اقتصاد

قراءة خاصة في التأمين الصحي … من يدفع أكثر من شركات إدارة النفقات يحصل على الحصة الكبرى

| بقلم د. هشام ديواني - مستشار في التأمين الصحي

يطالعنا المسؤولون منذ عام 2017 عن خطط لانتشال التأمين الصحي من الحفرة العميقة التي يتم توسيعها يومياً له، كما تعددت المقالات في الصحف المقروءة والإلكترونية وحتى في الإذاعة والتلفزيون، التي تتحدث عن اهتمام رئيس مجلس الوزراء بقطاع التأمين، وخاصة بعد الزيارة الميدانية التي قام بها بمشاركة وزير المالية إلى هيئة الإشراف على التأمين سابقاً.

في البداية لا بد أن نتساءل: هل التأمين الصحي حادث طارئ في بلدنا، أم إن هنالك إجراءات اتخذت بهذا الصدد؟
للإيضاح، لا بد أن ننطلق من دستور الجمهورية العربية السورية، وهو أب القوانين، الذي لم تتبدل فقراته الخاصة بتوفير الضمان الصحي للمواطن منذ الاستقلال، منطلقين بعدها إلى المراسيم والقوانين والقرارات والإجراءات ذات الشأن لهذا الخصوص.
نصت المادة 22 من الدستور على أن تكفل الدولة كل مواطن وأسرته في حالات الطوارئ والمرض والعجز واليتم والشيخوخة، وتحمي الدولة صحة المواطنين وتوفر لهم وسائل الوقاية والمعالجة والتداوي.
ونصت المادة 25 على أن التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية أركان أساسية لبناء المجتمع، وتعمل الدولة على تحقيق التنمية المتوازنة بين جميع مناطق الجمهورية العربية السورية، على حين نصت المادة 40 على أن تكفل الدولة الضمان الاجتماعي والصحي للعمال.
كما أدرجت الحكومات السورية المتعاقبة التأمين الصحي في القوانين والقرارات.

ليس أمراً طارئاً
من خلال المراسيم والقوانين والقرارات، ندرك أن التأمين الصحي ليس بالأمر الطارئ في بلدنا، وكان عملاً بدأه المشرع والباحث وصاحب القرار منذ أكثر من خمسين عاماً، إلا أن خطواته لم تكتمل.
ونجد أنه من المفترض أن يكون الموظف في سورية سواء في القطاع الإداري أم القطاع الاقتصادي، مشمول بالتأمين الصحي منذ عام 1960، أي بعد سنة من صدور قانون التأمينات الاجتماعية رقم 92 لعام 1959، والذي ألزم بالتأمين الصحي للعاملين في الدولة بعد سنة من صدور القانون.
ويحدد المرسوم 327 الصادر عام 1969 وجود صناديق ضمان صحي في الوزارات، تبعه بعد ذلك صدور القانون رقم 1 لعام 1979 والقاضي بإحداث هيئة الضمان وتشميل العاملين به كمرحلة أولى.
وبحسب ما أعلنته إحدى الصحف المحلة، فقد تم تشكيل لجنة رئيسة مؤلفة من جهات عديدة لإعداد رؤية هيكلية وإدارية وتنظيمية لمشروع التأمين الصحي انبثقت عنها 4 لجان فرعية خرجت بخطوات تمهيدية للخطوات المستقبلية التي يجب أن ينتهجها قطاع التأمين الصحي، وتحدد الطريق للوصول إلى منتج تأميني حقيقي، وهناك مستلزمات أساسية هي العنوان الأهم لهذه الخطوات والهدف من ذلك تعزيز الرعاية الصحية في سورية من خلال تطوير مشروع تأميني متكامل، وأشار حمدان إلى أن هذه اللجان الأربع درست الواقع التأميني الحالي ومن أهم مخرجات اجتماعات اللجنة التشريعية تأسيس شركة مساهمة مغفلة متخصصة بأعمال التأمين الصحي تعمل وفق أنظمة محددة نظراً لخصوصية موضوع التأمين وبرأسمال يتراوح بين 3 – 4 مليارات ليرة سورية، يتمثل نطاق عملها بالتغطية التأمينية للعاملين في القطاع العام والمشترك وعائلاتهم وتسهم جهات القطاع العام ذات الطابع الاقتصادي بنسب متفاوتة فيها.

