قضايا وآراء

حسابات قبل حزيران… أجندة رهان أم رهينة…!؟

عبد السلام حجاب

 

من دون مغالطة للواقع، فإن حظوظ الآمال المعلقة على حلول سياسية تتراجع لصالح حلول عسكرية تخطط أميركا لفرضها على ظهر إرهاب تصنعه وتقوده عبر منظومة دول حلف الحرب على سورية بشكل لم يعد خافياً، أو عبر جماعات تكفيرية إرهابية تتغذى من حبل سري واحد يتمثل بتنظيمي «داعش وجبهة النصرة» الإرهابيين وإن تعددت الولاءات وفقاً للمصالح والمخططات التكتيكية والإستراتيجية التي يتبادل فيها الأدوار والوظائف السفاح العثماني أردوغان في تركيا وحكام السعودية وقطر والأردن بتنسيق وتناغم علني مع الكيان الصهيوني، وهو الأمر الذي يشي بمسألتين رئيستين تحكمان المشهد السياسي واحتمالاته المتفجرة.
1- إن الطريق إلى موعد الثلاثين من حزيران القادم حيث من المفترض توقيع الاتفاق النهائي بين إيران ودول 5+1 ليس طريقاً آمناً. بل إن أجندة الرهان لكل من الكيان الصهيوني وثلاثي حلف الإرهاب المؤلف من تركيا والسعودية وقطر تخفي في تفاصيلها مع شيء من الاختلاف في تفاصيل مرحلية، جعل صيف حزيران، أشد حرارة على المنطقة وقضايا شعوبها، على الرغم من تمسك إيران بحقها بعدم ربط ملفها النووي السلمي بأي ملفات أخرى في المنطقة، سواء فيما يتعلق بملف الأزمة في سورية أو بمواقف إيران من الكيان الصهيوني والقضية الفلسطينية!؟
2- إصرار أميركي يقود حلف الحرب بوساطة الإرهاب على جعل ملف الأزمة في سورية رهينة سياسية وعسكرية بهدف فرض حلول سقطت منذ زمن وهو ما يفصح عنه الإسناد الناري المباشر والدعم اللوجستي الذي يقدمه السفاح أردوغان عبر حدود تركيا من جهة الشمال الغربي لسورية إلى قطعان الإرهابيين والمرتزقة بدعم مالي أسود من حكام السعودية وقطر. وذلك بهدف تحقيق حلمين فاسدين.
الأول: تعطيل المشاورات التي يجريها المبعوث الدولي دي ميستورا في مقر المنظمة الدولية بجنيف، وحرفها بعيداً عن أي احتمالية تقود إلى حل سياسي للأزمة في سورية من خلال السوريين أنفسهم وبقيادة سورية من دون تدخل خارجي أو ضغوط تحت وطأة إرهاب مسلح وممنهج. ولعل دي ميستورا بات يدرك جيداً أن مساراً تخريبياً كهذا يطيح بداية بالتفاهمات والاختراقات التي أحدثتها لقاءات موسكو التشاورية بنسختيها الأولى والثانية ممهدة الطريق أمام حل سياسي بعد أن سقطت الحلول العسكرية وأصبحت صيغة منبوذة لدى العديد من دول العالم والمنظمة الدولية باستثناء أمريكا وحلف الحرب الذي تقوده ضد سورية. وقد أكد الرئيسان الروسي والصيني معارضتهما وتصدي بلديهما لأي قرارات دولية ضد سورية وتمسكهما بالحل السياسي للأزمة فيها.
الثاني: سعي حثيث يسابق الزمن لتحقيق مكاسب جيوسياسية على حساب الجغرافيا السورية تحيلها إلى رهينة سياسية لفرض شروط تفاوضية تتجاوز «سايكس بيكو» إلى التفتيت الجغرافي والسياسي والوطني. وليس إلا تمهيداً في هذا السياق أن تتصاعد لغة التهديد ضد سورية وتتسع رقعة التحضير للعدوان والبدء بتدريب الإرهابيين والمرتزقة ممن تطلق عليهم واشنطن «المعارضة المعتدلة المسلحة» في الأردن وتركيا والسعودية وقطر، ويزج الكيان الصهيوني بوجهه الإرهابي عبر الدعم اللوجستي والعسكري للمجموعات الإرهابية في مناطق فصل القوات في الجولان السوري المحتل. يترافق ذلك كله مع حملة إرهابية قديمة جديدة، تتخذ من الإعلام الأسود والصحف الصفراء وسيلة لشن حرب شائعات ساقطة وعناوين مضللة مستهدفة الصمود الوطني السوري وقوات الجيش العربي السوري التي تشكل في وجدان السوريين قلعة للأمن والأمان وطرد الغزاة مهما تبدلت عناوينهم، وتعددت أسماء داعميهم ومموليهم!؟
ما من شك أن في التاريخ الحديث كما في القديم عبراً ومآثر لا تلغيها دعاية كاذبة ولا تبدل من حقيقتها إشاعة سوداء، والإنجازات التي حققها أبطال الجيش العربي السوري ومن خلفه صمود السوريين الأسطوري في مواجهة الإرهابيين والداعمين لهم، أصبحت اليوم منارة إشعاع في الدفاع عن الوطن والحقوق ومدرسة ينهل منها الآخرون فنون مواجهة الأعداء والشجاعة في اقتحام المستحيل ودحر الغزاة والطامعين، وفي المقابل الذي لا تخطئه عين مراقب سياسي، فإنه يبدو واضحاً السلوك التدميري المضاد للذات القومية ذاك الذي يمارسه حكام السعودية وقطر والأردن، وقد اختاروا صاغرين مواقع لهم كعملاء في خدمة أعداء العروبة والإسلام، أليس خياراً كارثياً بالحالتين الطوعية والقسرية أن يؤثر النظام الرسمي العربي الخضوع لمتطلبات المشروع الأميركي الصهيوني في المنطقة؟
لعلها أسئلة مشروعة يغيبها البعض عن وعيه وإن كان في حدوده الدنيا، لكنها تصر على اقتحام الواقع والوجدان في زمن تغييب الحقائق وتزوير الوقائع وتصنيع ذرائع لأدواتهم الإرهابية وأحقادهم الكريهة وأحلامهم المنهارة، يكفيها كدليل يضاف إلى ما تواجهه سورية منذ أكثر من أربع سنوات تعددت فيها الأجندات الساخنة والمغلفة بقفازات وكان مآلها السقوط أو الفشل أو الهزيمة، ما يجري في اليمن وليبيا والعراق. ما يدفع إلى سطح الذاكرة ما قاله السفير الأميركي السابق في السودان- دون بيرغوس «كنا في وزارة الخارجية نتندر بأنه إذا أعلن يوماً «رئيس وزراء إسرائيل» أن الأرض مسطحة أصدر الكونغرس قراراً يهنئه على هذا الاكتشاف!؟
لا جدال في أن سورية بقيادة الرئيس بشار الأسد، الشجاعة والحكيمة لم تكتف يوماً بمراقبة مشهد أو المرور عليه. كما لم تبالغ في حجمه أو في احتمالات تبدلاته وتغيراته السياسية والعسكرية، ما جعل قراراتها ومواقفها في الميدانين قراراً صائباً وموقفاً فاعلاً في كتابة صفحات مشرقة في تاريخ سورية الحديث على الصعيدين الوطني والقومي، بحيث أصبحت مشكلة الذين يعدون مخططات أجنداتهم ضد سورية على حساب انتظار ما يمكن أن يسفر عنه شهر حزيران، وهو يترنح بين معضلتي الرهان والرهينة باتجاه الكارثة التي لن تستثني أحداً من تداعياتها الخطيرة. ولعل من غاب عنه وعي وإدراك حقيقة السوريين وهم يتقدمون بانتصاراتهم يكون كمن يزرع ريحاً لن تحصد غير العاصفة، لأن ثقتهم بالنصر راسخة، وقامات رجالهم ثابتة، ملتحمة بأرضها وسلاحها ونصرها المؤكد، تكلؤهم الرعاية الإلهية ووعد من الله للصابرين الصامدين.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن