هو كاتب يصح فيه قول الشاعر الإيرلندي شون أوكاسي في ديوانه (الغراب الأخضر): الغراب هو شخص فتى مرح على الرغم من معطفه الداكن كالحبر. إنه الكاتب السوري باسم سليمان الذي يوقع تحت نصوصه بكلمة (الغراب)، كان لي معه الحوار التالي:
تُكثر من الصور الشعرية في القصة والرواية؛ ألا يؤثر هذا في السرد؟
من خصائص سردي أنه متخفّف من الحكائية الخطية؛ إذ يعتمد على الحكائية العمودية المستندة على مستقيم أفقي، ولكي أنجز السهم الدلالي المتصاعد للحدث السردي كان لابد من تدعيمه بالصورة الشعرية، إنه أشبه بنبتة الملفوف، فعلى القارئ أن ينزع الأوراق كلها حتى يصل إلى اللب وعندما ينتهي من القراءة يكتشف أن المعنى فاته وحتى يحوزه، عليه بإعادة لصق أوراق الملفوف إلى ساقها ولا يوجد أفضل من الصورة الشعرية لفعل ذلك، رغم خطورة استخدامها وهذا ما فعلته في رواية «نوكيا». وتكون الخلاصة: عندما يسرد الكاتب يشبه وضعه حال من يلعب بالبيضة والحجر، فعليه الحذر من أن يكسر البيضة وألا يهشم أصابعه بالحجر.
لمست قصصاً لديك لا تتجاوز الأسطر! هل تؤمن بالقصة الومضة أو القصيرة جدأ؟
في مجموعتي القصصية (تماماً قبلة) هناك قصة اللوحة إضافة إلى قصة المسافر، تكادان أن تحتلا نصف المجموعة القصصية، إنهما من القصص الطويلة جداً وهناك قصص لا تتجاوز الجملتين! الحاكم في القص هو الحدث وما يحتمل من خطوط طول وعرض فأحياناً، يمتد الحدث حتى يشكل كرة أرضية وأحياناً لا يعدو أن يكون شهباً.
تخوض في الثالوث المحرم، ما مبدؤك وأنت تخوض غماره؟
لربما يصح أن أستعير من النقد فلسفة نقد النقد ومن هنا يجب الإشارة إلى أن الكتابات عن السياسة والجنس والدين خلقت نوعاً من الكهنوت الذي يحجب تلك المقدسات وإن كانت تنقدها فهي لا تكسر صنماً إلا لترفع صنماً آخر، وهنا يكمن دوري ككاتب أن أفكك نقد المقدس لأنه تحول إلى مقدس آخر، فالعلم المستقر كالجهل المستمر كما يقول النفري.
تنوّع في كتاباتك، قصة، شعر، رواية، فتبدع، فأين تجد قلمك؟
أنا قارئ في الأساس، قارئ يكتب! ولأن القارئ يملك تمام الحرية والاختيار فيما يقرأ، فأنا أشعر أن لي الحق بذلك، لأني عندما أكتب أمارس القراءة، فإلى أين تقودني القراءة، سأجد قلمي.
في كتابك (تشكيل أول) نجد مجموعة من النصوص، تحت أي جنس أدبي تضعها؟
تشكيل أول كان أول جنوح لي إلى شط الكتابة، جماله يكمن في أني كنت فيه نظيفاً وغير ملوث بالقراءة والكتابة كما الآن، أما نوع التجنيس الذي يندرج تحته تشكيل أول فكما سميته أول مرة: نصوص، فليس من اللائق تغيير الأسماء بعد أن تلهج بها الألسن.
أين يكمن العجز؟
لكي نرى الشريط السينمائي من دون تقطيع لكونه مؤلفاً من صور متتالية يجب أن تمر أمام العين أكثر من عشرين صورة في الثانية الواحدة ومن هنا لو كان للعين القدرة أن ترى العشرين صورة في الثانية الواحدة منفردات، لما كان باستطاعتنا أن نرى الفيلم وكان علينا أن نزيد سرعته حتى تعجز العين عن رؤية الصور بشكل منفرد وعليه يصبح العجز أسلوب رؤية ومعرفة فلا يعود عجزاً.
أين القارئ العربي؟
القارئ العربي كالظن قليله إثم! أما كثيره فيقين، وأتمنى أن يصبح القارئ العربي يوماً يقيناً.
في رواية نوكيا نجد أن الشخصية المحورية هي «باسم» هل رواية نوكيا نوع من السيرة الذاتية؟
لا أثق بالسيرة الذاتية إلا أمام الملاكين منكر ونكير في القبر، أما في رواية نوكيا، فالهدف من تسمية إحدى الشخصيات باسم مؤلف الرواية هو السخرية والتهكم من الحرية التي يتكلم عنها الكتّاب بأنهم تركوا لشخصيات الرواية حرية الحركة، بعيداً من إملاءاتهم وللحقيقة الكاتب هو أكبر ديكتاتور في العالم! في رواية نوكيا يوجد ثلاث شخصيات رئيسية: باسم ويمثل العالم الافتراضي، محمود يمثل التخييل، وداني الواقع وفي النهاية يموت محمود ويهاجر داني ويستحوذ باسم سرد الرواية، فيصبح كاتباً، له التخييل والواقع.
مخلب الفراشة هو ديوان عن الحب، فكيف ترى الحب؟
لنعد إلى التعريف القديم للحب، فلقد صنفه القدماء كنوع من الأمراض وفي المرض يتداعى بقية الجسد والروح والنفس للسهر على العضو المريض إلا أن الحب مرض صحي جداً.
الببغاء مهرج الغابة ديوانك الأخير، تتكلم فيه عن الحشرات والحيوانات والنباتات.. أين الإنسان في هذا الديوان؟
الإنسان موجود في اللغة والكتابة التي تشكل بنية الديوان، أما المضمون الذي ذكرته، فهو محاولة لإعادة الأسماء والصفات والنعوت للكائنات الأخرى بعيداً من قصدية الإنسان الذي صبغ بها اللغة، ومن هنا أذكر مقطعاً من الديوان ليتضح القصد: (العين مرآة الرّوح/ طوبى للذبابة / لها/ ألفُ عين وعين).
لمن ترفع القبعة؟
للغراب لأنه طائر أسطوري بجدارة، خلق العالم لدى الهنود، ولدى أودين رب الفايكنغ كل من العقل والذاكرة يتمثلان بغراب، والغراب زارع النخلة الأولى في الفرات، ومطعم النبي إيليا في نفيه، الغراب من خلق الشمس لدى الهنود.
إذن ترفعها للعقل والخصب والذاكرة؟
المعنى الذي أقصده أنّي أرفعها للأسطورة، فهي الأم الحقيقية للتخييل البشري، ومن دونها كنا ما زلنا نتلمّس أولى خطواتنا في الحضارة.