تفصيل
لا بد من الإشارة إلى أمر مهم حول المراحل السابقة التي درس فيها التأمين الصحي من خبراء حقيقيين، وليس طارئين، قد يحاول البعض منهم تفصيل شركات على مقاسات البعض، مؤكدين دور وزارة الصحة الإيجابي والفعّال في هذا المجال.
بدأت وزارة الصحة في العام 2000 وبالتنسيق مع الهيئة المركزية للإحصاء بجمع البيانات الإحصائية حول الإنفاق الأسري على الصحة، وعدد العاملين في قطاعات الدولة، وتكلفة الطبابة لهم، وكذلك موازنات الوزارات التي تعنى بصحة المواطن وتشمل وزارة «الصحة، التعليم العالي، التربية، الشؤون الاجتماعية والعمل، الداخلية، الدفاع، الإدارة المحلية، وزارة القطاع الاقتصادي ومصاريفها وفقاً لنظام الصندوق المشترك».
عقب ذلك تم تشكيل لجنة فنية من أغلب الوزارات والاتحادات والنقابات المهنية وخبراء التأمين الصحي لوضع قانون بديل للقانون رقم 1 لعام 1979، وعملت هذه اللجنة باجتماعات دورية محددة التواريخ، وأنهت أعمالها عام 2003 بالتوافق على مشروع قانون للتأمين الصحي، وكان من أهم نقاط القانون إحداث هيئة تتبع لرئاسة مجلس الوزراء، يرأسها وزير، ولا يشترط أن يكون وزير الصحة، ويعين لها مدير عام، وأن تحدث صناديق للفقراء، وهذا أقرّ بالخطة الخمسية العاشرة للعام 2005، والمتتبع للخطة يجد أنها ركزت بشكل كامل على التأمين.
ودرس المشروع من لجنة الخدمات في مجلس الشعب ورفع إلى رئاسة مجلس الوزراء ودرس في لجنة الموارد البشرية واللجنة الاقتصادية وكان التساؤل الوحيد من مجلس الوزراء عام 2004 هو هل يتناسب المشروع مع اقتصاد السوق؟ فتمت الإجابة بـ«نعم».
في العام 2004، ضمن منحة الاتحاد الأوروبي لتطوير القطاع الصحي في سورية؛ تم إدخال التأمين الصحي وفقاً للنتيجة السادسة في المشروع، ودرس بشكل كامل بالتنسيق مع خبراء من ألمانيا والنمسا واللوكسمبورغ والاتحاد العالمي للعمال في تورينو، وأنفق على المشروع ملايين اليوروهات، ليتم الاتفاق عام 2007 على مشروع خريطة الطريق للتأمين الصحي في سورية التي أعدها فريق الاتحاد الأوروبي والفريق السوري برئاسة البروفسور ديتلف شويفل الذي أرسى قواعد التأمين الصحي في 28 دولة في العالم.
وفي عام 2007 استفاقت رئاسة مجلس الوزراء مجدداً بعد أن تقدمت السورية للتأمين ببوليصة لتغطية العاملين في الدولة بالتأمين الصحي ورفع مجدداً مشروع القانون المقدم مع بوليصة المؤسسة السورية لمجلس الوزراء الذي شكل لجنة وزارية في الشهر الأول من عام 2007 من ثلاثة وزراء برئاسة وزير المالية وعضوية وزير الصحة ووزيرة الشؤون الاجتماعية لإقرار القانون المقدم من وزارة الصحة أو الأخذ ببوليصة المؤسسة السورية. هذه اللجنة أقرت تشكيل لجنة فنية من الفعاليات والخبراء كافة لدراسة الوثيقتين. أقرت اللجنة بعد دراسة مستفيضة الأخذ بمشروع القانون المقدم من وزارة الصحة على أن تكون المؤسسة السورية إحدى أدوات التطبيق.
طبعاً لم يقر مجلس الوزراء هذه التوصية أو الدراسة لأن الهدف كان إعطاء السورية التأمين الصحي لتخفيض خسائرها بعد أن دخل القطاع الخاص على سوق التأمين، ولكن للأسف كان إعطاؤه بمنزلة ضربة للمؤسسة والتأمين بشكل خاص فكيف للمؤسسة حينها أن تدير الحقيبة في ظل عدم جاهزيتها مطلقاً لأعمال التأمين الصحي، وعدم وجود أي كادر مدرب، وعدم وجود أي عقود مع مقدمي الخدمات، وعدم وجود برنامج حاسوبي، واحتساب اقتطاعات من العاملين والدولة تخالف الدستور «المادة 18»، وعدم معرفة الأعداد الحقيقية للعاملين في القطاع الإداري حينها.
لمن يدفع؟!
