من دفتر الوطن

رؤيا المطران كبوجي

| حسن م. يوسف

يجدر بالأمم عندما تحدق بها الأخطار أن تصغي بعمق لما يقوله العقلاء من أبنائها، لذا أشعر أنه من واجبي أن أذكر أبناء أمي وأمتي برؤيا المطران المقاوم إيلاريون كبوجي الذي يكرس دور رجل الدين الوطني العابر للطوائف والأديان، الذي أرسى بنيانَه ابنُ مدينة جبلة الشيخ المقاوم عز الدين القسام. فالشيخ القسام والمطران كبوجي يمثلان الدين الشامي الوطني المقاوم بضفتيه المسيحية والإسلامية، لذا أنظر إليهما كنموذجين ثوريين استثنائيين، كانا ولا يزالان حاضرين في ساح معركة الدفاع عن الوطن السوري.
عقب وفاة المطران كبوجي في اليوم الأول من كانون الثاني عام 2017 كلفت بكتابة سيناريو عن حياته. صحيح أن المسلسل قيد التصوير، إلا أن الأخطار التي تحدق بمنطقتنا تجعل من واجبي أن أسرب لكم جانباً من رؤيا هذا القديس، لافتاً عنايتكم إلى أن كل كلمة ترد على لسان المطران كبوجي موثقة وقد وردت في كتاب: «ذكرياتي في السجن».
في اللقاء الأخير الذي تجريه مع المطران كبوجي في آذار 2016 تتساءل بطلة المسلسل آنيتا قائلة: «سيدنا، في كتير من المثقفين السوريين، كانوا مشوشين، ببداية الحرب اللي عم تجري حالياً في سورية، وعسورية، بس أنت موقفك كان واضحاً تماماً من أول يوم، «فيهز كبوجي رأسه بالنفي ويقول: مش صحيح هـ الكلام! أنا موقفي، ما كان واضح من أول يوم، موقفي كان واضح من أربعين سنة، وأكتر».
ينهض ويحضر مصنفاً ضخماً من إحدى الخزائن، يجلس ويضع المصنف في حجره ويقول: «بعد طلوعي من السجن، إجاني بشهر نيسان 1979، تنين صحفيين من لبنان، هني أنطوان فرنسيس، وسركيس أبوزيد، عملوا معي لقاء طويلاً حتى ينشروه بكتاب. كنت اشترطت عليهم، إنن يبعتوا لي بروفة الكتاب، حتى اطلع عليها قبل النشر. ما كنت متصور أنه الموساد إله عملاء بالبريد بكل مكان! المهم الموساد وصَّل الموضوع للفاتيكان بطريقة ما، وما كان قدامي إلا إني اترجى الصحفيين اللي إجو عـ روما، وتكلفوا سفر وإقامة، إلا إنن يأجلوا نشر الكتاب لبعد موتي»! يخرج كبوجي بروفة طباعة الكتاب من المصنف، ويفتحه على صفحة معلمة بقصاصة ورق ثم يتابع الكلام قائلاً: «اسمعي شو قلت لأنطوان فرنسيس وسركيس أبوزيد، بسنة التسعة وسبعين». يقرأ من بروفة الكتاب: «لم يكن لوعد بلفور أن يتحقق إلا بعد تجزئة سورية، وما دامت سورية موحدة ولم تتجزأ، فإن هذا الوعد، وإن مرَّ، فلا يمكن أن يستمر. الوسيلة العملية لتجسيد الوعد فعلياً على أرض الواقع هي تجزئة سورية. هذا المخطط ما زال مستمراً ويتحين الفرص المواتية لينفذ. ومحادثات كامب ديفيد، هي المَعْبَر السياسي الأميركي للوصول إلى هذا الهدف. «يهز كبوجي سبابته والبرق يلمع في عينيه، يقول: اسمعي كمان. يقرأ من بروفة الكتاب: «خُلِقَت مأساة لبنان لهذا الغرض أيضاً، وفي أثناء اشتعال الحرب في لبنان، انعقد كامب ديفيد، وصدرت قرارات واشنطن، ورسمت خطة التنفيذ. الآن، الفصل الثاني من المؤامرة، وهو نقل المرض الذي تفشى في لبنان، إلى سورية. وهذا ما بدأنا نشاهده يجري على الساحة السورية، زرعوا الوباء…»، يلتفت إلى آنيتا ويتابع قائلاً: «المقصود هون تحركات الإخوان بأواخر السبعينيات وأول الثمانينيات…»، يتابع كبوجي القراءة من الكتاب: «زرعوا الوباء، وهم يؤمِّنون له المناخ المناسب ليقوى، وينتشر، ويستفحل، من أجل تجزئة سورية. متى تجزأت سورية ركعت… ومتى ركعت سورية، ركع العرب معها، وتحقق مخطط كامب ديفيد، ونُفِّذَت مقرراته».
يرمق آنيتا بنظرة سريعة قائلاً: «اسمعي شو قلت كمان!» يواصل القراءة: «المستهدف بأحداث سورية ليس الحكم السوري. الهدف هو سورية المعروفة بتاريخها النضالي. شعب سورية شعب مناضل، شعب قوي، شعب صامد، شئنا أم أبينا. عندما يقال سورية «قلب العروبة» فهذا صحيح، إنها قلب العروبة، والهدف النهائي لما حدث في لبنان ليس لبنان، بل جعل لبنان جسراً إرهابياً إلى سورية، بهدف تدميرها، أشعلوا النار في لبنان لكي تمتد إلى سورية…».
نعم هذه رؤيا المطران المقاوم كبوجي منذ أربعين عاماً، وهي برأيي لا تزال كلية الصحة فهم يشعلون النار في لبنان كي تمتد إلى سورية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن