب متابعة كبيرة، وأدخلنا زوايا الدولة العثمانية وما كان يحدث في الخفاء بجو أنثوي شائق، على الرغم من أنه ليس مغامراً ولم يتجرأ إلى الآن على كتابة قصة عشق ربما ينتظرها.
في حديثه معنا تطرقنا لمسيرته منذ البداية وانتهاء بجديده وما يحضره الآن في هذا الحوار.
بداية لنتحدث عن انطلاقتك في عالم كتابة السيناريو؟
على الرغم من أنني أكتب منذ زمن إلا أن بدايتي كانت من خلال مسلسل اجتماعي بعنوان «فوق السقف»، وقدمت 3 لوحات، أهمها لوحة «أجنبي»، وطرحت فيها جانباً من محافظة الحسكة، والناس التي حرمت من جنسيتها، فأنا من الناس الذين لم يكن لديهم جنسية، حتى صدور مرسوم رئاسي أعطاني حقي، وهي لوحة محببة وقريبة مني وطرحت فيها مشكلة واقعية.
هي قصة والدي الذي خدم في الجيش العربي السوري وبعد ذلك حرم من الجنسية، من خلال إحصاء قديم ظلم العديد من الناس ووضع إشارة عليهم.
كم مهم أن يتحدث الكاتب عن واقعه أو يقتنص حكاياه من الشارع؟
بالطبع لأن الكاتب هو جزء من ذلك المجتمع ولا يستطيع الانفصال عن واقعه وعالمه، فهو يستشعر كل القضايا المرتبطة بمحيطه وجواره ليحولها إلى حكاية فيها عبرة، ولكن لا بد للكاتب من الاستعانة بالخيال، فالواقع إذا ما أخذناه كما هو فسيكون جافاً ويحتاج إلى عملية تجميل واستعارة.
إلا أن الانطلاقة الفعلية بالنسبة لك هي في مسلسل «الأميمي» تحدث لنا عن هذه التجربة؟
الفرصة الحقيقية التي كنت أنتظرها أتت في «الأميمي»، وهو عمل مهم حقق أصداء جميلة واشتغلته بكل حب وإخلاص. وهنا أشكر الفنان عباس النوري لأنه صاحب الفكرة الرئيسية.
وأنا أؤمن بأن نجاح أي عمل فني يحتاج إلى مجموعة من العناصر أولها النص وآخرها الإخراج كما أن التسويق يلعب دوراً مهماً والممثل النجم الذي يقف أمام الكاميرا والإكسسوار والديكور والإضاءة لذلك أقول إن النجاح هنا جمعي.
و«الأميمي» عمل بيئي ذو صبغة تاريخية يتناول فترة ما بعد خروج إبراهيم باشا.
ألم تخف بعد نجاح «الأميمي» مما ستقدمه؟
بالعكس تماماً لأن نجاحه ترك عندي دافعاً أكبر وحماساً لأكتب أفكاراً عديدة، وطبعاً أفكاري كانت قديمة وأكتب منذ زمن ولكن لم يكن يُقرأ لي.
مَنْ دعمك حتى أصبح يُقرأ لك، وكيف وصلت؟
لم يدعمني أحد إلا أنني تعرفت إلى الفنان عباس النوري عند ذهابي لمعالجة نص لمصلحة شركة «غولدن لاين»، حيث إنه لم ينل إعجابه لأنه من النوع الشامي الشعبي الخيالي الذي يحمل العديد من المثل العليا لا يستطيع أن يتقبلها المشاهد، وقال لي إنه يملك فكرة «الأميمي» هو سماه وكتب كلمات الشارة. وأتحدث بصراحة لأنني لا أستطيع أن أنسب شيئاً لي لم أفعله. وبطبيعتي أكتب باللهجة البيضاء وأفتح المجال للممثل أن يضيف وهذا شيء صحي ما دامت مقولة العمل واضحة.
بعدها دخلت مسلسل «باب الحارة» من خلال 4 أجزاء؟
اتصل بي بسام الملا واتفقنا وكتبت 4 أجزاء.
ماذا أضفت لـ«باب الحارة» وماذا أضاف لك؟
لا أحد يستطيع إنكار القيمة المضافة التي يعطيها العمل لأي شخص يعمل به من خلال اسمه والماركة التي صنعها، وخضت العمل وأحببته على الرغم من أنه ليس مشروعي واشتغلته بحب وإخلاص وأعطيته الكثير من الوقت.
أما أنا فأضفت للعمل خطوطاً عديدة وغيرت به، وعملته من لحم ودم، وخير وشر، ولم تبق شخصيات كرتونية.
برأيك هل نجحت تلك الأجزاء؟
العمل كان مستمراً بنجاحه ووقعه إلا أنه كان منتقداً منذ الجزء الأول من النقاد السوريين، وفي المقابل كان هناك أعمال تشبهه لم يتعرض لها أحد، ربما هذا الضوء الكبير كان يزعج المنتجين وخصوصاً أنه استمر بتفوقه رغم تعدد أجزائه.
إذا عرضوا عليك كتابة جزء جديد هل توافق؟
لا أعتقد ذلك، مع أنني لم أتعد على حقوق أحد، وفور دخولي العمل سألت عن حقوق الكتابة للكتاب السابقين ورأيت التنازلات وكتبت على إثرها، لأنني لا أقبل الدخول في مشروع كان لغيري قبل التأكد من كامل الحقوق القانونية.
هل كنت حراً في الكتابة؟
كنت أتمنى أن أضيف الكثير من الخطوط وأطورها لكنني لم أعمل بكامل حريتي.
ما الذي قيدك؟
ليس تقييداً إنما هو نوع من الحفاظ على الجو العام للمسلسل.
«دامسكو» كان مع باب الحارة 7، برأيك هل حقق النجاح المطلوب؟
حقيقة أي كاتب يتمنى أن يصرف على عمله ببذخ شديد، ولكن انحكمنا في هذا العمل بشروط المؤسسة، وهنا أستعير كلمة ديانا جبور عندما قالت: إن المؤسسة «هي الجدار الاستنادي الذي يسند الدراما السورية»، وبتلك الفترة كان هناك حصار وحرب تتعرض لهما درامانا، وهناك أعمال تنتج في المؤسسة لم تأخذ حصة كبيرة من الكعكة. و«دامسكو» عمل معاصر يحكي عن الصناعة الدمشقية القديمة وعن الحرف فيها.
هل تعتبره نجح بغض النظر عن الظروف التي مرّ بها؟
لا نستطيع أن نقول إنه نجح أو أخفق، ربما كان مقبولاً بالنسبة للظروف القاسية التي تعرض لها وخصوصاً أنه عمل محلي بحت ويتحدث عن الشام.
مع أنك لست دمشقياً إلا أن الكثير من أعمالك تحمل الطابع الشامي؟
الشام بالنسبة لي هي مدينة ساحرة، صحيح أنني من عامودا، المدينة التي تبعد عن دمشق قرابة 900 كم، إلا أنني قرأت كثيراً عن دمشق، وأمضيت فيها 25 عاماً، لكنني إلى الآن أشعر بأنني لم أكتب شيئاً، ولم أقدم مشروعي الشامي الحقيقي.
ما المشروع الذي تنتظر إنجازه عن دمشق؟
هناك فترة أحب التطرق لها كثيراً بين المماليك والعثمانيين، حينها دخلت الشام مرحلة أخرى ذات صبغة تاريخية، وأشعر أنه من الواجب فضح ممارسات العثمانيين لأنها إمبراطورية متخلفة ورجعية، حكمت باسم الدين إلا أن تفاصيل السلطنة وسلاطينها وولاتها كانت فاسدة، وكانت الناس مجبرة على أن تعيش تحت حكمهم.
وحالياً بدأت بكتابة العمل وهو باسم «العنب الزيني» ويتألف من 60 حلقة، يتناول مرحلة خروج المماليك ودخول العثمانيين، وأضيء على فسادهم وكيف سيطروا على بلدنا الذي يعرفون قيمته تماماً تجارياً واقتصادياً، حيث كانت دمشق تشكل المتنزه الصحي والصيفي لولاتهم مثل إبراهيم باشا الذي دخل إليها ولم يخرج منها.
مسلسل «وهم» ظلم إنتاجياً أيضاً تحدث لنا عنه؟
العمل عُرض على قناة «الجديد» بعد عام من إنتاجه، ويتطرق إلى موضوع لم يطرح سابقاً في الدراما السورية، هو موضوع الهجرة والفساد المالي السياسي، وكيفية شراء الأصوات وتزوير الانتخابات، ويحكي عن حياة السوري الذي عاش تداعيات وآثار الأزمة، وموضوع الهجرة الذي ينطلق في كل شخص من وجهة نظر خاصة به.
والعمل كتبته قبل الأزمة عن الهجرة التي تحدث في الجزيرة وعندما بدأت الهجرة في الحرب عدلنا الأفكار، وأحببت العمل رغم ظروفه الإنتاجية الصعبة.
أعمالك في المؤسسة لاقت ظلماً إنتاجياً، هل ستتعامل لاحقاً معها في عمل جديد؟
حقيقة أحب العمل مع المؤسسة لأنني ابن هذا البلد وأعمل من وجهة نظر مسؤول تجاه درامانا، واشتغلت معها 3 أعمال، وأعتبر أنني أعمل مع الدولة. ويفترض أن أقدم ما أستطيع لأن ذلك يدعم الدراما السورية وأنا جزء منها، والقضية ليست دعماً أكثر مما هي إيمان بأنني إذا أردت الانتشار يجب الانطلاق من بلدي والتفوق محلياً وبعدها كإقليم ومنها إلى العالمية.
طموحك أين ممكن أن يقف؟
طموحي لا يمكن أن يتوقف، وأطمح أن أكتب دراما مشتركة وأكتب لمصر وأكتب فيلماً يأخذ مهرجانات عالمية.
كم تستغرق وقتاً في الكتابة؟
أحتاج إلى وقت في التحضير وليس للكتابة، وتقريباً أمضي قرابة الشهر ونصف الشهر إلى شهرين لإنجاز العمل.
هل تقبل معالجة النصوص درامياً، وما الحد الذي تعمل خلاله تحت هذا المسمى؟
ككاتب محترف أرى حجم المعالجة وحجم التعب وأصحح خطوطاً وأخطاء وخطاً ربما نسيه الكاتب، ولا أتدخل في غير ذلك حتى لا أصبح كاتباً للنص، ويجب أن يتبنى الكاتب الأساسي عمله ويكون مسؤولاً عنه وإلا يحاسب من يشتري النص. ونحن نواجه مشكلة في هذا الإطار تتعلق بمن يقيم النص حيث إنه لا يملك القدرة على التقييم. وتتحمل الشركة المنتجة عدم اختيارها لقراء لهم أهلية حقيقية بتقييم النص.
إذا كان هناك نص غير شرعي ومسروق، هل نملك في سورية قانوناً يحمي الكتّاب؟
بالتأكيد هناك قوانين، ومن حيث الفكرة نرى تشابه العديد من الأفكار، ولكن النصوص التي تسرق تتعرض لقضاء مسؤول ولجنة تطابق النصوص.
النمط في مسلسل «حرملك» هل هو مأخوذ من «حريم السلطان» وكيف تفسر التشابه الكبير في الشخصيات من وجود الأنثى والديكور واللباس وغيره؟
كان المسلسل يحمل اسم «أوراق التوت» وليس «الحرملك» يقص حكاية الإخوة الخمسة فيه «الحكم دارية» والخان والجواري، فاقترح المنتج أن يغير اسمه إلى «الحرملك»، ووافقت على ذلك، والعمل فكرتي ولم آخذه من أي مرجع، وللأمانة لم أشاهد مسلسل «حريم السلطان» إلا أنه بالتأكيد عمل ناجح تجارياً.