أدخل على الخط شركات إدارة النفقات الصحية لإدارة العملية وبدأت الجباية والمساومات فمن يدفع أكثر يأخذ النصيب الأكبر من العقود وتحققت الأرباح في النصف الأول من عام 2010 لعدة أسباب، أبرزها إجراء عقود وخاصة مع وزارة المالية ووزارة التربية وحينها تأخر تسليم البطاقات مما لم يتسن للمؤمن المراجعة، ولم يكن المؤمن على دراية بالتأمين ولم يتمكن من معرفة الخطط، ولم يكن هنالك عقود كافية مع مقدمي الخدمات، ودفعت المالية مبالغ كبيرة دون التأكد من الأعداد متذرعة بكتب الوزارات وما زالت تدفع لتاريخه دون تدقيق بالأعداد، ولم يجر أي تقاص بين الوزارات والمالية وكذلك المالية والمؤسسة العامة السورية للتأمين «ولتاريخه»، وقبضت شركات الإدارة مستحقات دون أن تقدم أي شيء.
وهكذا نالت المؤسسة والشركات أرباحاً لا تستحقها خلال عام 2010 والعام الذي تلاه إلى أن برزت خلافات تالية مع المؤمن لهم خلال هذه الفترة لم يكن هنالك أي نوع من الرقابة على عمل التأمين الصحي لجهة أي مؤسسة حكومية «وزارة المالية، وزارة الصحة، الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، هيئة الإشراف….» ولتاريخه.
عام 2010 انتهت الدراسة حول إنفاق المواطن والأسرة السورية على الصحة بالتعاون بين وزارة الصحة والاتحاد الأوروبي وجامعة دمشق، ولم يتم الأخذ بها مطلقاً، وصدر قرار من مجلس الوزراء بالتأمين الصحي للقطاع الإداري دون أي دراسة أو نظم قانونية أو عقدية، ليصبح التأمين الصحي يتصدر قائمة الفساد، وفقاً لتصريحات القائمين عليه، وخاصة مدير عام هيئة الإشراف الذي صرح أمام رئيس الوزراء سابقاً بأن 30 بالمئة من مبالغ التأمين الصحي لا يعرف مصيرها.
في الكثير من التصريحات يتم الحديث عن عدم تجاوب وزارة الصحة حول المشروع، وهنا لا بد من الإيضاح من خلال أعمال التأمين الصحي في العالم، ومن خلال مسودة مشروع قانون التأمين الصحي، ومن خلال الاجتماعات؛ فإن وزارة الصحة لا علاقة لها بالتأمين الصحي، ويكمن دورها في عملين أساسيين، هما تقديم الخدمة من خلال الهيئات المستقلة والمراكز، الرقابة بالتشارك مع النقابات المهنية لذا اقتضى التوضيح.
إن إحداث شركة تأمين هو نقل بوليصة خاسرة وفيها شبهة فساد من المؤسسة العامة السورية إلى شركة محدثة دون إصدار قوانين ووضع أسس والاستفادة من خبرات الدول ومن أخطاء التطبيق لدينا.
نعود إلى الأرقام التي أوردها وزير المالية حول الإنفاق على الصحة من وزارة الصحة والتعليم العالي التي تساوي 264 مليار ليرة، فهذه أرقام غير دقيقة، حيث يدخل بها الرعاية الصحية واللقاح والإسعاف والمطلوب من سيادته وهو المرجع الأول للمال في الدولة أن يزودنا بالإنفاق في وزارات الدولة على التأمين الحصي، ومساهمة وزارة المالية في التأمين الصحي للقطاع الإداري، والضرائب والرسوم على صناعة الدواء وتصديره، وقيم اللصاقة الدوائية التي صدرت بقانون، وصناديق التكافل الحكومية والنقابات والاتحادات والخاصة والمقدرة بالمليارت.
يبلغ متوسط راتب الموظف تقديرياً نحو 40 ألف ليرة سورية، 9 بالمئة تشكل ما قيمته 3600 ليرة شهرياً و43.2 ألف ليرة سنوياً، والقوى العاملة في القطاعين العام والخاص والمتقاعدين نحو 4 ملايين شخص، وهذا يحقق 178.8 مليار ليرة سورية، تساهم فيما يدفع سابقاً، لنخرج بها جميعها ضماناً صحياً متوازناً لأفراد الشعب السوري كافة، ونرجوه أن يزيد من حملات مكافحة التدخين وتعاطي الأراكيل، إذ إن وضع رسوم عليها يشرعن وجودها في المحال والمطاعم.
أما عن المتقاعدين فلديهم المرسوم رقم 46 للعام 2011 راجياً أن يعود إلى أرشيف وزير المالية ليطلع على الإجراءات التي اتخذت بهذا الصدد والتلاعب الذي أوقف تطبيق المرسوم لتاريخه.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن