قضايا وآراء

إسرائيل والغرب وإعادة تصنيع داعش

| تحسين الحلبي

خسائر إسرائيل من الناحيتين التكتيكية والإستراتيجية نتيجة انتصار سورية وحلفائها بدأت تظهر وتزداد أكثر فأكثر يوماً تلو الآخر، وهذا ما تؤكده بشكل مباشر وغير مباشر بعض مراكز الأبحاث الإسرائيلية العسكرية والسياسية ففي الثاني من تشرين الثاني الجاري نشر مركز أبحاث «إنتاج المعرفة» بالعبرية تحليلاً بقلم العقيد الإسرائيلي المتقاعد عومير دينيك من قسم الأبحاث الاستراتيجية جاء فيه: إن اتفاق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأخير يحمل استكمالاً للمرحلة الأخيرة في الحرب التي دارت في سورية ويعيد إليها سيادتها الكاملة تحت قيادة (الرئيس بشار) الأسد، ويبين في تحليله أن روسيا أدارت سياسة تجاوزت فيها كل المشكلات مع أردوغان والولايات المتحدة بصبر ودأب، ويرى أنها تمكنت من المحافظة على الدور الإيراني في دعم سورية برغم كل السياسات الأميركية والإسرائيلية التي استهدفت هذا الوجود الإيراني فوق الأراضي السورية.
ويستنتج من رؤيته هذه بأن «إسرائيل أصبحت مطالبة بإعداد نفسها خلال السنوات السبع أو العشر المقبلة لخطر كبير من الجيش العربي السوري الذي بقي تحت سيادة مركزية في جبهتها الشمالية في مواجهة القدرات الإسرائيلية».
ويكشف دينيك أنه يتمنى أن يكون ما قيل حول دور إيراني في ضرب مصادر النفط السعودية من اليمن مجرد دعاية انتخابية وليس صحيحاً، وإلا فكيف سنقبل بهذا الواقع الجديد إذا كان الوضع السوري الإيراني على هذا النحو؟
يعترف دينيك بأن على إسرائيل إدراك أن الغارات الجوية التي كانت تقوم بتنفيذها فوق الأراضي السورية بحجة ضرب أهداف إيرانية انتهت، برغم أن ذلك لا يعني أن تمتنع عن ذلك كلياً لكنها ستكون غارات محدودة، وسيتعين على إسرائيل بدلاً من هذه الغارات أن تدرس كيف ستهتم بالأمن الشامل لهضبة الجولان لأن قوة الجيش العربي السوري سيجري تعزيزها تجاه الجولان بمجموعات مسلحة مدعومة من إيران أو برعاية من حزب الله، وأصبح اتفاق فصل القوات والمحافظة عليه من إسرائيل، بنظره، مصلحة إسرائيلية أساسية، ويشير إلى أن اعتراف ترامب بضم الجولان لإسرائيل لن يكون هدية مجانية بل سيكلف إسرائيل ثمناً باهظاً. موضحاً أنه لم يكن يبالغ حين حذر منذ سنوات من أن يتمكن حزب الله من الحصول على تكنولوجيا إصابة الأهداف بدقة وتجهيز صواريخه بهذه التكنولوجيا العسكرية الدقيقة، وها هو أصبح قادراً على استخدامها بموجب ما يراه دينيك.
ومع ذلك وبحسب ما يمكن القول إنه: افتراضات أو مسلمات إسرائيلية يستند إليها خبير عسكري إسرائيلي من هذا المستوى ويعرضها في تحليل علني، ماذا بقي لإسرائيل مما يمكن أن تقوم به لمواجهة هذه التحديات من جبهة الشمال؟
يرى عدد من المحللين الإسرائيليين أن وضع إسرائيل ما قبل عام 2011 كان أفضل من وضعها الراهن برغم كل ما حدث لسورية خلال السنوات الماضية، وهذا يعني أن انتصار سورية وحلفائها فرض تغييراً لم تستطع إسرائيل منع مضاعفاته عليها وعلى مستقبل سياستها التوسعية أو هيمنتها في المنطقة.
وهذا ما سيفرض على قادة إسرائيل إعادة حساباتهم التي اعتادوا على وضعها في ميدان العدوان العسكري المباشر أو الشامل على سورية، ولم يبق أمامهم إلا اللجوء في هذه الحالة إلى سياسة المراهنة على دعم عملائهم لشن أشكال العدوان غير المباشر عن طريق محاولات اختراق الجبهات الداخلية من جديد وعلى نحو يطول كل عوامل القوة المتحالفة مع سورية من إيران إلى لبنان إلى العراق بل من دون استثناء محاولات التخريب الداخلية في الأراضي السورية نفسها، فالحرب الكونية على سورية لا يريد من يشنها التوقف عنها طالما أنه لم يحقق أهدافه منها وهذا ما تضعه إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على جدول عملها وكذلك إسرائيل وبعض الدول الأوروبية، مستخدمة كل ما يتاح لها من مزاعم ومسوغات.
وما زالت هذه الأطراف تزعم أنها مستمرة بمحاربة مجموعات داعش فوق الأراضي السورية وهي نفسها التي تعيد صناعتها بقادة إرهابيين جدد بعد هزيمة قادتها السابقين وتصفية معظمهم؟
وسوف تجد إسرائيل نفسها منخرطة من جديد في إعداد دواعشها مرة أخرى على غرار حلفائها في الغرب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن