قضايا وآراء

المخابرات العسكرية الأميركية والبغدادي

| تحسين الحلبي

اعتادت الإدارات الأميركية في تخطيط سياساتها العدوانية على تطبيق مبدأ يستند غالباً إلى وجود خطة يطلق عليها «أ» وخطة يطلق عليها «باء» وحين يؤدي تنفيذ الخطة «أ» إلى الفشل وعدم تحقيق الهدف تنتقل إلى الخطة الثانية. وبموجب هذا المبدأ تقوم الإدارات الأميركية في الوقت نفسه بالاعتماد على سياسة إيجاد الحليف العلني المباشر والحليف السري غير المباشر لتحقيق الأهداف المطلوبة وقد طبقت بشكل واضح هذا المبدأ في حربها وعدوانها على سورية منذ البداية فضمت المجموعات المسلحة التي تحمل اسم المعارضة إلى تحالفها العلني وكانت في الوقت نفسه تجد في داعش وجبهة النصرة والقاعدة الحليف السري، وبهذه الطريقة توجهت كل المجموعات المسلحة هذه ضد الجيش العربي السوري ومؤسسات الحكومة برغم المنافسة والتناقض الشكلي بين المجموعات المسلحة لما يسمى المعارضة وبين مجموعات داعش التي تقبل واشنطن بتسميتها إرهابية لتبرير تدخلها في سورية.
حقيقة العلاقة بين واشنطن وداعش كان قد كشف عنها بشكل موثق من المصادر الرسمية الأميركية نفسها الكاتب والمحقق السياسي توني كارتالوتشي في تحليل نشره في 27 تشرين الأول الجاري في المجلة الإلكترونية «أكتيفيست بوست» حين ذكر أن «وكالة المخابرات العسكرية الأميركية – دي آي إي» نفسها سربت في عام 2012 مذكرة تعترف فيها بأن الدول الغربية ودول الخليج وتركيا كانت وراء الظهور القوي لما أصبح يطلق عليه «الإمارة السلفية» وجاء في الوثيقة التي تحمل الرابط «bdf» «lealed 2012 report» في نص مقاله: «وإذا انفرط الوضع وتفكك فثمة إمكانية لتأسيس إمارة سلفية علنية أو غير علنية شرقي سورية «الحسكة ودير الزور» وهذا بالضبط ما تريده القوى الداعمة للمعارضة من أجل عزل النظام السوري الذي يعد العمق الاستراتيجي لإيران والعراق».
وتضيف وثيقة المخابرات العسكرية الأميركية أن «المقصود بالقوى الداعمة للمعارضة هو: الغرب ودول الخليج وتركيا التي تؤيد المعارضة السورية بينما تعد روسيا والصين وإيران من الدول الداعمة للنظام»، وتؤكد الوقائع بعد عام 2012 أن مجموعات داعش «وإمارتها السلفية» هي التي جسدت هذه النتيجة التي خططت لها إدارة أوباما وإدارة ترامب من بعده، ولأن داعش شكلت ما يشبه التحالف سراً مع واشنطن ضد سورية ظهر بشكل واضح بموجب ما نشرته الصحف الأميركية وبخاصة «يو اس تودي» الأميركية أن أسلحة أميركية كثيرة انتقلت من أيدي المعارضة «الحليف العلني للولايات المتحدة» إلى أيدي الحليف «السري المسخر» لمصلحة الولايات المتحدة في منطقة شمالي شرقي سورية لكي تسرع في عملية إيجاد «إمارة داعش» في الرقة وتوسعها حتى الموصل! ويشير كارتالوتشي إلى أن المحقق السياسي الشهير سايمور هيرش كان قد حذر في صفحات مجلة «نيويوركر» في عام 2007 أن «الولايات المتحدة تخطط لتسليح السلفيين المتشددين للعمل ضد سورية وحلفائها»، وهو التوقيت الذي يتصادف مع مرحلة ما بعد هزيمة إسرائيل في حرب تموز 2006 ضد حزب اللـه وسقوط مشروع «الشرق الأوسط الكبير» الذي أعلنت عنه وزيرة الخارجية الأميركية حينها كوندوليزا رايس أثناء زيارتها إلى بيروت في نفس أيام وعمليات الحرب على لبنان في ذلك الوقت.
ويتساءل كارتالوتشي: «وما معنى الغارة على البغدادي»؟ فيؤكد بأن عملية «قتل البغدادي هي في أفضل الاحتمالات تشبه تصفية عميل لها ولا يمكن أن يطلق عليها «انتصار» فهي مجرد عملية مسرحية لإعادة نوع من المرجعية للولايات المتحدة».
الحقيقة أن الإدارة الأميركية بموجب ما يمكن قراءته بين سطور تصريحات ترامب أخرجت العملية بما يشبه أفلام هوليوود التي تتقن صناعتها ويبدو أن اختيارها لهذا التوقيت يخدم مصلحة محددة حان وقتها لأنه تصادف مع إعلان ترامب قبل أيام بأنه بعث بقوات أميركية لحماية آبار النفط السورية في شمالي سورية من استيلاء مجموعات داعش عليها! على حين إنه أعلن في مناسبات سابقة أن القوات الأميركية وحلفاؤها قضوا نهائياً على مجموعات داعش في تلك المنطقة، فلا أحد يمكن أن يشك أن المخابرات الأميركية تعرف بوجود البغدادي في إدلب المكتظة بكل أنواع المجموعات الإرهابية منذ لحظة وصوله وكان في مقدورها تصفيته في ذلك الوقت لكنها تدرك أنه تحت سيطرتها ونفوذها لإمكانية توظيف دوره بما يخدم مصالحها فوجدت أن تصفيته في هذا الوقت ستشكل لها مصلحة مهمة بعد كل ما قامت به داعش.
يبدو أن واشنطن تريد الآن أن تتحول مجموعات «قسد» إلى مهمة حماية آبار النفط السورية التي تسيطر عليها القوات الأميركية لكي تنفق مما تسرقه من أموال نفط سورية على المجموعات الإرهابية التي تتحالف معها علناً أو سراً!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن