خلال حملته للانتخابات الرئاسية الأخيرة، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن مشروع غريب أراد تطبيقه إن تم انتخابه رئيساً للجمهورية الفرنسية، تخفيف السرعة القصوى المسموحة على الطرقات من 90 كيلو متراً في الساعة إلى 80 كيلو متراً، مسوغاً هذا المشروع بهدف تخفيض أعداد الضحايا لحوادث السير، باعتبار أن الإحصاءات الرسمية تجمع أن السرعة الزائدة والقيادة تحت تأثير الكحول سببان أساسيان لارتفاع عدد حوادث السير في فرنسا.
فعلياً، ما إن نجح إيمانويل ماكرون بانتخابات الرئاسة في عام 2017 حتى بدأت الحكومة بتنفيذ هذا المشروع على أرض الواقع، لتتحول القضية إلى مادة للتندر والسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي بسبب ابتعادها عن الواقع والمنطق، فالحكومة التي تسعى للتقشف تبنت ما يمكننا تسميته كماليات الكماليات وتجاهلت لب المشاكل الاجتماعية والاقتصادية عندما قررت دفع ما يقارب 50 مليون يورو لاستبدال اللوحات الطرقية التي تحدد السرعة القصوى الممكنة. كما أن هناك من ربط الفكرة بشبهات فساد، تحديداً بعائدية أو ملكية الشركة التي نفذت المشروع وهي حكماً ليست من القطاع العام، لدرجة ذهب فيها البعض بتعليقاتهم للقول:
إن كنت مرشحاً للانتخابات ولا تمتلك المال لتمول حملتك الانتخابية، أعلن عن مشروع لتخفيض السرعة من 50 كيلو متراً في الساعة إلى 40.
لكن كما يقول المثل الشعبي فإن «حساب الحقل لم يطابق حساب البيدر»، فالتقارير والإحصاءات الرسمية الأخيرة أظهرت ارتفاع عدد حوادث السير ما نسبته 17 بالمئة، وهي نسبة كبيرة قياساً بدولة قالت إنها تسعى لتخفيض الوفيات بهذا المشروع ليكتشف الجميع أن الدولة خسرت الأموال، وخسرت الأرواح.
أما الحكومة الفرنسية فوجدت نفسها فجأة أمام مطب كتلك المطبات المنتشرة على طرقاتنا في سورية دون حسيب أو رقيب، لذلك بدأت حملة مضادة للدفاع عن مشروعها وتبرير فشله، فخرج أحد المطبلين كأولئك الذين نراهم في أعراسنا الشعبية لا مناسباتنا الوطنية «كي لايتم الخلط»، ليدافع عن المشروع ويسوغ إخفاقه بهمجية تظاهرات «السترات الصفراء»، فقال:
إن متظاهري «السترات الصفراء» قاموا بحرق الكثير من الرادارات الطرقية وإخراجها من الخدمة، هذا الأمر جعل الكثير يقودون بأريحية دون الشعور بمراقبة الرادارات، فتجاوزوا السرعات فارتفعت نسبة الحوادث.
دون مبالغة، لو أن للتطبيل «جائزة نوبل» لاستحقها هذا المطبل دون عن غيره من المطبلين في أصقاع الحكومات. ليس ذلك فحسب، أرى أن هناك إمكانية للاستفادة من خبراته في المنطقة العربية فيما لو مولت حكوماتها قيامه بتأليف كتاب أسماه:
«الكامل الجميل في فن التطبيل». أشعرني هذا المطبل وكأنه يستحق عقداً احترافياً في دول أعرفها للعب كرأس حربة في فريق المطبلين، عندها سنضمن له جائزة «الطبل الذهبي» دونما منافس.
في الخلاصة: مهنة التطبيل للحكومات وقلب الحقائق ليست حكراً على دول الشرق البائس فحسب، هناك من يتبرع للدفاع عن إخفاق المشاريع بطريقة تبدو وكأنها مستمدة من ثقافة شرقية، لكنها في النهاية تبدو ثقافة عالمية باعتبار أن أي حكومة قادرة ببساطة أن تشتري من يدافعون عنها ويطبلون لها. أن التطبيل للحكومات ليس حكراً على دولة ما، لا تصدقوا أن دولة في العالم لا يوجد فيها أولئك الذين تستطيع شراءهم وشراء تطبيلهم بأبخس المبالغ، لدرجة نستطيع فيها القول:
ألا يستحق التطبيل يوماً عالمياً نكشف فيه حقائق المطبلين؟!