«درس قاسي» تجربة نفسيّة مجسّدة على المسرح … د.سمير عثمان لـ«الوطـن»:على الشباب تحمّل مسؤولية أعماله.. فالضغوط والظروف لا تبرر ما ليس أخلاقياً
| سوسن صيداوي- ت: طارق السعدوني
بين أن نكون مطيعين وأن نكون أصحاب مسؤولية وقرار، يأتي التعنيف كي يكون سيد الموقف والدافع بالتسلّط، نحو أن نحقق الذات أو نلغي شخصيتنا. العنف والقسوة التي عشناها في أيام الحرب القاسية، دفعت الكثير من الشباب بألا يصيبوا في قراراتهم، بل أن يتحولوا إلى جناة حقيقيين، الأمر مطروق وممكن الحدوث لكون الطبيعة البشرية تميل للخير وللشر، وما يجعلها تقرر أين تكون بالمكانين… هو العقل. للمزيد عن هذا الصراع النفسي للتحكّم بالآخر والسيطرة عليه، ودفعه لاتخاذ قرارات غير صائبة بل وغير أخلاقية أو إنسانية، يقام العرض المسرحي(درس قاسي)على خشبة مسرح القباني بدمشق، ليظهر هذا الجانب إضافة للكثير من الإشكاليات التي أعدّها المخرج د.سمير عثمان الباش عن نص بنفس العنوان للكاتب الروسي المعاصر فالنتين كراسنوغوروف. (درس قاسي) من تمثيل-حسب الظهور: توليب حمودة، كرم حنون، فرح الدبيات، أوس وفائي. وللمزيد حول العرض نقدم لكم بعضاً من الجوانب التي أثارها كل من المخرج والممثلين.
في الأحداث
في الإشكاليات التي تطرحها المسرحية نبدأ من الحب والخطوبة والفارق الطبقي والتناسب الاجتماعي بين كل من الطالب «يزن- كرم حنون» والطالبة «لورا- توليب حمودة» اللذين يأتيان إلى مختبر الكلية حيث ينتظران «د.إبراهيم- أوس وفائي» الأستاذ في علم النفس لمتابعة تجربته الجديدة، ومن الحب ينتقلان بالحديث-جدلاً بين بعضهما-حول شرعيّة هذه التجارب وأخلاقيتها، مروراً بمُساعدة د.إبراهيم «إليسا- فرح الدبيات» والتي عُرفت بالكلية على أنها تحمل شهادة في الماجستير في علم النفس الاجتماعي، بالإضافة إلى جاذبيتها وعلاقتها الغرامية بالدكتور. لننتقل إلى أنّ هذه المُساعدة ستخضع للتجربة النفسية والتعذيب على الكرسي الكهربائي مقابل مبلغ من المال، ولاختبار إن كان البشر قادرين على الحفظ والتعلّم بشكل سريع تحت ضغط الخوف والعقاب. وبمرور الأحداث سنعرف بأنّ الجامعة ليست بموافقة على إجراء هذه التجربة، وسنشهد التباين بالمواقف ما بين البشر، بين من منهم قادر على التعذيب تحت الضغط السلطوي أو الإغراء المادي، أو من يخضع للتفكير بأنّ هذه التجربة ونتائجها يمكن أن تقدّم للعلم وللإنسانية والمجتمعات خدمات بإيقاف التعذيب والضرب الذي يتعرّض له الأطفال خلال الدورة التربوية والتعليمية، أو بين من يبقى ثابت المواقف والمبادئ ولا شيء يمكن أن يؤثر على قراره.
الأخيران تجسّدهما الطالبة «لورا» التي قبلت بخوض التجربة كي تطور من تحصيلها بالعلامات في فصلها العلمي، إضافة لتقرّبها من الدكتور «إبراهيم» لكنها تتوقف عن تعذيب(إليسا) والضغط على زر الكرسي الكهربائي. في حين الطالب «يزن» يتأثر بسلطة الدكتور الذي يتمكن من تطويعه لمتابعة التجربة، وعندها نجد (يزن) يمارس التعذيب بشراسة ووحشية مع كل خطأ ترتكبه مُساعدة الأستاذ، لتفقد وعيها عندما يصل مستوى الكهرباء إلى حد(300) فولت، وفي دوامة الهلع والخوف مع طلب الإسعاف من الطالبة «لورا»-التي تعود لتقتحم المختبر- تصحو (إليسا) لتعترف أنها ممثلة مسرحية وكل ما مرّ خلال التجربة هو تمثيل ومُتفق عليه مع الدكتور، ولا يوجد بالأساس كهرباء موصولة إلى كرسي التعذيب، فالتجربة هي لمعرفة كيف الإطاعة تلغي الذات وتجعل المرء يستجيب للأوامر وممكن أن تحوّله إلى مجرم.
التماهي بالعمق
أشار المخرج د.سمير عثمان الباش إلى أنّ مسرحية «درس قاسي» والتي قام بإعدادها عن النص الدرامي للكاتب الروسي المعاصر فالنتين كراسنوغوروف -ويحمل الاسم ذاته- أنّ العمل يبحث في الأصول النفسية والاجتماعية في سلوكيات العنف والقسوة، متابعاً العمل هو تجربة نفسية مجسدة على خشبة المسرح، وهي تجربة حيّة نقدمها للجمهور، ومن خلال العرض سيتابع الأخير هل سينفع أثر العنف والعقاب الجسدي في عملية التعليم أم لا. كما يثير العرض المشاكل العالقة والتي تدور حول قصص الحب من حيث تناسبها وعمقها وفق مثلثات غرامية بين أربع شخصيات حاضرين في ظروف التجربة العلمية في المختبر.
أما حول الإضافات الواردة في عرض «درس قاسي» للمرة الثانية أشار المخرج د.الباش «نحاول من خلال العرض الثاني أن نتماهى أكثر كطاقم كامل وأن نفهم تفاصيل المسرحية بعمق أكبر، وعلى الأكيد بأنّ أي تفصيل تمت إضافته فهو بغاية التعميق ليس أكثر».
خاتماً حديثه أن المسرحية موجّهة إلى الشباب، لأن مسألة القسوة هي مسألة يعاني منها الشباب السوري بعد سني الحرب الماضية، هذا العمل روسي وموجه للشباب الذين عليهم أن يدركوا بأنهم على مفترق طرق ولا شيء يبرر تصرفاتهم، وأن يفكروا ملياً قبل أن يتصرفوا بأي تصرف، وخاصة في هذا العمر المطروح بالعمل، حيث يكون الشاب محتارين بأنفسهم، ولا يحسنون التصرف أو الاختيار، وأتصور بأن هذه مهمتنا ورسالتنا بضرورة أن يكون المرء مسؤولاً أمام أفعاله، وبأن يختار منها الأخلاقي، والكاتب بالعموم في معظم أعماله يتحدث عن هذا الأمر، لأنه يهتم بتهذيب وصقل الفرد بشكل نهائي، ومن خلال هذا العرض بالذات يقدم أحداثاً تكون كالموشور وتوضح للشباب حُسن الخيار. وفي النهاية الرسالة التي توصلها المسرحية بأنه على الإنسان أن يتحمل مسؤولية عمله، مهما كانت الظروف أو الضغوط قاسية، فكلّها لن تبرر ما هو ليس بأخلاقي».
في السلطة على الفرد
حدثنا الممثل أوس وفائي وهو الدكتور النفسي «إبراهيم» بأن هذا العرض يلامس الإنسان ويثير التساؤلات، مثلاً كيف سيكون رد فعل الإنسان إذا وضع بالظرف نفسه، أو كيف سيتصرف إن وضع تحت التعذيب خدمة للعلم والإنسانية: «يقوم الدكتور إبراهيم بتجربة حقيقية، وتعود لعام1961 للعالم ستانلي ميلغرام، وجاء الكاتب الروسي وكتب أحداث المسرحية القائمة على صراع الطاعة والضمير، ومن خلال الأحداث يلاحظ الجمهور كيف يتمكن الدكتور«إبراهيم» من تنفيذ التجربة مستغلاً سلطته على الطلاب، وكيف أثبتت النتائج في النهاية بأنّ الإنسان لديه هذا الجانب وأنه يميل نحو العنف، أما عن الشخصية، فلقد قرأتها وأجريت التقاطات المناسبة واشتغلت عليها كثيراً كي أتمكن من إيصالها للجمهور».
وعن تفاعل إحدى المتفرجات من الجمهور وتوجيهها الحديث للممثل «أوس»، وتصديقها لما يدور على الخشبة، عقّب وفائي «المسرح الذي نقدمه مسرح واقعي، وحتى لو تفاعل معنا أحد من الجمهور، أنا اعتبرتها من التلاميذ الحاضرين في التجربة واستمررت في أدائي، ولكن هذه الحالة حفّزتني أكثر، وأوقن بأننا نُصيب بأدائنا وبأن الجمهور قد صدّق ما يشاهد. لقد كان تفاعلها جدّاً رائع».
بين الحب والعلم
بدورها الممثلة توليب حمودة التي قامت بدور «لورا» تتحمل ضغطاً كبيراً في الشخصية التي تجسدها سواء من حيث تنفيذ التجربة، أو اعترافها للدكتور بحبها له، مع الوجع ما بين القبول والرفض، والبوح أو الصمت، وعن حبها للمسرح تضيف حمودة لـ«الوطـن»: «أنا خريجة المعهد العالي للفنون المسرحية، والخشبة تعني لي الكثير بالرغم من أنّ الاهتمام بها قليل، وهناك قلّة بالعروض الجيدة. وأنا سعيدة جداً بالحضور الذي ملأ الصالة وتفاجأت كثيراً، فالأمر حمّلني عبء مسؤولية كبيرة، مع تحدّ لنفسي كي أقدم الأفضل، وهذا المشهد جعلني متفائلة كثيراً بالقادم».
في تطويع الشباب
من جانبه جسّد الممثل كرم حنون دور«يزن» الشاب الغني والمُترف الحال والذي يعاني من ضغوطات أهله في اختيارهم له أساسيات حياته من تعليم وزواج، وكيف في معرض الأحداث يكون طوعاً للدكتور «إبراهيم» الذي سيطر عليه كي يتمم التجربة وينسى نفسه ويعنّف المُساعدة بالضغط على الزر من أجل تحقيق الصعق الكهربائي عندما لا تتمكن من الحفظ للأبيات الشعرية الشكسبيرية، ولكن عن تجربته في «دور قاسي» يقول كرم: «هذه المرة الثانية التي أعتلي فيها خشبة المسرح، في البداية وفي أول دقائق أشعر بالرهبة – وطبعاً الأخيرة لا تقل بتكرار العروض-ولكنني اليوم أشعر بالجرأة والقوة أكثر، وهي قادمة من المسؤولية لأن لديّ رسالة عليّ أن أوصلها، وخاصة بأنّ الشخصية التي أقدمها بعيدة عني ولا تشبهني، وطبعاً هكذا التجربة هي صعبة ولكنني أستهويها وأرغب بتكرارها بشكل يومي، وبانتهاء كل عرض أشعر بسعادة كبيرة».
بين التمثيل والحقيقة
في حين قامت الممثلة فرح الدبيات بدور «إليسا» وهي في الحقيقة ممثلة لكنها تمكّنت من إقناع الجميع بأنها مساعدة الدكتور «إبراهيم» وتحمّلت شدّة الصدمات الكهربائية حتى أوهمت كل من «لورا» و«يزن» بأنها فارقت الحياة، لتضيف:«بيني وبين شخصية «إليسا» التي أجسدها هناك الكثير من النقاط المشتركة، سواء من الأشخاص الذين عانوا الحرب أو الأشخاص الذين يتحملون الضغوط، أو حتى الأشخاص الذين يسعون كي يطوروا من أنفسهم كي يكونوا أفضل. ولكن هذا لا يمنع من أن أؤدي شخصية لا تشبهني بل سيكون في الأمر تحدّ أكبر بأن أثبت نفسي وهدفي من التمثيل، وهذا الأمر أحدده عندما أقرأ النص، وصحيح أنّ الأمر أصعب، ولكنه أجمل، أما عن التزامي بالمسرح، الأخير يعني لي كثيراً وأنا ملتصقة به.. لقيمته، فهو في دمي منذ كنت بالصف الرابع الابتدائي، وصحيح أن الالتزام بالمسرح لا يكفي كي نعيش ونلبي متطلباتنا، إلا أنّ المتعة التي تشدّني كي أختبرها بكل عرض وبكل تجربة جديدة، لا تشبه التلفزيون ولا السينما، فالمسرح مختلف بتحدي إثبات الذات، والتعبير والإحساس من الممثل يصل إلى الجمهور مباشرة، وسأسعى دائماً بأن أعتلي الخشبة ما دامت المحفزات قائمة».