أتقصد أن الفترة الزمنية التي طرحتها قريبة للنسخة التركية في «حريم السلطان»؟
أتحدث عن وجه التشابه حينما حكمنا العثمانيون لسنوات طويلة. ونلاحظ إلى الآن هناك استخدام لبعض مفرداتهم في حياتنا من الطعام إلى اللباس، فهي كانت الدولة منذ 100 و5 أعوام، وأقوم بتسليط الضوء على مفاصل التاريخ وفضح ممارساتهم الرجعية، وعندما تطورت مصر في عهد محمد علي كان ذلك بسبب خروجه عن العباءة العثمانية.
وتميزت تلك المرحلة بالخان والجواري الذي كان تابعاً مالياً لـ«الحكم دارية»، وأتطرق إلى المرحلة التي أعلنت فيها الدولة العثمانية إفلاسها، حيث استعانوا بأي طريقة لجلب المال.
وكانت كلمة السرّ التي تساعدهم في السيطرة على الناس هو الدين، طبعاً الدين بالشكل السلبي والطاعة العمياء للسلطة، وكان يسمى السلطان خليفة المسلمين هذه سمات تلك المرحلة التاريخية لها صبغة خاصة فكان لا بد من التقاطع ربما في الديكور والملابس.
هل نجح العمل بالشكل المطلوب الذي حشد له إنتاجياً؟
العمل حقق أصداء كبيرة عند الناس، وبالطبع حصلت الشركة المنتجة على النتائج المعنوية وربما المادية.
ما الجديد الذي تحضره في الجزء الثاني؟
في هذا الجزء سننتقل إلى مرحلة أخرى وهي تطور الإخوة وتطور بعض الجاريات وهناك الكثير من الأحداث الجديدة، والآن فإن 70 بالمئة من الجزء الثاني صُور، والجزء الثالث سيحمل عناصر مفاجأة بكل المقاييس. وسنرى شخصيات جديدة عربياً ومحلياً.
ماذا تحضر أيضاً؟
أحضر «الجوع» وهو عمل مشترك اجتماعي معاصر، إضافة إلى «العنب الزيني» وهو شامي تاريخي.
هل تؤيد فكرة الأجزاء أم تخاف منها؟
بالتأكيد أحب تلك التجربة ولا أخاف من الورق لأنه في كل جزء يجب أن يكون أقوى إنما أخاف عليه إنتاجياً فقط.
مَنْ مِنَ الكتَّاب يجذبك إليه بأسلوبه، أو تتأثر به؟
أتأثر بأسامة عكاشة، ومحمد جلال عبد القوي، ووحيد حامد.
ممكن أن نراك في عمل ذي صبغة كوميدية؟
بالتأكيد ولا يوجد رهان على العمل الكوميدي، وهناك نصيحة من الصديق الفنان أحمد الأحمد أسدى إليَّ بها «أنه من الخطأ كتابة نص كوميدي والصحيح كتابة نص ظريف لايت اجتماعي»، لأن المباشرة والنكتة هي للممثلين.
هل نعاني قلة الكتّاب في سورية، ولماذا؟
بالطبع ولكن لأسباب لا أعرفها.
اليوم «عامودا» تتعرض لغزو عثماني ما أثر ذلك فيك ككاتب؟
بكل تأكيد ذلك يؤثر في مزاجي ككاتب ولا أستغرب من العثمانيين وخصوصاً المجرم أردوغان كل ذلك الإجرام الذي يمشي في عروقهم، إلا أن أسرتي هناك لم تهاجر وطلبت منهم أن يبقوا في المنزل مهما حدث وقلت لأهلي موتوا على شرفتنا ببيتنا أفضل من النزوح المرير واللجوء العصيب، وكان أبي تغمده اللـه برحمته يقول دائماً «سأموت على درج البيت.. ولن أخرج منه»، لأن المسير للمخيم موت والحياة بالملاجئ موت. وأنا شخص مؤمن. ولكن الآن بفضل اللـه دخل الجيش السوري للمنطقة واستعادها.
في كلمة أخيرة ماذا تقول؟
أتمنى أن أكتب عملاً عن الجزيرة على وقع مسلسل «خربة» و«ضيعة ضايعة»، ولكن لا يوجد رأس مال يدعم ذلك فنحن لنا لهجتنا الخاصة، والجزيرة منطقة متنوعة جداً بين كردي وماردلي وسرياني وعربي ومسلم وغيره.